الكاتب: mdahi
|
حرر في الإثنين 25-07-2011 01:35 أ£أ“أ‡أپ
-عبد الرحيم بوعبيد: كان محمد الخامس يحفه بتقدير كبير. كان عبد الرحيم بوعبيد معروفا خارج المغرب، ومتمتعا بخبرة إدارية منذ الاستقلال، ومحفوفا بفريق متجانس ومحنك. لم تم إيثار إنسان آخر لا يتوفر على مؤهلاته؟ ألم تكن عملية مقصودة لإفشال تجربة اليسار في الحكم؟ ألا يعتبر ذلك من الأمور الخافية التي تخللت تلك الفترة؟ يشيد عبد العروي بنباهة عبد الرحيم بوعبيد وبسيره في الاتجاه الصحيح رغم كثرة العراقيل والمثبطات، ويرى أن " خيبة أمله الوجودية كانت في مستوى وضوحه السياسي" ص54. لقد توحدت مواقف النقابيين والطلبة المتايسرين وذوي النزوع الانقلابي على توجيه اللوم لعبد الرحيم بوعبيد. الرجل الذي أصر على عدم مغادرة بلاده، وبذل قصارى جهوده لإنقاذه، وتخلى عن حزب الاستقلال تضامنا مع الطبقة العمالية، ورفض، رغم الوعود المغرية، أن يتعاون مع النظام في حالة الطوارئ. وبعد غياب المهدي بنبركة أصبح وحيدا لم يكن في وسعه أن يتفاهم مع عبدالله إبراهيم والمحجوب الصديقي ومحمد البصري. " لا أحد من الثلاثة يتمتع بتجربته وثقافته، وبنباهته على الأقل" ص75. من لم يساير حكمته أعطى الفرصة لتبرير الحملة التعسفية الأفقيرية ( مارس 1973). كما أن المنفيين الذين كانوا يعلنون انتماءهم للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رغم عدم انضباطهم لتوجهاته، خلقوا انطباعا لدى النظام بأن الحزب- رغم توفره على أطر مؤهلة وطروحات ملائمة- لا يمكن أن يتحمل المسؤولية. فهو -من وجهة نظره- عبارة عن كوكبة من الجماعات وليس تنظيما تراتبيا. وهذا ما جعل النظام لا يضع الثقة فيه وإن كان يقبل بعض اقتراحاته، ويسند لبعض أطره مسؤوليات لاعتبارات شخصية. على عكس محمد بوستة لم تكن لبوعبيد نحيزة مخرنية. جاءت فترة أصبح بوعبيد يشعر فيها بالإهانة وسوء المعاملة . وهذا ما دفعه أحيانا إلى التطرف. كان، من الممكن ،أن يترشح في مهبط وجدانه مدينة سلا، لكنه أراد بترشحه في عاصمة سوس أن يكسر المنطق الإقليمي الذي كان النظام يسعى إلى استمراره. وهذا ما اعتبر، في حينه، استفزازا له ينبغي معاقبته عليه. كان بوعبيد هو أول من أثار الاستقلال الذاتي للأقاليم الصحراوية سنة 1976، ثم فيما بعد رفض استفتاء الصحراويين قبل استفتاء المغاربة قاطبة حول قضية مصيرية تهمهم جميعا." رأى الحسن الثاني في هذه المبادرة تدخلا في سلطته كملك. فاغتنم الفرصة لإحراج الاشتراكيين الفرنسيين بمعاقبة هذا المعارض العنيد مرة أخرى" ص105. وبعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد ( 7 يناير 1992) كتب عبد الله العروي ورقة يؤبنه فيها. ومن خلالها يتضح أنه يرى فيه رجل دولة أكثر من رئيس حزب، إذ كان، من الممكن، أن يلعب دور مستشار لكنه، لأسباب متأصلة في ميوله وانتمائه، لم يكن مهيئا لتحمله."رغم صفاء ذهنه ولباقته الطبيعية، أدى ثمن جذوره الشعبية وميوله الشعبوية. كثير من الناس يرى فيه منافسا لكديرة. إن المقارنة بين الرجلين تطرح من تلقاء ذاتها. كان ، من الممكن، أن ينهض بوعبيد بدور مستشار. في حين أنه لم يكن مهيئا له لا من الناحية الاجتماعية ولا من الناحية النفسية" ص192. لما مات كديرة (14 دجنبر 1995) كتب عبد الله العروي ورقة يقارن فيها بين الرجلين." دفن في مقبرة الشهداء أثناء حفل رسمي كئيب لا يوازي التشييع الشعبي لجنازة عبد الرحيم بوعبيد. أقارن بين الرجلين لأنهما ولدا في السنة نفسها (1922)، ومارسا المهنة عينها (المحاماة)، وتقاسما نفس الميول (حب الفرنسية وإتقانها، الاستغراب، الحداثة، الفرنكفونية) والقسمات ( باستثناء أن بوعبيد كان أطول منه وكانت سحنة وجه داكنة ).وأخيرا كلاهما أعان الداء على نفسه.