|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
البرلمان المغربي يصادق على قانون النسخة الخاصة المثير للجدل- د.محمد الداهي
أصدرت لجنة التعليم والثقافة والاتصال مشروع قانون رقم 79.12 بتميم القانون 2.00المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون 34.05 والمنصوص عليه في المادة 9 من اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية التي وقعها المغرب بتاريخ 16 يونيو 1917. أصدرت لجنة التعليم والثقافة والاتصال مشروع قانون رقم 79.12 بتميم القانون 2.00المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون 34.05 والمنصوص عليه في المادة 9 من اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية التي وقعها المغرب بتاريخ 16 يونيو 1917. ويندرج هذا القانون في إطار الحد من ظاهرة استنساخ المصنفات الأدبية والفنية لأغراض تجارية غير مشروعة، وتفادي الاعتداء على حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، وتنظيم المستحقات بالنسبة للمستفيدين وهم- على التوالي- المؤلفون وفنانو الأداء ومنتجو الفنوغرامات ومنتجو الفيديوغرامات. وقد عقد أعضاء اللجنة سلسلة من اللقاءات من ضمنها المناقشة العامة بتاريخ 18 يناير 2014، ثم المناقشة التفصيلية بتاريخ 3 فبراير 2014، ثم البث في التعديلات المقترحة بشأن بعض مواد المشروع بتاريخ 6 فبراير 2014، ثم المصادقة عليه يوم الخميس 6 فبراير 2014 بإجماع بعد تعديله. وقبل أن نبين مكامن السرقة والاختلاس في المشروع الذي صادقت عليه اللجنة وجب بداية إثارة بعض الملاحظات العامة: 1-ينبغي تحويل المكتب المغربي لحقوق المؤلفين إلى مؤسسة عمومية تتمتع بالصفة المعنوية والاستقلال المالي، وتضطلع بأداء دور فعال لحماية الملكية الفكرية بطرق تقنية متطورة، وتدابير عملية شفافة لأداء المستحقات وتوفير المناخ السليم للإبداع والإنتاج، وأساليب تشاورية وتشاركية يؤطرها القانون وتضمن تمثيلية فناني الأداء والمنتجين والمستهلكين والمهنيين. وفي السياق ينبغي إنشاء شركة التدبير الجماعي(Association de Gestion Collective) وتكوين لجنة النسخة الخاصة (Commission Copie Privée)حرصا على جمع المتسحقات وتوزيعها بشفافيه وعدالة على ذوي الحقوق، واطلاع الرأي العام على الإحصائيات ومحاصيل السنة، وتقديم لوائح جديدة تهم الدعامات المصنعة الخاضعة للمكافأة على النسخة الخاصة. 2- يستسحن أن يعاد النظر في الجهة الأكثر اختصاصا وتأهيلا لاحتضان هذه المؤسسة العمومية من الناحيتين الإدارية والتنظيمية. فمعظم الدول تلحقها بوزارة الثقافة باعتبارها الجهة المعنية بحماية حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة ، والحفاظ على الذاكرة االجماعية والموروث الثقافي والفني، والحرص على عدم إتلاف المصنفات الأصلية أو ضياعها أو تعرضها لأي اعتداء يمس بالحقوق المادية أو المعنوية للمؤلف. وفي حال إن ظل الوضع على ما هو عليه يستحسن أن تشكل لجنة مختلطة من أطر وزارتي الاتصال والثقافة حرصا على دعم سبل التعاون والتنسيق والتدخل لردع ظواهر الاعتداء على الملكية الفكرية، وحماية المصنفات من أساليب التدليس والقرصنة والاستنساخ لبواعث تجارية محضة، وتنظيم كيفية توزيع المستحقات على المستفيدين، والسعي إلى دعم العمل الثقافي وتوسيع إشعاعه ( تمويل المشاريع الثقافية، تكوين الفنانين، تعزيز الفرجة الحية..). 