الخلفية البيداغوجية والإجراء القرائي -د. إدريس الخضراوي
تعزز التأليف البيداغوجي بالمغرب بظهور مؤلف جديد حمل عنوان : مقاربات منهجية للنص الروائي والمسرحي (الجذع المشترك للآداب والعلوم الإنسانية والجذع المشترك للتعليم الأصيل) . وهو من تأليف الأساتذة : سعيد يقطين ومحمد الداهي وحميد لحميداني . وهذا العمل صدر ضمن سلسلة المختار في تدريس المؤلفات ، عن دار المدارس بالدار البيضاء 2006 ، ضمن القطع الكبير (216 صفحة).
يحمل الكتاب* في صفحة الغلاف لوحة فنية ترتكز دلاليا على تيمة القراءة بما توحي به من تعدد وحوار وتنوع واختلاف ، كما يتأثث مشهده بصور المؤلفين الذين تستهدفهم المنهجية القرائية، وهم : الميلودي شغموم وسهيل إدريس ومحمد عز الدين التازي وعبد الكريم برشيد وسعد الله ونوس والطيب الصديقي . وتتوزع مباحث الكتاب كما يلي : مقدمة ، ثم الدورة الأولى حيث قراءة الروايات التالية : عين الفرس : جدلية الحكاية والواقع ، الحي اللاتيني : الغرب بوصفه قيمة مزدوجة ، المباءة : بين الاحتجاج الاجتماعي والنقد السياسي . والدورة الثانية حيث قراءة النصوص المسرحية التالية : ابن الرومي في مدن الصفيح : في سبيل الحرية والعدالة ، سهرة مع أبي خليل القباني : تأصيل الفعل المسرحي ، أبو حيان التوحيدي : المثقف والسلطة ، وكشاف المصطلحات الموظفة في التحليل ، ثم ثبت لأهم المراجع والمصادر ذات العلاقة بالجوانب التي تطرق لها المؤلفون . وتفترض هذه القراءة التي نحاور من خلالها هذا الكتاب ، أهميته الديداكتيكية والتربوية والمعرفية ، وذلك لاعتبارا ت عديدة عامة وخاصة : ففيما يتصل بالأولى ، نلاحظ من حولنا أن انتشار التربية والتعليم في بلدان العالم المختلفة أصبح معيارا أساسا للتقدم الاجتماعي والثقافي فيها . ولتحقيق ذلك نلاحظ أن الدول تتخذ من إنماء الأدب التربوي هدفا إلى بناء الإنسان وتطوير شخصيته في كافة جوانبها العقلية المعرفية والجسمية والانفعالية والوجدانية والذوقية والجمالية . من هذه الزاوية نتصور أن هذا الكتاب يندرج في سياق الزخم الذي تعرفه المدرسة المغربية فيما تربط بتعدد المقررات الدراسية من جهة والكتب التأليفية الموجهة من جهة ثانية . إن تدخله لا يروم الإمساك بالحقائق التي يتضمنها النص وحسب ، وإنما كذلك مساعدة المدرس على بناء الطريقة الملائمة في تدريسه . خاصة وأن الطريقة هي " الأداة أو الوسيلة الناقلة للعلم والمهارة للمتعلم ، فكلما كانت ملائمة للموقف التعليمي ومنسجمة مع عمر المتعلم وذكائه وقابليته وميوله كانت الأهداف المتحققة عبرها عمقا أوسع واكثر فائدة " .([1]) أما الخاصّة فتتمثل في كون مؤلفيه يعدون من خيرة النقاد والدارسين المغاربة الذين وجّهوا الدراسات النقدية بالمغرب نحو مسالك جديدة ، وفتحوها على التطورات والانتقالات التي يشهدها الفكر الأدبي في مناطق مختلفة من العالم الغربي . ويكفي العودة إلى الأثبات البيبلوغرافية المغربية للتأكد من أهمية الدراسات والأبحاث التي أنتجوها والمجالات التي خاضوا فيها بما يتطلبه كل ذلك من عدّة نظرية وقدرة على مصاحبة النصوص وفك مغالقها .