لو عرف المغرب نفس التركيبة السوسيولوجية لإسبانيا وعاش نفس تجربتها السياسية، لعاين احتكاك الرجلين تحت قبة البرلمان كما تواجه في الكورتيص أدلفو سواريس Cotres Adolfo Sauarezوفليب كونزاليس Filepe Gonzalez . أحدهما يمثل الديمقراطية الليبرالية والآخر يمثل الاشتراكية الديمقراطية. كان من الممكن، حالتئذ، أن يكتسب المغرب ثقافة ديمقراطية ووعي جماعي وأخلاق سياسية" ([1]) لما كان عبد الله العروي مستشارا ثقافيا في سفارة المغرب بباريس، كان يستقبل عبد الرحيم بوعبيد كلما حل في زيارة خاطفة. ورغم مؤاخذات سفير المغرب محمد الشرقاوي ألقى عبدالله العروي عرضا في ماي 1972 ، أمام طلبة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية وبحضور عبد الرحيم بوعبيد، حول كتاب "معذبو الأرض" لفرانز فانون. وفي ربيع 1977 التقى عبد الله العروي بعبد الرحيم بوعبيد أمام محطة القطار-المدينة ( الرباط)، وعرض عليه رغبته في الترشح للبرلمان. ودون أن يترك له عبد الرحيم بوعبيد مهلة ليصارحه باللون الحزبي الذي يرغب الترشح به، قال له :" أبارك مسعاك، تقدم كمرشح مستقل. وفي البرلمان تنضم إلى فريق الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" ص92. -المهدي بنبركة: بعد حل المجلس الاستشاري أصبح المهدي لا يشغل أي منصب رسمي. بدأ يحس بتصاعد موجة من الاحتراس حوله. كان يتحين أية فرصة يمكن أن تسعفه على الابتعاد عن المشهد المغربي. وهذا لم يزد إلا في إضعافه. كان في حياته لا يحبذ إلا الممارسة. لم تستهوه التحاليل الإيديولوجية إلا بالقدر الذي تساعده على ضبط الآلة التنظيمية للحزب . " كان- بصريح العبارة - رجلا دون مهمات. لم تكن له لباقة بلافريج الذي كان مرشده، ولا مودة بوعبيد الذي كان صديقا له في النضال..، ولا الحماس الإيديولوجي لعلال الفاسي الذي سبق أن تعرف عليه، ولا يحب قطعا أن يتقرب منه" ص15. وأثناء توزيع المهمات داخل حزب الاستقلال ظل المهدي وفيا لنفسه. فهو لا يثير قضايا تهم التقاليد ودور المكلية في المشهد السياسي المغربي، وإنما يصرف اهتماماته كلها في البحث عن السبل المسعفة على بناء أداة حزبية ثورية. لقد فوض له أمر التنظيم، في حين اشتغل علال الفاسي بالإيديولوجية، وبلافريج بالسياسة، وعبد الرحيم بوعبيد بالعلاقات الخارجية. اجترفت المهدي، كغيره من مناضلي اليسار الأكثر حساسية بالتاريخ وعلم الاجتماع، الأفكار العامة. وحده الأمير مولاي الحسن اهتم بالحقيقة المغربية، وارتأى، من موقع مسؤوليته وقناعته واهتمامه، أن يعيد الاعتبار للتقاليد قولا وفعلا. لقد صرف المهدي اهتمامه كله لمواجهة الامبريالية. وهذا ما جعله يغض الطرف عن أعدائه الحقيقيين الذين أبعدوه وإن كان يعتبرهم بيادق تحركها قوة بلا وجه ( أي الامبريالية). " لقد وقع المهدي ، على نحو القادة الآخرين الذين حصلت بلدانهم على الاستقلال حديثا، في فخ لعبة خطيرة تحدث على هامش الحياة المعتادة للدول وتفضي إلى كل أنواع المناورات والتلاعبات" ص15. كانت لعبدالله العروي علاقة حميمة بالمهدي بنبركة. لما كان عبد الله العروي مستشارا ثقافيا في سفارة المغرب بالقاهرة، زاره المهدي في نوفمبر 1960 وقضى معه أياما معدودة . وخلال المدة التي تعرف فيها العروي على المهدي في القاهرة وبيروت كان هم المهدي متوقفا على مواجهة الامبريالية التي اتخذت بعدا عالميا. ولما استقر المهدي بجنيف، كان العروي يتردد على زيارته لتفقد أحواله." أستقل مرارا الطائرة لزيارة المهدي بنبركة الذي يقطن في شقة بشامبريزي Chambézy قرب جنيف. انصب حديثنا على "الكتلة التاريخية". كان مستعدا لأن يكون طرفا في الوضعية الجديدة، ويدخل بصفة نهائية إلى المغرب. كان ذلك سيشكل انطلاقة جديدة له ولليسار وللمغرب. هذا ما كنا نتمناه على الأقل في تلك الفترة. لكن سرعان ما خاب هذا الأمل" ص27. آخر مرة رآه فيها بجنيف تمت سنة 1965، طلب منه المهدي أن يكاتبه بلغة مشفرة. لاحظ بأن حرية عمله أصبحت ضيقة جدا وأنه أصبح منشغلا أكثر بأن يصمد و يعيش أكثر. ربما لأنه أحس أكثر من أي وقت مضى بالخطر الذي يهدد حياته. انقطعت علاقة العروي بالمهدي لما عاد إلى المغرب بعد نجاحه في مباراة التبريز سنة 1963. يعرف المهدي بأنه غادر وزارة الشؤون