3-لقد سعت بعض الدول إلى جعل مصلحة خاصة بحقوق المؤلف ومصلحة خاصة بالحقوق المجاورة حرصا على إعطاء لكل فئة ما تستحقه من عناية، وسعيا إلى توفير العدة القانونية لضمان الاستغلال العادي للمصنفات مع احترام محتواها، وحماية مصنفات الملك العام ومصنفات التراث الثقافي التقليدي. ولما نعود إلى قانون النسخة الخاصة الذي صادق عليها البرلمان المغربي نستغرب مما يلي: 1- لا نعرف دواعي سلخ "النسخة الخاصة لكل النصوص" التي أعدها الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة بالجزائر، والتي ينظمها مرسوم تنفيذي رقم 05-357، مؤرخ في 17 شعبان 1426 الموافق 21 شتنبر 2005. وقد تطلب هذا المرسوم من أطر الديوان جهودا جبارة واستشارات واسعة كللت بإعداد نسخة تنم عن الاجتهاد والابتكار من جهة والقدرة على تكييف بنودها باللغتين العربية والفرنسية مع مقتضيات أبواب وبنود النصوص التشريعية الخاصة بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة ، أمر رقم 03-05 مؤرخ في 19 جمادي الأولى عام 1424، الموافق 19 يوليوز 2003. كان حريا بالسيد وزير الاتصال أن يوكل مهمة إعداد المشروع إلى لجنة مختصة حرصا على الأمانة العلمية والنزاهة الفكرية والجدة المأمولة. 2- يتضح أن " النسخة الخاصة لكل النصوص" يؤطرها مرجع خاص وهو الباب الرابع من النصوص التشريعية. وهو يتضمن جملة من المواد التي تعرف بالنسخة الخاصة، وتبين التدابير القانونية لصنع واستيراد واستنساخ الأشرطة الممغنطة والدعائم الأخرى غير المستعملة وأجهزة التسجيل، وتحدد نسب الإتاوة (المكافأة)على النسخة الخاصة بالتناسب مع سعر البيع للدعائم غير المستعملة وجزافيا بالنسبة لأجهزة الاستنساخ، وتوزيع الأتاوى (المكافآت) المقبوضة عن النسخة الخاصة بعد خضم مصاريف التسيير على المستفيدين وفق أقساط محددة. في حين أن النسخة المغربية تحيل على نحو خاطف إلى الفصل 12 من القانون 2.00 الصادر في 15 فبراير 2000 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون 34.05 الصادر في 14 فبراير 2006 الذي ينص على ما يلي: " يتمتع مؤلفو المصنفات الأدبية والفنية الذين تحميهم هذه الاتفاقية بحق استشاري في التصريح بعمل نسخ من هذه المصنفات بأية طريقة وبأي شكل كان. وتختص تشريعات دول الاتحاد بحق السماح بعمل نسخ من هذه المصنفات في بعض الحالات بشرط ألا يتعارض عمل مثل هذه النسخ مع الاستغلال العادي للمصنف وألا يسبب ضررا بغير مبرر للمصالح المشروعة للمؤلف". في حين كان على واضعي النسخة المغربية الانطلاق من الباب الثاني قانون رقم 00-2 الذي يهم حقوق فناني الأداء ومنتجي المسجلات الصوتية وهيآت الإذاعة(أي وضعه كديباجة للقانون 79.12 بعد تحيينه وتأوينه بما يلائم المعطيات والحيثيات الجديدة)، وهو يتضمن مواد هامة (50-51-52-53-54) كان من اللازم، لو توفرت الإرادة والنزاهة الفكريتين أن تشكل أرضية لصياغة نسخة أصيلة معززة بالاقتراحات والاجتهادات الحاصلة في كثير من الدول التي سعت، نتيجة التقدم التكنولوجي المهول وتنامي مظاهر القرصنة والاستنساخ بواسطة دعامات جديدة ومتطورة، إلى التوفيق بين تعطش الجمهور للولوج إلى المصنفات وبين ضمان مكافأة تليق بجهود المؤلف وفنان الأداء والمنتج. وفي غياب مرجع واضح لدى واضعي النسخة المغربية اضطروا إلى اعتماد مواد الباب الرابع من النصوص التشريعية الجزائرية مع تعديل طفيف يخص مثلا نسب الاستحقاق بالنسبة للفئات المستفيدة أو استبدال الإتاوة بالاستحقاق.. و لنعطي نظرة عامة عن الاختلاس الواضح بين النسختين يمكن أن نعطي كمثال مادة من المواد التي تضمنها الباب الرابع الذي يهم النسخة الخاصة في النصوص التشريعية الجزائرية ص/ص52-54.
3- نورد فيما يلي عينات من المواد لبيان أوجه السرقة والاختلاس بين النسختين الخاصتين الجزائرية والمغربية.
