حرر في الإثنين 01-08-2011 12:26 أ•أˆأ‡أچأ‡
وما يثير في التجربة المغربية، علاوة على منظورها الاستباقي، أنها تجاوبت مع نبض الشارع مؤثرة أسلوبا هادئا ومرنا في معالجة القضايا الحرجة والشائكة. وإن صاحبته أحيانا مناوشات وتجاوزات، فقد ظلت، في عمومها، حالات مفردة. في خضم هذا الحراك الاجتماعي جاء الخطاب الملكي يوم 9 مارس ليرسم خارطة الطريق لمغرب جديد. وهو ما ترجم في وثيقة الدستور الذي حظي بالتصويت الإيجابي من لدن غالبية المغاربة. كان من الممكن أن توفر للإصلاح الدستوري كل الأجواء السليمة التي تؤشر على الانتقال من عهد متقادم إلى عهد جديد. وفي الوقت الذي كانت سفينة الدستور تشق عباب البحر مرهصة بآمال ووعود رائقة، نزلت السلطة بثقلها، وبتفاوت بالنظر إلى عقلية أعوانها، لإضفاء على الحدث دلالات وتأويلات أخرى. وهو ما ذكر المغاربة بما يحدث قبيل كل محطة انتخابية، وربما نفر بعضهم ، وخاصة الشباب منهم، من القيام بواجبه الوطني. وقد اختلط الأمر بين التصويت على الدستور ومبايعة الملك. مع العلم أن وثيقة الدستور ليست نصا مقدسا ومعطى نهائيا في حين أن التعاقد مع الملك هو معطى تاريخي واستراتيجي. وفي هذا الصدد لاتهم أرقام الاستفتاء إلا من حيث مدلولها السياسي لطي صفحة الماضي والمراهنة على آفاق جديدة ومشرقة. إن الدستور الجديد، وإن تضمن إيجابيات كثيرة، ليس نصا نهائيا ومغلقا، بل هو ورش مفتوح ومشرع على تعديلات منتظمة في الأفق إلى أن تتوفر الشروط الكفيلة بإرساء دعامات ملكية برلمانية. ما ينتظره المغاربة، قبل تفعيل بنود الدستور، هو توفير الأجواء السليمة والضمانات الكافية التي يمكن أن تهيئ له شروط النجاح، وتضمن له الفاعيلة اللازمة. هناك من يستبق الأمور ويستعجل الانتخابات خشية مكوث الدستور في الثلاجة فترة طويلة. لكن أصحاب هذا الطرح يتسابقون مع الزمن لإدخال المغرب، بسرعة فائقة، في دينامية جديدة لعلها تفلح في إضعاف حركة 20 فبراير وما صاحبها من احتجاجات قطاعية واجتماعية في مختلف أنحاء المملكة المغربية. فهم - في هذا الصدد- يبحثون عن النتيجة دون التمهيد لها بما يلزم والتريث لمعرفة ما سيحمله الدخول الاجتماعي والسياسي من مفاجآت. إن المغرب، بكل أطيافه وقواه الحية، مطالب بتوفير الأجواء السليمة والضمانات الحصيفة لإعمال الدستور حتى لا يكون " نبتة جميلة" في محيط ملوث وموبوء. وتحتاج هذه الأجواء والضمانات إلى وقت كاف لإنضاجها بالمشاورات السديدة والبرهان الحجاجي عوض الارتكان إلى " التوافقات الفوقية" التي ، وإن كانت مريحة وطازجة، فهي ترتد بالمغرب إلى سنوات خلت، وتعيد إنتاج الممارسات والنخب التي امتعض منها الشعب المغربي. ومن بين الأمور التي ينبغي أن تستحضر لتفادي الأجواء التي مر بها الإصلاح الدستوري: -فتح نقاش حول الإصلاح السياسي بمشاركة كل الفعاليات الحية ( وحتى التي دعت إلى مقاطعة الدستور) بحثا عن توافقات رصينة تكون بمثابة المفاتيح الأساسية لتجاوز أخطاء الماضي وتعزيز المكتسبات والمراهنة على دور المؤسسات في البناء الديمقراطي والمشاركة والمراقبة والمحاسبة والتقويم. -إحداث