الخارجية، وأصبح أستاذا جامعيا، وتزوج، وكتب دراسة نقدية عن الوضعية السياسية في العالم العربي. اطلع العروي على خبر اختطاف المهدي في جريدة لوموند. تعامل معه بتجرد لكونه، لحظتئذ، كان منشغلا بالمشاكل العائلية والمهنية لأحد إخوانه. وبعد ذلك جمع كل المعطيات التي تمت بصلة بالاختطاف لدراستها من جوانبها المختلفة. ومن بين ما استنتجه أنه " من الناحية الأخلاقية، مازالت محاكمة المهدي [ كناية لمن له يد في اختطافه] مفتوحة دوما، أما من الناحية التاريخية والبولسية، فهي مغلقة منذ أمد طويل" ص45. " ليس في نيتي معالجة القضية لا بصفتي متعاطفا- يمكن أن أقوم به في موضع آخر- ولا بصفتي هاويا للألغاز البوليسية. ما يهمني هو أن أبين تأثير الاختطاف على الدولة المغربية وحكم الحسن الثاني. من هذه الوجهة ليست عواقب اختفاء المهدي بنبركة هي ما كان متوقعا في تلك الفترة. ومن ثمة، فإن الأسئلة التي تهم بواعث الاختطاف ليست هي نفسها التي تتبادر إلى الذهن في الوقت الراهن" ص45. " لما أقرأ العدد الكبير من هذه المقالات، التي تكرر الموضوع نفسه دون جدوى، لا أجد شيئا من المهدي بنبركة الذي أعرفه كمناضل وطني وتقدمي . كنا -نحن المغاربة- نترقب عودته بشغف كبير. لكن الظروف منعته من الاستجابة لانتظارنا" ص43. كيف كان سيكون مستقبله لو تحققت أمنيته في العودة إلى المغرب، ولو تجنب الفخ الذي نصب له. هل سيكون مساعدا لبوعبيد أم ضعفا لمحمد البصري أم صورة ثانية لهنري كورييل([2]). ومن خلال تتبع المسار الذاتي لعبد الله العروي، في مختلف تجلياته، نلاحظ ما يلي: 1- ما يهمه من عرض مذكراته هو تقديم شهادة عن فترة حكم الحسن الثاني بما لها وما عليها . وما أهله لكتابة مذكرات من هذا الطراز هو أنه لعب أدورا أساسية في الأحداث المسترجعة. و بما أنه لا يؤدي دور الشخصية الرئيسية فهو لا يقحم ذاتيته إلا بالقدر الذي يكشف عن تورطه في حدث ما. وقد حرص على الاضطلاع بدور المقرر أو الإخباري الذي يستعرض الأخبار والوقائع الجسيمة مبينا أثرها في حياة الناس وتطلعاتهم. 2-رغم المضايقات التي تعرض لها العروي، فهو كان يحرص على اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وعدم الاحتجاج، أو إتاحة الفرصة لجهة ما للتحدث باسمه. كان ينطلق مبدئيا من " عقلية الاستسلام" التي تقتضي عدم البحث عن سند خارجي لمواجهة شطط السلطة في الداخل. " وبهذا المعنى، فإنني أعتبر نفسي دائما تلميذا لعلال الفاسي" ص114. ونجد في هذا الملفوظ صدى لما فاتح به الحسن الثاني العروي لما استقبله في قصره بإيفران. 3-كان العروي يستجيب لدعوات طوعا للغيرة الوطنية أو لبواعث علمية. لكنه لما يحس بأنها تعدت الحدود المرسومة لها كان يبحث عن الأعذار المناسبة للتملص والتهرب منها بلباقة ( على نحو عدم سفره إلى بغداد مع الوفد الرسمي بذريعة تلقيه دعوة من طرف الأكاديمية الأمريكية للعلوم، وعدم رغبته في حضور حفل تقديم كتاب عن مراجعة الدستور برحاب كلية الحقوق). وكان يعي بأنه، أحيانا، يستدعى من طرف جهة لتصفية حسابها مع جهة مناوئة. وهذا ما يمكن أن نلمس جانبا منه من خلال الدعوتين اللتين تلقاهما من القناة التلفزية الثانية في مناسبتين تتسمان معا بحساسية سياسية مفرطة." لم أكن مهيئا سنة 1992 لإرضاء البعض ،وانتقاد اختيارات المعارضة التي أراها صائبة، وإن كنت أتأسف على افتقارها للحزم والوضوح. ولم أكن مهيئا أيضا سنة 2000 بأن أقول إن تجربة التناوب، التي انطلقت سنة 1999، أخفقت" ص218. وينسجم هذا الموقف مع تصوره لتدبير الشأن العام. وهكذا فهو يرى أن المعارضة، رغم ضيق الوقت وطبيعة الظرفية التي تحملت فيها المسؤولية، كانت أكثر فعالية ممن سبقها. وإذا لم تفكر في الأمد البعيد، فلن توفي بوعودها التي تتمثل في تأهيل المغرب للتناوب الحقيقي. 