1- الوعي الديداكتيكي :
إن إقدام كل مؤلف أو مؤلفة على إنجاز عمل ما ، ليس فعلا اعتباطيا أو مرتبطا بالصدفة ، وإنما هو فعل مبرر تحكمه مقاصد وغايات ، وتوجهه أسئلة محددة وقراءات عميقة للمجال الذي يستهدفه . وذلك حتى تكون هذه المساهمة قابلة لإحداث التغيير الذي يأمله ويرتضيه . وهذا الكتاب ليس شاذّا من هذه الناحية . فمؤلفوه يكشفون بوضوح منذ الافتتاحية عن الأسباب التي كانت دافعا لهم لإنجاز هذا التأليف الجماعي ، حيث يلخصونها في ثلاثة عوامل : العامل الأول يتمثل في الصعوبة التي تنطوي عليها دراسة المؤلفات سواء تعلق الأمر بالنصوص الروائية أو المسرحية . وهذه الصعوبة تزداد إلحاحا وضغطا عندما تقدم المناهج الدراسية نصوصا تنتمي إلى حساسيات فنية جديدة في ميدان الكتابة ، تكون غريبة عن انتظارات التلاميذ ، وكذلك الأساتذة أحيانا ، الأمر الذي يستوجب تدخلا بيداغوجيا ونقديا ، من أجل العمل على تحويل هذه القيم الفكرية والمقومات الجمالية إلى معرفة قابلة لأن تُدرس للتلاميذ وتقدم لهم . أما العامل الثاني فيتمثل في تطوير أداءات المدرسين ورفع دافعيتهم وتنمية الاتجاهات الإيجابية لديهم ، وحفز التلاميذ على المشاركة في قراءة النصوص عبر تمكينهم من الوسائل التي تدفعهم إلى الرفع من مستوى التلقي داخل الفصل ، " وليس ترديد تصورات جاهزة ومغلوطة مع تبرير التبسيط في تحليل النص بدعوى تدني المستوى وعدم إقبال المتعلمين على الدرس والتحصيل " ([2]). أما العامل الثالث فيتلخص في الرغبة في إغناء مكتسبات التلاميذ ووصلهم بالمستجدات التي يعرفها المشهد النقدي من جهة والمشهد الأدبي عربيا ومغربيا ، وذلك وفق منظور بيداغوجي يراعي مستوى الفئات المستهدفة ، وقدرتها على تلقي النصوص وتذوقها وتأويلها وإصدار أحكام عليها.
إن درس المؤلفات كباقي الدروس المدرجة ضمن مكون وحدات اللغة العربية ، لا يمكن أن يكون مجديا وفاعلا في تحقيق الاستجابة للرهانات التي تواجهها المدرسة الحديثة ، والمتمثلة في تعميق القدرات العقلية والمعرفية للتلاميذ ، ودفعهم إلى استثمارها في فهم المشاكل التي تعترضهم ، ومن ثم تقديم حلول لها ، مما يسهل اندماجهم في محيطهم وييسر توافقهم معه ،([3])إذا لم يسترشد فيه المدرس بما يكفي من التوجيهات الديداكتيكية القمينة بتسهيل التواصل داخل القسم وتمرير المعرفة إلى التلاميذ . بالنظر لكل ذلك نجد لدى أصحاب هذا الكتاب وعيا ملحا بهذه المسألة . فالإنصات العميق إلى مراحل القراءة التي يقدمونها حول النصوص تكشف ، رغم صعوبتها ، عن وعي عميق بخصوصية النص من جهة ، وعن مجهود في تركيب العناصر المنهجية المساعدة على محاورة النص والاقتراب من اقتراحاته : فنيا ودلاليا وقيميا . وهذا المعنى تضيئه الأهداف التي تغياها هؤلاء المؤلفون . والتي تشمل كل عناصر العملية التعليمية التعلمية : المدرس والمادة والتلميذ . ففيما يتعلق بالمدرس يتصور المؤلفون أن قراءتهم لا تمثل دعوة للاستغناء عن مجهود القسم ، ولا هي إلغاء للقراءة المنتجة من قبل التلاميذ مع أساتذتهم ، وإنما هي ، بخلاف كل ذلك ، مساهمة في ترسيخ تقاليد القراءة لدى المتعلمين وحفزهم على قراءة النص ومصاحبته بما يتطلبه من إدراك عميق لأسراره وتفهم سليم لمقاصد صاحبه. من هذا المنطلق يكون رهان الكتاب منصبا على الارتقاء بالمتعلم إلى أن يكون منتجا وقادرا على اقتحام مغالق النصوص ومحاورتها ، وإبداء الرأي إزاء ما هو متضمن فيها من قيم جمالية وفكرية وشعورية . وهذا العمل الموجه يدافع عن مشروعيته انطلاقا من خلفية تروم تأكيد أهمية التعلم الذاتي . خاصة من جهة كون اكتساب المعرفة هو ، في جوهره ، انفتاح على مصادر متعددة ، بحيث يؤدى الاحتكاك بها إلى حفز المتعلم على التساؤل عما يزخر به النص من قضايا ومسائل : ابتداء بملاحظته واستخلاص العناصر المساعدة على قراءته وصولا إلى فهمه وتحليله وتأويله وإنتاج حكم بصدده .
