حرر في الأحد 09-11-2014 02:34 أ£أ“أ‡أپ
يرى الناقد المغربي الدكتور محمد الداهي أن تعريف «السيرة الذهنية» بوصفها جنسا أدبيا يتطلب اكتشاف قاعدة تشتغل عبر نصوص عديدة، وتحديد العلاقة بين العمل وطبقة من النصوص. ولذلك، فإن الباحث المذكور لا يكتفي في كتابه «شعرية السيرة الذهنية: محاولة تأصيل» (الصادر عن دار «رؤية» المصرية) برصد خصائص السيرة الذهنية وأصنافها وأنواعها، وإنما يستقصي تجليات بحثه النظري في نصوص معينة. ويتعلق الأمر بكتب قديمة: «المنقذ من الضلال» لأبي حامد الغزالي و»التوابع والزوابع» لابن شهيد و»حي بن يقظان» لابن طفيل، وأخرى حديثة: «أنا» لعباس محمود العقاد و»أوراق» لعبد الله العروي و»شارع الأميرات» لجبرا ابراهيم جبرا. ينبه محمد الداهي، خلال تناوله إشكالية المفهوم، إلى التداخل الذي يحصل أحيانا كثيرة بين السيرة الذهنية والسيرة الذاتية، ثم يميز بين صنفين من السيرة الذهنية: ـ السيرة الذهنية الموضوعية التي تتعلق بشخصية فكرية معروفة تستأثر بالاهتمام وبقطب من أقطاب التأليف والفكر يحظى بمقومات وقيم تميزه عن غيره من الأعلام، ويعتبر قدوة خاصة للشباب المتمسك بالمبادئ الأساسية والمتطلع إلى العلا. ـ والسيرة الذهنية الذاتية التي يعمل فيها الكاتب على استرجاع أطوار من حياته الفكرية والثقافية، مبينا ما قطعه من مراحل، وما اعترضته من ترددات وتقلبات واضطرابات، وما مَتَحَه من روافد ثقافية وتيارات فكرية وإيديولوجية. وبدراسته لعدد من المتون، يبين الدكتور الداهي الفروق الكامنة بين السير الذاتية، فمنها ما كان يُكتب عن بعض المُحدثين والفقهاء لبيان معاناتهم في تحصيل العلم، والتعريف بمناقبهم ومؤلفاتهم، ككتاب «مناقب الإمام أحمد بن حنبل» لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي. ومنها أيضا ما يكتبه النقاد أو كتّاب السير والتراجم للتعريف بالجوانب الفكرية للمترجَم له الذي يكون غالبا عَلما من أعلام الفكر والآداب، ككتاب «حياة مطران» لطاهر أحمد الطناحي. ومنها كذلك ما يكتبه بعض النقاد أو المفكرين للبرهنة على صحة طروحهم الفكرية والمذهبية، ككتاب «في الطريق» لريمي هيس. ويلاحظ مؤلف الكتاب أن السيرة الذهنية، بشقيها الذاتي والموضوعي، يمكن أن ترتقي إلى جامع الأجناس، فبإمكان السيرة الذاتية الذهنية أن تتفرع إلى أنواع تربوية أو دينية أو فهرسية أو معجمية أو منقبية أو إخبارية… ويمكن للنوع بدوره أن يستوعب أنواعا مختلفة أكثر تحديدا. ليخلص المؤلف في الأخير إلى إبراز بعض السمات العامة التي تجمع بين النصوص السير ذهنية، وذلك على النحو التالي: أ ـ تعتبر السير الذهنية أعمالا واقعية مشيدة على جمالية التشخيص، وتسعى إلى إثبات حقيقة فكرية أو مذهبية يؤمن بها كاتب السيرة. ومن ثم، فإن كثيرا من السير الذهنية هي أعمال أطروحية، إذ تنقل إلى القارئ الضمني أو الواقعي معلومات ومعارف إيديولوجية، وتحاول إقناعه بالتدليل على صحتها وأهميتها، وبدحض الأطروحات المنافسة. ب ـ تتضمن الأعمال السير ذهنية أبعادا تعليمية، إذ يحرص الناظم الذاتي أو المترجم له على إرادة التكوين، لأنها تضمن له خلق جو الطمأنينة النهائية، وتحفزه على التدخل الناجح في العالم، وتستحثه على إقامة التوازن بين التأمل والفعل، وتحمله على الاعتقاد بأن بوسعه أن يعيش مصائر مشتركة وأن يفرض على الحياة بناءات مشتركة. ج ـ يستدعي أي مسار فكري برمجة ملائمة للفضاءات المرتادة من لدن الذوات، تحدد الأفعال المراد الاضطلاع بها لإنجاز البرنامج السردي الخاص بالذات، وتسعف على الانتقال من وضعية وضيعة إلى وضعية سامية، كما تتيح إمكانية التعرف إلى شخوص يمكن أن يكون لها دور كبير في توجيه المسار الفكري والتأثير فيه. د ـ إن النصوص الذهنية غنية بالنصوص الواصفة التي تتفاعل مع النص الذي يؤطرها ويستوعبها بطريقة نقدية، وهي نصوص تتنوع بحسب طبيعة الموضوع المتناول وسعة ثقافة المؤلف واتساع البنية الصراعية أو التنافسية بين عوامل التواصل. وتصل درجة حضورها وكثافتها في النص إلى حد منازعة السرد واكتساح فضائه وتعطيل النادرة أو الواقعة. مما جاء في مقدمة الكتاب التي تحمل توقيع الدكتور سعيد يقطين: «يمكن أن يجتمع الناقد والعالم في شخص فيتكامل عملهما، ويحقق أحدهما للآخر ما يحتاج إليه. وهذا الرهان الأصعب هو ما رام الباحث الداهي ركوبه. وإذا كان عمله النقدي بارزا في هذا العمل من خلال انكبابه على نصوص بعينها ومعالجتها في ضوء الأسئلة العلمية التي طرحها، فإن هذا النمط من الاشتغال لا يمكن إلا أن يؤدي به إلى الكشف عن خصوصيات النصوص التي عمل على تحليلها من حيث بعدها النوعي الجامع (السيرة الذهنية). ولقد وُفّق فعلا في إضاءة العديد من الجوانب، والوقوف على العديد من المميزات والتجليات المتصلة بالنصوص التي عمل على تحليلها». الجدير بالذكر أن للباحث المغربي الدكتور محمد الداهي عدة مؤلفات في المجالات البيداغوجية والسيميائية والشعرية، وهو حاصل على جائزة المغربللكتاب لموسم 2006 عن مؤلفه «سيميائية الكلام الروائي
الطاهر الطويل، جريدة القدس العربي ، 23 أكتوبر، 2014.
http://www.alqudsalarabi.co.uk/?p=133809
|