4- يحاول العروي أن يعالج الشأن العام بموضوعية. فهو ، في الآن نفسه، يكشف عن إيجابيات وسلبيات اليمين واليسار على حد سواء، ويبين ما آلت إليه أوضاع المجتمع المغربي من خلال بعض القرارات المتخذة. كان ، من الممكن، أن يتخذ المغرب منحى آخر لو أحدثت قطيعة مع النزعة المحافظة الجذرية ومعانقة الحداثة. ويحرص على عدم تلوين تحليله لتحولات المجتمع المغربي ومفارقاته بلون حزبي. فمنذ إخفاق المهدي بنبركة في المؤتمر الثاني للإتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهو يتصرف بصفته "مثقفا غير متحزب"، يهتم أكثر بالمشاكل الإيديولوجية للعالم العربي وبالوضع السياسي في المغرب. 5- لقد سعى العروي، من خلال رصد تجربة حكم الحسن الثاني وتأملها، إلى استنتاج العوائق التي فوتت على المغرب سيرورة الدمقرطة السياسية والاجتماعية بوصفها مدخلا أساسيا للحداثة. لقد حرص ، في كل المناسبات والظروف، أن يتخذ مسافة نقدية مع ما يقع في المغرب، وألا يتسرع في إصدار أحكام القيمة على عواهنها. ويرى عموما أن ما حدث فيه مؤشر على سيره في الاتجاه الصحيح لطي صفحة الماضي والدخول في عهد جديد. وهذا ما يستتبع أن يعالج أي مشكل في منأى عن الهاجس الأمني والتهيب من التغيير. وفي هذا الصدد يشير العروي إلى كثير من الأحداث الاجتماعية التي لم توضع، لاعتبارات سياسية وإيديولوجية، في موضعها المناسب، فأسيء فهمها وتعليلها؛ مما فوت على المسؤولين استخلاص العبر منها لتفاديها مستقبلا. ومن ضمنها ما نجم عن الأثر النفسي لمظاهرة الدار البيضاء سنة 1965. أصبح النظام، بمقضتاه، لا يهتم بقطاع التربية لمعالجة مشكل التربية والتكوين وإنما لإغراقه ومراقبته. وهذا ما نجم عنه تجميد أية محاولة لإصلاح النظام التربوي." ومازال المغرب لحد الآن يؤدي ثمن هذا الخطأ المشترك" ص 31. 3-خواطر الصباح: 1-يشمل الجزء الأول من خواطر الصباح([3]) يوميات تمتد من 8 يونيو 1967 إلى 30 ديسمبر 1973. وإن كانت تتوالى بطريقة كرنولوجية، فهي لم تخل من ضروب الحذف والمفارقات الزمنية ( استرجاع أحداث سابقة واستشراف آفاق المستقبل)، ومن حرية التصرف في الأزمنة([4]). ورغم حرص كاتب اليوميات Diariste على سرد ما حدث له من يوم إلى آخر، فهو يقوم أحيانا بعرض الأحداث السياسية والاجتماعية التي وسمت الفترة المتحدث عنها. وفيما يلي بعض الملاحظات العامة على هذا الجزء من خواطر الصباح: ا-يرصد كاتب اليوميات الأحداث التي وقعت ما بين التاريخين المحددين أعلاه (نكسة العرب بعد حرب 1967، إخفاق الانقلاب العسكري في المغرب، الانتخابات الأمريكية) ، مبينا أبعادها وانعكاساتها على المستوى المحلي والدولي. وإن تعامل معها أحيانا بوصفه مؤرخا يكتفي بعرض الأحداث دون التعليق عليها، فهو أحيانا أخرى كان يتدخل فيها معبرا عن انطباعاته ومواقفه منها. ب- يثبت كاتب اليوميات ارتساماته عن رتابة اليومي وتقلباته ومفاجآته ( لقاءات عابرة أو غير منتظرة، وقائع تافهة، مواعيد، مناظر، مصادفات)، ويؤرخ لتجربته الفكرية راصدا مساره التعليمي والبيداغوجي، ومبرزا الندوات والمحاضرات التي استدعي لها، ومنوها بطبيعة العلاقة التي كانت تجمعه بمفكرين وأدباء من مختلف أقطار المعمور، ومستحضرا الأفلام التي شاهدها والكتب التي اطلع عليها. وما يسترعي الانتباه في هذه اليوميات أن عبد الله العروي يكشف عن بعض الجوانب التي تدخل في دائرة حياته الشخصية. ومن ضمنها يبرز طبيعة العلاقة التي تجمعه بزوجته لطيفة ووالدها،وبابنه عصام ووالده. إن اهتمام السارد بما وقع له في حياته الخاصة حتم عليه إدراج من قاسمه همومه ومحنه، وشاركه حدثا ما بطريقة إيجابية أو سلبية. وفي هذا الصدد يعتبر أفراد الأسرة هم أكثر تورطا فيما عاشه من أحداث سارة أو محزنة، وأكثر اطلاعا على تفاصيل حياته ودواليبها. ج- تتضمن اليوميات انفعالات السارد ومشاعره من منع كتبه في المغرب، وتردد عميد الكلية في قبول طلبه لاستئناف عمله بعد عودتة من الولايات المتحدة الأمريكية، وطرد زوجته من المهمة التربوية التي كانت تمارسها في ثانوية شوقي للإناث دون تعليل موضوعي، واستقرارها، هي وعصام، بعيدا عنه في جنيف. ورغم كثرة المشاكل التي كانت تحف به من