2- الإجراء المنهجي
تسترشد هذه القراءة لمؤلفات الجذع الأدبي المشترك بمنهجية المنظورات الستة التي شيدها فيالا وشميت في كتا بيمها : تحسين الأداء القرائي (savoir-lire)، و الإقراء (faire lire). واتخذت منها وزارة التربية الوطنية إطارا عاما لتدريس مادة اللغة العربية بالأقسام الأدبية بالتعليم الثانوي التأهيلي والتعليم الأصيل. والمحاور التي تعنى بها هذه المنهجية تتمثل في : تتبع الحدث ، واستخلاص البنية ، وتقويم القوى الفاعلة ، وتحليل البعد الاجتماعي ، وكشف البعد النفسي ، وتحديد الأسلوب . على أن هذه القراءة التحليلية تنتهي بالمتعلم إلى تركيب القراءات أو المقابلة فيمها بينها ، بحيث يكون قادرا على استثمار المعلومات والمعارف التي كونها من خلال المنظورات السابقة في تقييم النص والحكم عليه . إن هذه القراءة كما يتضح من خلال منظوراتها تودّ أن ترقى بالتلميذ منهجيا إلى الإحاطة بجميع جوانب النص : الداخلية ممثلة في بنية النص وطرق انتظام كل مكوناته وكيفيات اشتغالها، والخارجية ممثلة في الانفتاحات التي يقيمها النص مع العالم ويشارك من خلالها في رسم ملامحه وإغناء القيم الإيجابية السائدة فيه . وثمة ملاحظتان نكونهما على استثمار المؤلفين لهذه المنهجية في الكتاب : الأولى تتمثل في المرونة التي تعاملا بها مع هذه المنظورات ، بحيث لم يستجيبوا بالضرورة لكل عناصرها ومكوناتها حرفيا، إيمانا منهم بأن ما يهم أثناء القراءة ليس هو المنهج ، وإنما النص الذي تستدعي خصوصيته إجراءات منهجية معينة وتستبعد أخرى . من هذا المنطلق تكون القراءة المستهدفة لنص المباءة على سبيل المثال وفق هذه المنهجية ليست بالضرورة هي التي يتطلبها الخوض في قراءة رواية كالحي اللاتيني أو مسرحية كابن الرومي في مدن الصفيح . أما الملاحظة الثانية فتتمثل في إيثار المؤلفين الانطلاق في قراءة النص من مقاطع سردية تكون ذات أهمية كبيرة في سيرورة الأحداث داخل النص ، والتركيز عليها انطلاقا من منظور بمفرده حتى يكون مستوعبا لدى التلميذ على الوجه الأفضل . تتميز القراءة في كتاب : مقاربات منهجية للنص الروائي والمسرحي ، بالتدرج من التحليل الأفقي إلى العمودي، ومن تقديم مقاربات منهجية للنص إلى اقتراح طرائق للتعلم والتقويم الذاتيين. فهي تستهل بالقراءة التوجيهية حيث تتم العناية فيها بالمناصات أو عتبات الكتاب : العنوان ، اسم الكاتب ، التعيين الجنسي ، صورة الغلاف ، التصدير ، الإهداء ، الكلمة المثبتة على ظهر الغلاف . أما الخطوة الثانية فهي القراءة التحليلية ، وتتفرع إلى مستويين : التحليل الجزئي حيث الاهتمام بتحليل المفاصل الدالة في المؤلف ، والتي يمكن أن يهتدي بها التلميذ في قراءته للقصة وتتبع مختلف دقائقها والتأكد من الفرضيات التي انطلق منها في البداية . ثم التحليل الشمولي ، وفيه يتناول المؤلفون النصوص عموديا وذلك بتتبع مكوناتها في ضوء المنظورات الستة . أما