نورد فيما يلي التصدير الذي مهدت به الروائية والقاصة الزهر رميج روايتها " الناجون"،ثم الحوار الذي أجراه معها عبد العالي بركات لتسليط مزيد من الأضواء حول ملابسات تأليف الرواية وظروفها ومطامحها:
تنويه
في هذه الرواية التي تحلم بالتغيير في وطننا العربي، قسم يحمل عنوان "زمن الغضب والثورة" أسترجع من خلاله زمن السبعينيات... زمن الحلم بالثورة والتغيير الجذري من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، والقضاء على كل أشكال القهر والاستبداد.
كان هذا القسم تذكيرا بزمن مضى... بل حنينا لعصر ذهبي ولّى إلى الأبد!
كنت وأنا أكتب هذه الرواية، أحلم بتحقيق الحلم الذي ضحى جيلي من أجله... أحلم بأن يحلم الشباب العربي الأحلام الكبرى التي تتسع للوطن العربي كله؛ لكني لم أكن أتخيل أبدا أن "زمن الغضب والثورة" قد يعود مجددا، وأن الشباب العربي يحلم نفس أحلامنا، وأن الشعوب العربية ستكون قادرة على الغضب لدرجة الثورة وإسقاط الأنظمة الديكتاتورية!
غير أن سوء ظني خاب! ويا لروعة هذه الخيبة!
لقد خيب سوء ظني الشعب التونسي الأبي وهو يثور في وجه الطغيان والاستبداد! وهو يحيي "زمن الغضب والثورة"! وهو يفاجئ العالم بأسره بانتفاضته الرائعة ودرجة وعيه العالية!
إن "ثورة الحرية والكرامة" ستغير بدون شك مجرى التاريخ العربي كله، وستكون نقطة انطلاق لمرحلة جديدة يسترجع فيها المواطن العربي كرامته وعزة نفسه وإحساسه بقيمته الإنسانية التي داستها الأنظمة الديكتاتورية التي أحكمت قبضتها الفولاذية على الشعوب وعاثت فسادا في الأرض. وها هو شعب مصر العظيم يحمل مشعل الثورة ويضرب أروع مثال في المقاومة والتصدي لأكثر هذه الأنظمة العربية ظلما وطغيانا وعمالة وتشبثا بالسلطة. لقد كشف صمود هذا الشعب العظيم الوجه البشع لأي ديكتاتور في العالم ولدرجة أنانيته التي تصل حد التضحية بالشعب كله في سبيل بقائه في السلطة.
أعتقد جازمة، أني لو لم أكن قد أغلقت باب هذه الرواية نهائيا، قبيل ثورة تونس الرائدة، لكان شخوصها الحالمون بالتغيير والمؤمنون بالوحدة العربية، قد طاروا إلى تونس العظيمة وإلى مصر -قلب العروبة- لينظموا إلى الثوار البواسل؛ ولكانوا احتفلوا بتحقيق الحلم بدل احتفالهم بكونهم ما يزالون قيد الحلم.
لذلك، أهدي هذه الرواية إلى الشعب التونسي العظيم وإلى روح الشهيد محمد البوعزيزي الذي أشعل فتيل الثورة العربية المباركة، وإلى الشعب المصري الرائع الذي بهر العالم بصموده وإسقاطه للفرعون الأخير، وإلى كل شهداء الثورة في هذين البلدين، وفي الوطن العربي كله.
الدار البيضاء في 15 فبراير 2011، رواية الناجون، ط1، دار فضاءات للنشر والتوزيع،2012، ص-ص5-6.
حوار إكسبريس حول رواية "الناجون"
/ أجراه عبد العالي بركات
1- ما هي ظروف كتابتك لرواية الناجون؟
*أعتقد أن عودتي إلى مدينة فاس بعد أكثر من ثلاثين سنة، بمناسبة تكريم هذه المدينة لي، وزيارتي للحي الجامعي وكلية الآداب بظهر المهراز، كل ذلك جعل ذكريات المرحلة الطلابية السبعينية بزخمها النضالي المتوهج، وآلامها وأحلامها، تطفو إلى السطح، وتحرك شيئا ما بداخلي. فقد فوجئت بنفسي، بعد شهر فقط، من تاريخ حفل التكريم، أشرع في كتابة هذه الرواية، ودون تفكير أو تخطيط مسبق.
2- الرواية طبعت خارج المغرب، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الإنتاجات المغربية خلال العقد الأخير، كيف تفسرين هذه الظاهرة؟
*الملاحظ في الآونة الأخيرة، أن دور النشر العربية تقبل بشكل كبير، على الكتابات المغربية وخاصة منها الرواية والنقد. وقد فسر الكثير من الناشرين العرب اهتمامهم بالمنتوج الأدبي المغربي، بالإقبال الكبير الذي يلاقيه في المشرق. هذا، في الوقت الذي تأنف فيه دور النشر المغربية - ويا للمفارقة- عن نشر هذه الكتابات باعتبارها بضاعة كاسدة، ولا تهتم إلا بالكتاب المدرسي وغيره من الكتب البعيدة عن مجال الأدب.
3- تحضر موضوعة الغربة بقوة في الرواية، هل إحساسك بكون هذه الموضوعة تفتح مجالا أكبر للتخيل، هو ما دفعك إلى طرقها، أم أن هناك دوافع أخرى أكثر إلحاحا من ذلك؟
*موضوعة الغربة تستدعيها أجواء السبعينيات. فقد عاش معظم المناضلين اليساريين الذين أفلتوا من الاعتقال، الغربة خارج الوطن لفترات إما قصيرة أو طويلة، إذ كان هروبهم أو تهريبهم خارج المغرب، أمرا يفرض نفسه في ظل أوضاع القمع الجهنمية. كما أن الغربة تعتبر المحك الذي يكشف جوهر الشخصية المناضلة، وعلاقتها الحقيقية بالوطن. إضافة إلى أنها بالتأكيد، تفتح مجالا أوسع للتخييل. فقد تحديت نفسي وأنا اختار مدينة بوردو مسرحا لأحداث الرواية، علما أني لم أزر قط، هذه المدينة.
4- هناك قسم من الرواية مكرس لنصوص أدب الرسائل، ما هو البعد الفني لهذه النصوص؟
* كرست الفصل الثاني من الرواية (زمن الغضب والثورة) لنقل بعض جوانب النضال الطلابي أوائل السبعينيات، واستثمرت فيها تجربة الاعتقال كما عشتها، والتي كانت رغم قصر مدتها، جد غنية سواء على مستوى المواقف أو المشاعر. وبما أني عاشقة لأدب الرسائل، فقد وظفته لإضفاء الحيوية والحميمية على هذه التجربة، خاصة وأن الرسائل-بما هي تواصل بين طرفين- تتيح إمكانية تكسير خط السرد القائم على التوالي الزمني للأحداث، وتفتح فجوات كثيرة تطل على آفاق أخرى غير الاعتقال.
5- يشمل إنتاجك الأدبي فنونا عديدة: القصة، الرواية، الترجمة.. كيف توفقين بين هذه الاهتمامات كلها؟
*ما نشرته حتى الآن، من إبداع ومن ترجمة، ينتمي كله إلى فن واحد هو فن السرد. ولذلك، لا أشعر بأي تناقض بين هذين المجالين، ولا بأي صعوبات في التنقل بينهما؛ بل يمكنني القول بأن كلا مهما يصب في الآخر، ويغنيه.
(نشر بجريدة بيان اليوم بتاريخ 24/03/2012 )