كل جانب، فقد أصر على العودة إلى المغرب والعمل به، ومواصلة بحوثه وإصدار كتبه. 2- تدور أحداث الجزء الثاني من خواطر الصباح ([5]) حول الفترة الممتدة من 1974 إلى 1981. ومن بين المواضيع التي استأثرت باهتمام كاتب اليوميات، نذكر أساسا قضية الصحراء المغربية، واتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والحرب الإيرانية-العراقية، والانتخابات الجماعية والتشريعية في المغرب، وإرسال تجريدة مغربية إلى الزايير. لكن الموضوع الذي اكتسح اليوميات كلها هو المتعلق بالصحراء المغربية. وهكذا رصد عبد الله العروي معالمها الكبرى بدءا من عرض القضية على أنظار محكمة لاهاي وانتهاء باعتقال أعضاء من المكتب السياسي للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على إثر إصدار بلاغ ينتقد نتائج اجتماع نيروبي، ومرورا بكثير من المحطات الحاسمة على نحو تنظيم المسيرة الخضراء، واتفاقية مدريد، وتسلل البوليساريو -بدعم من الجزائر- إلى التراب المغربي وشن هجمات على ساكنته، واسترجاع المغرب منطقة وادي الذهب ( تريس الغربية) بعد تخلي مورتنيا عنها، وقبول المغرب تنظيم استفتاء تأكيدي في الصحراء. ومن السمات التي يتسم بها هذا الجزء نذكر ما يلي: 1-ركز كاتب اليوميات على ما عرفه المغرب من تقلبات وتحولات على إثر مشكلة الصحراء المغربية وتأزم العلاقة مع الجزائر. وإن اتخذ عبد الله العروي مسافة تلفظية مع المحكي اليومي ( استعمال ضمير الغائب)، فهو يلونه بانطباعاته ومواقفه الشخصية. وبالمقابل يدرج ملفوظات كتاب آخرين ، تتضمن أحكاما قيمية وارتسامات حول كتبه. ولا يشغل المتكلم إلا حيزا ضئيلا في خضم تراكم الأحداث الخارجية وتلاحقها. فمن الفينة إلى الأخرى، تطفو على سطح الأحداث ذاتية المؤلف لذكر مشاركته في مؤتمر دولي أو ندوة ذات إشعاع محلي أو كوني، وإجراء حوار صحفي ، و قراءة رواية أو كتاب، و مشاهدة فيلم، والمشاركة في المسيرة الخضراء بوصفه صحافيا. 2- على عكس الجزء الأول، لم يشر عبد الله العروي إلى حياته الشخصية. واكتفى فقط بالانطباع الذي خلفته إحدى زيارته لأزمور قصد سحب عقد الازدياد. وهكذا لاحظ أن كتابة شاهد قبر والده أصبحت، بعد مرور خمس سنوات، تنمحي وتندثر، وأن الدار التي كانت ، فيما قبل، تمثل في ذهنه قصرا غدت مجرد دويرة تكدست فيها نساء العائلة بعد اضطراهن تحت ضغط السياب إلى الهجرة من دار القيادة. 3-يتعلق الجزء الثالث([6]) باليوميات التي كتبها العروي ما بين 1982 و1999، مركزا فيها على عينات من تجربته الشخصية والأحداث التي طرأت على المستوى المحلي والدولي. وما يسترعي الانتباه في هذا الجزء أن الفضاء الذي تشغله ذاتية عبدالله العروي يضاهي فضاء الوقائع الذي انتفت فيه ظاهريا. وفيما يلي بعض الملاحظات على هذا الجزء. ا-من بين الأحداث التي ركز عليها عبد الله العروي نذكر أساسا ما استجد في قضية الصحراء المغربية وقضية فلسطين، واندلاع أحداث في شمال المغرب، واتفاقية وجدة وإلغاؤها فيما بعد، والحرب الإيرانية-العراقية، واكتساح العراق للكويت، وشن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها حرب على العراق. ب-يشير العروي إلى خرجاته المعتادة والرتيبة للاستجماع والتسرية، وإلى أسفاره داخل المغرب وخارجه لإلقاء عروض ومحاضرات، ويعطي نظرة عن بعض الكتب التي قرأها. وما يلفت النظر في هذا الفصل هو أن عبد الله العروي خصص بعض اليوميات، التي جاءت أطول من غيرها، لتقديم نبذة موجزة عن كتاب أو التعريف بمنجزات صاحبه ( طه حسين، مرغريت دوراس، ميلان كوندرا، محمد إقبال). وأحيانا يجادل طرح كاتب مستدلا بالحجج والبراهين المناسبة ( طه عبد الرحمن ، صموئيل هنتنجتون) لبيان نقائصه و عدم جدواه. 3-يكشف ، بطريقة خاطفة، إلى بعض الأمور التي تدخل في دائرة حميميته؛ وذلك على نحو توجهه إلى جنيف لإجراء فحص دقيق في المستشفى العام، و التلميح إلى ما تستهويه لطيفة (ص53) وما تمجه (ص153)، واعتزازه بنضج ابنه الذي أصبح يتخذ مواقف من بعض الأمور السياسية، ومرض والد لطيفة ووفاته..