الخطوة الثالثة فهي القراءة التركيبية التي يضطلع المتعلم فيها باستجماع المعطيات الخاصة بكل منظور ويقدمها في شكل عرض أمام زملائه ، حيث يتبلور نقاش عام حول الكتاب تعطى فيه الأهمية لمهارة التقويم وإنتاج الحكم بصدد النص . ولكي تكون هذه المرحلة الأخيرة هادفة ومجدية ينبغي التحقق من مقاربة النص من زوايا وجوانب متعددة ومختلفة ، ومراجعة المعلومات المكتسبة والنتائج المدركة ، والخروج بحصيلة نقدية تحفز على استنتاج مميزات النص وإصدار حكم نقدي عليه .([4]) وإذا شئنا الاقتراب أكثر مما يطرحه المؤلفون في هذا الكتاب ، لوجدنا ، مثلا ، أن قراءتهم لرواية الحي اللاتيني تجسد تكثيفا واضحا ومُخصِّبا لهذه المحاور كلها . فهم يستهلونها بقراءة توجيهية تتناول عنوان الكتاب والدلالات المحتملة التي يؤشر عليها ، ثم الصورة واسم الكاتب وأقوال النقاد المتناثرة على ظهر الغلاف ، وكذلك التمهيد والخاتمة . أما القراءة التحليلية لهذه الرواية فتنهض على مرحلتين أساسيتين : التحليل الجزئي وفيه يتناول المؤلفون ثلاثة مقاطع من الرواية : الافتتاحية والوسط والنهاية ، وفق المنظورات الستة . وفي تقديري تكمن الأهمية في هذه المرحلة من التحليل ، في تنمية وعي المتعلم بالطابع القصصي للنص الروائي ، أي أن الروائي لتمثيل ذاته والعالم من حوله يحتاج إلى إعادة تحبيك المادة السردية ، فيجد أن الشكل الملائم له هو الشكل القصصي بما ينطوي عليه من سيرورة وتنام للحدث ، ونقل للوقائع من الوجود المتنافر غير المنظم وغير المتجانس إلى نسق سردي تنتظمه علاقات مبررة تكون لحمة مؤتلفة متماسكة قوامها رؤية الراوي من جهة ، والشخصيات المؤثثة للعالم الذي هو كلف بعرضه من جهة ثانية. أما المرحلة الثانية من هذا التحليل فتتميز بالشمولية ، وفيها يقف المؤلفون على الرواية كلها اعتمادا على استحضار المتعلم للمعارف والأفكار التي شيدها في التحليل الجزئي . ويتميز هذا التحليل الشمولي بنظرته إلى الرواية نظرة كلية ، فيتناول كل جوانبها انطلاقا مما توفره المنظورات الستة من زوايا متعددة ومتنوعة . أما المرحلة الأخيرة من تحليل هذا العمل الروائي فهي القراءة التركيبية . فالقراءات السابقة تمكن في هذا المستوى من جمع المنظورات السابقة في ثلاث فئات أساسية : فئة تجمع بين تتبع الحدث والبنية ، وفئة تربط القوى الفاعلة بالبعد النفسي ، وفئة تضم البعد الاجتماعي والأسلوب . بعد هذا التصنيف يضع المؤلفون الرواية في مرآة النقد حيث يستحضرون مشهدا متنوعا من قراءات
مختلفة انصبت حول الرواية ومنها : قراءة جورج طرابيشي وقراءة محمد برادة وقراءة فيصل دراج ، وقراءة عوض شعبان ، وقراءة سمير عطا الله . إن هذه القراءات لا تحقق فقط ذلك التماس بين المتعلم والمشهد النقدي العربي ، وإنما تحمله إلى الوقوف على الطبيعة الجوهرية للتلقي الأدبي : بما هو حديث إلى النصوص وحوار معها وتعدد في زوايا قراءتها .