تغييرات على مستوى المسؤوليات الترابية ( الولاة والعمال) تفاديا للتعاطف مع لون على حساب لون آخر، وحرصا على تكافؤ الفرص، وضمانا للمنافسة الشريفة. -إصدار تقطيع انتخابي جديد وفق معاير متوافق عليها، وتمكين الأحزاب من مراجعة اللوائح الانتخابية وتقديم الطعون بصدد نقائصها وخروقاتها. -الاتفاق على نمط الاقتراع وتحديد العتبة تفاديا للبلقنة السياسية وسعيا إلى تشكل تكتلات وتحالفات قوية ووازنة. -تفعيل القانون المنظم للأحزاب السياسية وخاصة ما يتعلق بمنع الترحال السياسي، وقطع الطريق أمام سماسرة الانتخابات والمفسدين، ومعاقبة جريمة شراء الأصوات. -تشكيل هيئة وطنية مستقلة ونزيهة تشرف على الانتخابات وتسهر على مرورها في أجواء حسنة، وتسعف المؤسسات الوطنية والدولية على القيام بمهمة الملاحظة الانتخابية على نحو مستقل ومحايد. -إطلاق المعتقلين الذين لم يتورطوا في أعمال إجرامية. وبالمقابل، ينبغي للأحزاب أن تستثمر ما تبقى من الزمن لاختيار مرشحين جدد من الشباب المؤهل، والاستعداد النفسي والمادي والسياسي لخوض الانتخابات في جو تطبعه المنافسة الشريفة. إن إعطاء المؤشرات الإيجابية والتفاعل بتأن مع نبض الشارع هما الكفيلان باسترجاع الثقة في التصويت، وحفْز الشباب على الدخول إلى معترك السياسة، وقطع الطريق أمام فئة قليلة تحاول "تسخين الطرح" لتصفية حساباتها الضيقة أو تنفيذ أجندتها التي أبان الربيع العربي على عدم جدواها وملاءمتها، وتعبيد الطريق أمام أول حكومة يرأسها وزير أول بمواصفات جديدة حتى تنفذ برنامجها بالفاعلية المطلوبة. أما التعجيل بالانتخابات فقد يعمق الهوة بين أماني الدستور ومجريات الواقع، وقد يحدث شرخا بين الإصلاحين الدستوري والسياسي ،وقد يستغل من لدن جهات معينة لصب مزيد من الزيت على الاحتجاجات الاجتماعية بدعوى مرور الانتخابات في أجوائها المعتادة والرتيبة، وإضفاء الشرعية على الوجوه المعتادة. لقد نجح المغرب ، من خلال كل المبادرات التي اضطلع بها لحد الآن، في كسب تعاطف الدول الغربية وتأييدها لمشروعه الإصلاحي. وينبغي ، في السياق نفسه، أن يفلح في عقد توافقات شعبية تعزيزا للجبهة الداخلية وحفاظا على أمن البلاد وطمأنينته. وهذا يتطلب ، كما أوحينا به من قبل، إلى توفير الأجواء السليمة للإصلاحات السياسية تمهيدا لانتخابات نزيهة وشفافة تفضي إلى حكومة مترتبة على تحالفات سياسية منسجمة ، وحريصة على تفعيل دمقرطة المؤسسات وتحديث بنياتها، واستنبات آليات الحكامة الجيدة والخدمات الاجتماعية وسياسة القرب والمشاركة. من خلال ما يجري لحد الآن يتضح أن طرفا يدفع في اتجاه حسم المعارك كلها وربحها في أقرب وقت ممكن، في حين أن كل معركة على حدة تحتاج إلى استيفاء شروط نجاحها ثم وضع السيناريهوات الممكنة للمعارك المقبلة بالنظر إلى نبض الشارع وانتظاراته واستمرار الهبات العربية. ما نتخوف منه أنه في الوقت الذي يعتقد طرف أنه أنهى جميع مهماته بنجاح يجد الطرف المناهض قد تقوى وتمنع وهو ما سيؤثر سلبا في المكاسب التي حصلنا عليها وحصل إجماع عليها من القوى الوطنية والديمقراطية
|