الخ. لكنه لا يتوقف عندها كثيرا، فما يهمه منها هو بيان تأثيرها على نفسيته وانعكاسها على سلوكه إيجابا أو سلبا. وفي السياق نفسه، يسعى عبد الله العروي من التقاط جزئيات الحياة اليومية ( البحر، المناظر، اتساخ شوارع البيضاء وتدهورها، الجفاف، هطول الأمطار) واسترجاع أحلامه أن يبرز ما يسري في طويته ويختلج نفسيته، ويسترجع أصداء الذكريات بخيبتها ونشوتها. نستنتج من خواطر الصباح ما يلي: 1-تستغرق اليوميات اثنتي وثلاثين سنة. وهي تستوعب أهم الوقائع التي عرفتها هذه المدة الزمنية على المستوى الداخلي والخارجي. ومن خلالها يتضح أن عبد الله العروي كان واعيا بمشروع الكتابة عن الذات ، إذ خصص له دفترا لإثبات فيه ما خطر بباله ولفت انتباهه كما لو كان " واجبا منزليا" ([7]). يضطر أحيانا إلى إهماله للتفرغ لأشياء أخرى([8]) أو الترويح عن نفسه. وهذا ما جعله يقفز على أحداث لا تقل أهمية عن الأحداث المروية. ولم تستوعب اليوميات إلا الوقائع التي عاشها العروي بعد أن بلغ أربعا وثلاثين سنة. وإن لم يكتب يومياته قبل هذا السن ، فهو يشير صراحة إلى بعض وقائعها في مفاصل مختلفة من خواطر الصباح ويلمح إلى بعضها الآخر في أعماله الإبداعية. وهذا مرده، ربما، إلى أن وعيه بكتابة يومياته لم يبدأ إلا سنة 1967. إن كاتب اليوميات المنتظم-على عكس كاتب السيرة- يحرص على تقليص المسافة بين الحدث والمكتوب([9])، وتحقيق تزامن بينهما حتى تكون المادة المروية محتفظة بطراوتها ونضارتها، ومؤطرة في الظرفية التاريخية وملابساتها. 2-تشكل اليومية ملاذا نفسيا آمنا لصاحبها ومبعثا على السلو والبوح ومناجاة الغير ومحاورته. وهي بمثابة حركة ذهاب وإياب بين الذات والعالم . " إذا ما وجدت حركة ثابتة عند كاتب اليومية، فهي التي تتجه من الخارج إلى الداخل. يمثل الخارج العالم بأسره : الآخرون والحياة النشيطة أو الاجتماعية، والمهنة، والحدث التاريخي، وضروب التسلية. ويتشخص الداخل في هذه الطوية المحظوظة التي تحاول اليومية اكتشاف أو تفصيل أو خلق -إن صح التعبير- الشكوك Les sceptiques. يتضمن هذا التعارض قضايا أخرى، ويصطبغ عادة بصبغة أخلاقية أو ميتافزيقية. فالبراني هو التشتت والتعدد والشر، والجواني هو الأنا المسترجعة والوحدة والخير" ([10]). يتشخص الآخر في خواطر الصباح عموما في شكل أجناس وأقوام وإيديولوجيات متضاربة، ويتحدد من خلال سيناريهوات متعددة لاقتناص الحقيقة المنفلته والهاربة التي تتلون بأصباغ عاطفية وسياسية في غاية التنوع والاختلاف. ويحاول عبد الله العروي ،من خلال نقل ما يسري في طويته، أن يضفي الانسجام على ذاته المتشظية بإعادة استجماع مساراتها وعناصرها المختلفة وتركيبها. وفي تفاعل الجواني والبراني يسائل عبد الله العروي حماقات الفرد وشروره وحنينه إلى الحالة الطبيعية ( العنف، الحرب، الدمار)، ويعيد الاعتبار لبعض الأشخاص الذين كان لهم وزن في ميدانهم ( على نحو فون غرونباوم، محسن مهدي، والد لطيفة، عبد الرحيم بوعبيد، أحمد طالب الإبراهيمي، محمد عزيز الحبابي..)، ويحاول أن يفهم سبب منع كتبه رغم صرامتها العلمية والباعث على مضايقته أحيانا رغم وطنيته وغيرته على بلاده. يجد أجوبة هنا وهناك، ومع ذلك تبقى أمور خافية تحتاج إلى رفع اللبس عنها وتبديد غموضها([11]). 3-يستخدم عبدالله العروي يومياته كمرآة لإعادة تكوين صورة شاملة عن جسمه الممزق وروحه المتشظية. وهذا ما يجعله يضطر أحيانا إلى الإحالة على حدث سبق ذكره في يومياته أو في أعماله الإبداعية الأخرى. فمن بين المواضيع التي تتواتر نذكر أساسا ذهابه إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعودتها منها،تلقيه دعوة من أحمد طالب الإبراهيمي لزيارة الجزائر بمناسبة صدور كتاب تاريخ المغرب، تدخل السلطات المغربية لحث مجلة لاماليف على عدم نشر مقال له عن التعريب ، مشاركته في الانتخابات التشريعية سنة1977 ، إقالة عصمان من الوزارة الأولى، الإضراب العام في البيضاء سنة 1981، وفاة عبد الرحيم بوعبيد ثم أحمد رضا غديرة..