انسجاما مع روح الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي ألحّ على اعتبار الكفايات مدخلا أساسيا لتطوير الأساليب التدريسية والرفع من جودة البرامج والمقررات الدراسية ، وسعى من خلال دعاماته المتنوعة إلى مدرسة جديدة تستوعب ظروف الحياة المتجددة ومتطلباتها الضرورية ، وتنمي في مرتاديها أساليب التفكير الناقد ([5]) وحل المشكلات ، وذلك حتى يشقوا طرقهم في الحياة بنجاح ، واعتمادا ، كذلك ، على الكتاب الأبيض الذي استند فيه معدوه إلى بيداغوجيا الكفايات ، وذلك في ما يتعلق بتحويل غايات الميثاق ومراميه إلى كفايات وقدرات قابلة للإنجاز والتحقق من خلال برامج محددة ، انبرى مؤلفو هذا الكتاب إلى الانطلاق من تصور يراعي المواصفات المميزة لمسلك الآداب والعلوم الإنسانية ، ويرمي إلى جعل درس المؤلفات واضحا في غاياته وأهدافه وفي تدخلاته الرامية إلى تحقيق كفايات معينة في المتعلم . و هذه الكفايات المستهدفة صاغها المؤلفون انطلاقا من وعي يدرك الحدود بين القدرات والكفايات من جهة ، ومستويات تلاؤمها مع المحتويات المقدمة من جهة ثانية . وبالجملة تتعين هذه الكفايات في تنمية قدرات المتعلم على توظيف اللغة واستثمارها في وضعيات تواصلية مختلفة ، وتمكينه من الأدوات التي تساعده على قراءة النصوص بطريقة منهجية ، بحيث يكون قادرا على استخلاص عناصرها وإعادة تركيبها وتقويمها ، وإغناء رصيده الثقافي بما يسهم في توسيع موقفه من الوجود ، والثقة بالنفس والانفتاح على الآخر ، والتشبث بالهوية الثقافية والحضارية من غير تعصب . وهذه الكفايات جميعها تبدو لامسة لجميع الجوانب من ذات المتعلم : العقلية واللغوية والشعورية . ولبلوغ ذلك يقترح الكتاب تنويعا في أساليب التدريس ، وذلك عبر استعمال المجموعات وتكليف التلاميذ بإنجاز عروض حول محاور محددة وتقديمها أمام زملائهم ، بما يسهم في تنمية قدراتهم التواصلية على القراءة و الحوار والمواجهة ( تناول الكلمة أمام الجمهور) من جهة ويعمق مكتسباتهم المنهجية و الثقافية من جهة ثانية .