الخ.واللافت للنظر أن الحدث لا يتكرر بحذافيره. فكلما أعيد سرده، يصبح مؤطرا في سياقات جديدة، وتنضاف إليه معطيات أخرى. اكتفي عبد الله في المغرب والحسن الثاني بالإشارة إلى الدعوة التي تلقاها من أحمد طالب الإبراهيمي بصفته وزيرا للإعلام في تلك الفترة. لكنه سبق له في يومياته أن بين الحفاوة التي استقبله بها الوزير، وسرد ما راج بنيهما من أحاديث، وأشار إلى التقائه بالمغاربة المقيمين في الجزائر ( وفي مقدمتهم الأستاذ محمد عزيز الحبابي والصحافي محمد باهي). لم يفصل العروي في المغرب والحسن الثاني الباعث الذي حفزه على العودة من الولايات المتحدة الأميركية إلى المغرب. اكتفى فقط بإبراز بأنه يريد أن ينفي نفسه في جمع المعطيات التي تمت بصلة إلى إعداد أطروحته الجامعية. لكن لما نعود إلى يومياته يتبين أن الباعث على عودته إلى المغرب هو إصراره على عدم نسيانه أو قطع الصلة به نهائيا. " أعود وأتساءل: لماذا غادرت أمريكا؟ لماذا لم أستطع المكوث في أمريكا وبالذات في كاليفورنيا؟ شعرت أن المكوث فيها يعني طلاقا لا رجعة فيه. توجد بالطبع رحلات شارتر تنقل كل بداية صيف عددا كبيرا من الأساتذة إلى أوروبا. لكني شاهدت حالة المشارقة-من أقباط وبهائيين ويهود- الذين استوطنوا كالفيورنيا ونسوا وطنهم الأصلي. المكوث هناك يعني بالضبط بالإنجليزية والابتعاد التدريجي من مشكلاتنا. يحين وقت نقول فيه تلقائيا: نحن الأمريكيين" ([12]). نجد مقاطع من اليوميات مترجمة في المغرب والحسن الثاني. وهذا ما يبين أن عبد الله العروي لما كان منكبا على كتابة مذكراته اضطر إلى العودة إلى المادة الخام لكونها تشكل سندا لإضاءة الذات من زوايا متعددة ومختلفة. ومن بين هذه المقاطع نذكر، على وجه الخصوص، ما يتعلق بتوبيخ مولود قاسم ( وزير الشؤون الدينية للجزائر سابقا) للباحث ميشال حايك لأنه فاه بملفوظات عن الدين المسيحي لم ترق الوزير، وبعقد مقارنة بين عبد الرحيم بوعبيد وأحمد رضا غديرة. وبإقامة التقابل بين ما كتبه العروي في يومياته وما تخيله في رواياته، نلاحظ أن ذاتيته لا تتخذ بعدا واحدا، وإنما تتشخص في مستويات ملتوية وأشكال متعددة. وهكذا يتضح أن أب إدريس في اليتيم هو الشخص نفسه الذي يتحدث عنه العروي في يومياته([13])، وأن ما استحضره سرحان في الفريق هو ، بالضبط، ما اعترى العروي لما زار متحف جنيف وأثبته في يوميته بتاريخ 24ديسمبر 1981([14])،وأن ما كتبه إدريس عن طلبة دار المغرب بباريس ينطبق على الشخص الذي نادى بالعروي من نافذة مصلحة السكنى يوم الجمعة 17 أكتوبر 1975 ([15]). يتضح، من خلال هذه الأمثلة، أنه بقدر ما يحن العروي إلى مرحلة المرآة لإعادة تركيب شظايا ذاته في وحدة متماسكة بقدر ما تبدو المرآة مزيفة لكون الصورة التي تعكسها تبدو مجزأة ومموهة. ولهذا فهو يستعين بمرايا متقابلة([16]) لفحص الذات من جوانب مختلفة أو معاودة النظر في جانب محدد من زوايا كثيرة. وهذا ما يجعل العروي يتماهي أحيانا مع شخوصه الخيالية ( إدريس ( الغربة واليتيم وأوراق) سرحان، ، كاتب الرسالة المجهولة ، على نور(الفريق) عزيز ( غيلة) )، ويتضامن معها ويعكس في ملفوظاتها استيهامته الشخصية وأحلامه المحبطة وعيناته السيرذاتية. وهكذا يمكن أن نقول إن الأعمال التخييلية لعبد الله العروي تعكس ، بشكل من الأشكال وبطريقة استعارية، تجربته الشخصية في الحياة وتعبر عن مواقفه من الوجود. وهذا ما جعله يقر في المقدمة التي صدر بها الطبعة الثانية لأوراق بما يلي:" الرواية التي يكون إدريس بطلها قد كتبت والسيرة الذاتية التي أستعمل فيها صيغة المتكلم قد استنفدت مادتها في الأعمال المنشورة" ص5. [1] - حافظت على النص الفرنسي كما هو . انظر المغرب والحسن الثاني (2005) ص193. ولما نعود إلى اليوميات نجد النص نفسه. وإن حافظ العروي على روحه ومضمونه فهو لم يترجم في النص السابق بعض العبارات الواردة فيه . للمقارنة بين النصين عد إلى خواطر الصباح (يوميات 1982-1999)، ص235. [2] - كان من مروجي الماركسية في مصر سنة 1945. أصبح لاجئا في فرنسا بعد وصول عبد الناصر إلى الحكم. تعاون مع جبهة التحرير الوطنية الجزائرية. قتل في ظروف غامضة. انظر المغرب والحسن الثاني، ص46. [3] - عبد الله العروي، خواطر الصباح، يوميات (1967-1973)، م.