خــلاصـــة
إن أهمية هذه القراءة في تقديرنا ماثلة في منطلقاتها النقدية والبيداغوجية ، وفي تصوراتها عن النص من حيث مظاهره المادية واللفظية والدلالية والتداولية والرمزية كما تحدث عنها تودوروف وأوزوالد ديكرو في قاموسهما الموسوعي لعلوم اللغة .([6]) وهذه الرؤية هي التي أفصحت عن نفسها في تنوع القضايا المثارة في التحليل ، واتساعها للانفتاح على مختلف الحقائق التي يحتضنها النص : اللغوية والفكرية والعاطفية الشعورية ، ويتموقع من خلالها ضمن العالم . ولأن المؤلفين يدركون الطابع الخاص الذي تندرج ضمنه مساهمتهم : أي انتماؤها إلى حقل التأليف المدرسي ، أو ما يدعى بالأدب التربوي أو تدريسية المواد ( الديداكتيك) ، فإن هاجس التقويم لم يغب عن مقاربتهم لهذه المؤلفات . وهكذا إضافة إلى التحليل ، تتذيل كل قراءة بأسئلة دقيقة تقيس مدى تطور كفايات المتعلم، وتقوم قدراته المنهجية ( مدى تمثل خطوات القراءة المنهجية لمادة المؤلفات) ، وتمكنه من تشخيص مكامن القوة في تعلماته ، ومكامن الضعف فيها ، وذلك حتى يتمكن من تداركها بالاستعانة بتوجيهات مدرسه أو بالأنشطة المقترحة في الكتاب . والواقع أن هذه الأنشطة المدرجة ضمن إطار التقويم الذاتي ، ليست فائدتها مقصورة على المتعلم وحده ، فمن شأن إقدام الأستاذ على متابعتها والانفتاح إيجابيا على ما ورد فيها من استجابات مختلفة ، أن يمكنه من التشخيص الدقيق لجماعة القسم التي يضطلع بتكوينها وتمهيرها على تلقي النصوص ومحاورتها ، ومن استثمارها في إجادة بناء الاختبارات وأدوات التقويم الأخرى . خاصة إذا أدركنا أن تمكن الأستاذ من تشخيص مستوى القدرات والكفايات التي يمتلكها تلامذته ، من شأنه أن يساعده على تنظيم عناصر الموقف التعليمي بدقة ، وتحديد الأوليات في العمل ، مما يرفع من أدائه التدريسي في المواقف التعليمية الصعبة التي يمكن أن يواجهها ، ويجعل تأثيره في تلامذته مجديا وأكثر فعالية في تنمية قدراتهم المنهجية للتدرج من القراءة ( الاسترشاد بتوجيهات الأستاذ لتطوير كفاياتهم المنهجية) إلى الإقراء ( استثمار الكفايات المكتسبة والاعتماد على أنفسهم لقراءة مؤلفات من النوع نفسه)، وصقل مهاراتهم العقلية العليا حتى يتحسن أداءهم المنهجي والتواصلي، ويتحلوا بالمواصفات المطلوبة ( التحليل، التركيب، التقويم، المقارنة، إلقاء عرض، تكوين ملف، التقرير..).
****************
الهوامش :
*سعيد يقطين، محمد الداهي، حميد لحميداني: مقاربات منهجية للنص الروائي والمسرحي، منشورات المدارس، ط1، 2006.
[1] - عبد الله حسن الموسوي : الدليل إلى التربية العملية ، عالم الكتب الحديث ، إربد- الأردن ، 2005 ، ص : 85.
[2] - مقاربات منهجية للنص الروائي والمسرحي ، م م ، ص: 3.
[3] - عبد الله حسن الموسوي : الدليل إلى التربية العملية ، عالم الكتب الحديث ، إربد- الأردن ، 2005 ، ص : 5.
[4] - مقاربات منهجية للنص الروائي والمسرحي ، م م ، ص : 79.
[5] - يقصد بالتفكير الناقد مجموعة المهارات التي تزود الفرد بالقدرة على فحص وتقويم كل ادعاء معرفي أو خبر ما ، لمعرفة دقة وصدق هذا الادعاء أو الخبر بتحليل محتوياته ومعرفة مصادره في ضوء الدليل الذي يدعمه ، ومعرفة الأمور ذات العلاقة من غيرها في خط منطقي واضح . وانسجاما مع هذه القراءة نتصور التفكير الناقد بوصفه جملة المهارات التي يتطلع درس اللغة العربية بجميع مكوناته إلى إكسابها للتلميذ ، وذلك بجعله قادرا على تحليل المعطيات وفحصها والتمييز بينها ، وتفسيرها والحكم عليها . لمزيد من التوسع انظر :
- د. محمد بن راشد الشرقي : التفكير الناقد لدى طلاب الصف الأول الثانوي في مدينة الرياض وعلاقته ببعض المتغيرات ، مجلة العلوم التربوية والنفسية ، العدد الثاني ، جمادى الأولى 1426/ يونيو 2005 ، كلية التربية - جامعة البحرين ، ص : 98-99.
[6] - Oswald Ducrot/ Tzevetan Todorov , Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage , éditions du seuil , paris 1972 ,page 375-376.