سا. [4] - Béatrice didier, Le journal intime, PUF, 4 édition , 1976,p161. [5] - عبد الله العروي، خواطر الصباح يوميات (1974-1981) المسيرة الخضراء: ما قبلها وما بعدها، المركز الثقافي العربي، ط1، 2003. [6] -عبد الله العروي، خواطر الصباح حجرة في العنق، يوميات (1982-1999)، المركز الثقافي العربي،ط1، 2005. [7] - تشبه بياتريس ديديي اليوميات بالواجبات المدرسية التي تنجز بانتظام في المنزل. انظر إلى: Béatrice didier, Le journal intime, op.cit, p 102. [8] - يصرح عبد الله بذلك في قوله : " ها قد عدنا منذ ثلاثة شهور ولم أسجل شيئا في هذا الدفتر. كل أوقاتنا تلتهمها العناية بعصام" خواطر الصباح، يوميات (1967-1973)، ص64. [9] - انظر في هذا الصدد إلى المرجع نفسه ص9. [10] -المرجع نفسه ص87. [11] - قالت له زكية داود على إثر منع نشر مقال له عن التعريب في المجلة التي كانت تديرها ( لاماليف): "إنهم لا يحبونك" " تعني: لا يغفر لك عندهم أن تكون وطنيا قلبا وقالبا، المطلوب أن تكون مواليا لهم" ص114. ويسترسل : " تساءلت مرارا عمن يأخذ مبادرة المنع. عندما عرض رجل الذكرى على الطاهر زنيبر، رئيس تحرير دعوة الحق،قال: لا أفهم هذا الحوار فلا أنشره. وعندما عرض كتاب الإيديولوجية على الرقابة قال المسؤول: لا أفهم ما يقصد فالحيطة تقضي أن أمنعه. وعندما صدر كتاب تاريخ المغرب عرضه وزير الإعلام على محمد باحنيني فكان الرد سلبيا. وبصدد المقال عن التقليد قال وزير الإعلام الجديد لجاكلين ( زكية داود) معرضا بي: لا يظنن أنه خارج قبضتنا"" خواطر الصباح، يوميات (1967-1973)، ص 114. [12] - المرجع نفسه ص100 [13] - يقول السار في اليتيم (ط2-1980): " هذا ما استخلصت من تجارب أبي. لم تتح لي الفرصة لأحقق معه وأستكمل معلوماتي حول تقلباته في الحياة. لم أسترجع عهد التعاطف معه. كل القرائن تدل أنه لم يذخر نصائح ليوم بلوغي الرشد. لكن الموت باغتني. لذلك سأعتقد في قرارة قلبي أن الزمن خانني" ص185. ويقول كاتب اليوميات : " مات الأب وانسد باب الأمل. انتفت كل فرصة لمحاورته في شؤون كثيرة... بعد أسابيع سأشرع في حوار طويل مع أبي.. من جانب واحد وعلى الورق" ، خواطر الصباح (1967-1973)، ص77. [14] - " أطرق ( سرحان) يسترجع قواه وأخيرا رفع بصره وأمعن النظر في اللوحة. لم يكن صاحبها من كبار الرسامين. كان من متأخري الانطباعيين المولعين بالتقاط تلألؤ الأشعة على سطح الأشياء. عامل ريفي يمشي وحيدا بخطى متثاقلة تحت الظل في يوم مشمس على طريق فرعي بين ستارة من حجر وسياج من شجر. لون مشطط فوق الأغصان وتحت الظلال. يحدق سرحان في اللوحة ويفتكر: مهما آتي و مهما أدع إني أقطع الطريق، أوشك أن أبادر بالسلام هذا العامل المتعب الذي يستبطئ الغداء والقيلولة ولا يستطيع أن يحث الخطى...أحس إحساسا قويا أن هذا المسافر يتحاشى النظر إلي ومخاطبتي. يريد أن أشعر بحضوره، أن أفهم رسالته وأن أتركه يتابع مسيرته. والأنغام تتناثر بلا توقف"الفريق ص-ص148-149. " أتذكر تأثري العميق عندما زرت متحف جنيف وأنا في طريق العودة من الكويت.. غمرني شعور بالفراغ وأنا أتفحص لوحة لأحد متأخري الانطباعيين. تصور عاملا يمشي في طريق ريفي جنوب فرنسا وقت الظهيرة، منهك، جائع بدون شك، يتحاشى أشعة الشمس، يستثقل الحياة وبعد دقائق... ومن العمق، كالنداء، تصلني خافتة أنغام باخ" خواطر الصباح، يوميات 1967-1973، ص253. [15] - عد إلى المقطع 22 ( أوراق ط1، 1989، ط2 1996 )، وإلى خواطر الصباح ( يوميات 1974-1981)، ص82. [16] - يعي عبد الله بما يسميه " انعكاس الصورة في مرايا متقابلة" أوراق(1996) ص7، ص198.
|