نكتفي بهذه الأمثلة لبيان ما يلي: 1-لقد عرضت وزارة الاتصال على أعضاء اللجنة المعنية نسخة مطابقة تماما للنسخة الجزائرية. ورغم التعديلات التي قدمها السادة النواب مشكورين فقد ظلت النسخة المعدلة وفية نسب كبيرة جدا للنسخة الجزائرية باللغة العربية. وكان ، من اللازم، الاطلاع على النسخة نفسها باللغة الفرنسية والمتضمنة في الوثيقة نفسها التي تحوي النسخة المترجمة، سعيا إلى تصحيح بعض الصيغ الغامضة والملتوية، واستيعاب بعض المفاهيم في سياقها. وما يؤسف له أن التعديلات المقترحة في النسخة المغربية ركزت خصوصا على استبدال بعض الألفاظ بمرادفاتها وباقتراح بعض الصيغ التي لم بجانبها الصواب أحيانا على نحو ترجمة (supports vierges) بالدعامات الفارغة في حين تبدو الترجمة المقترحة في النسخة الجزائرية موفقة إلى حد ما (الدعائم غير المستعملة). ولا يتسع المقام هنا لاستعراض عينة من الترجمة غير الموفقة في نظرنا المتواضع. 2- قد نتوهم، في مثل هذه الحالة، أن النسخة الجزائرية منقولة حرفيا عن النسخة الفرنسية( قانون 85,660 عام 1985 والمتمم بقانون 17 يونيو 2001، ثم قانون 20دجنبر 2011حول أقساط مستحقات النسخة الخاصة). ولما اطلعنا على القانون الفرنسي الخاص بالنسخة الخاصة، اتضح لما مدى البون الشاسع بينهما. وكان حريا بوزارة الاتصال أن تكلف لجنة مختصة حتى تطلع على عينة من النسخ الكونية لصياغة نسخة مغربية تواكب المستحدثات القانونية والثورة التتكنولوجية، وتوفر عدة قانونية مناسبة لحماية المصنفات الأدبية والفنية من مظاهر القرصنة والاستنساخ لبواعث تجارية وهو ما يسبب خسارة اقتصادية ويحبط عزائم المبدعين والمؤلفين. 4- تم تخصيص نسبة 20 % لدعم نفقات تسيير المكتب المغربي لحقوق المؤلفين وبرامجه في تحصيل حقوق المؤلفين والحقوق المجاورة. كان من اللازم أن تخصص النسبة نفسها أو أكثر لتمويل التظاهرات الثقافية والمشاريع الثقافية البناءة كما هو معمول به في كثير من الدول التي تراهن على دعم العمل الثقافي وتحرص على مردوده في الحياة اليومية للمواطنين. 5- ثم إسقاط " عبارة الحقوق المجاورة" في كثير من البنود المصادق عليها بإجماع. وهو ما أفرغ النسخة من فلسفتها لكونها موجهة أساسا لفئة من المستفيدين وهم المؤلفون وفنانو الأداء ومنتجو الفنوغرامات ومنتجو الفيديوغرامات. والحقوق المجاورة هي مجمل ما يستحقه كل فنان يؤدي أو يعزف عملا أو مصنفا فنيا، وكل منتج ينتج تسجيلات سميعة أو سمعية بصرية تتعلق بمثل هذا العمل أو المصنف. ويستفيد من هذه الحقوق عموما العازف والمغني والموسيقار والراقص والممثل والمنشد والعازف . ظلت النسخة المغربية أسوة بالنسخة الجزائرية وفية للدعامات التناظرية في حين حصلت تطورات تكنولوجية أدت إلى توسيع الدعامات الخاصة بالنسخة الرقمية للمصنفات ومستتباعاتها من هواتف ذكية وألواح الكترونية وأقراص صلبة خارجية..الخ . وهو مما أدى إلى تنامي مظاهر الاعتداء على المؤلفين وأصحاب الحقوق المجاورة بنسخ مصنفاتهم بطرق تقنية متطورة وبأعداد كثيرة وترويجها على نطاق واسع لأهداف تجارية. ومن المظاهر الخطيرة التي أضحت منتشرة مؤخرا الاعتداء على الحقوق المعنوية للمؤلفين وفناني الأداء ببتر أسمائهم وسرقة مقاطع من مصنفاتهم واستنساخها بطرقة غير مهنية دون استشارة ناشريها وأصحابها والورثة بعد 70 سنة عن وفاة المؤلف حسب القانون المغربي, و يمكن، في تساوق مع ما سبق، أن نستثني من يستفيد من هذه المصنفات لبواعث شخصية أو عائلية أو تعليمية على نحو تحميل أغان معينة في خزان هاتفه أو حاسوبه الشخصي للاستمتاع بها أو الاستفادة منها. في حين يصبح خارقا للقانون إذا ما روج مصنفا ما على العموم أو قام بعرضه على البيع أو استنساخه للغش والتدليس. ختاما، يصعب، مهما كان التعليل، أن نسوغ سرقة جهد فكري وتمريره باسم مؤسسة عمومية من حجم البرلمان. يتوفر المغرب على خبراء وأطر كفءة في مجال الملكية الفكرية. وقد ساهم المغرب في صياغة كثير من القوانين التي تكرس حرصه على تشجيع الاستثمار والإبداع وتبادل المعلومات والخبرات وفق قواعد المنظمة العالمية للملكية الفكري ( الويبو WIPO)، وإزالة القيود والإرغامات التي تحاصر الفكر والإبداع الخلاقين وتحول دون أدائهما لوظيفتهما التنموية. لو توفرت الإرادة الحقيقية لتفادينا كثيرا من الهفوات في النسخة الجزائرية ولاستفدنا من خبرات كثير من الدول في تقنينها للنسخة الخاصة وتوفير العدة المناسبة للحد من ظواهر القرصنة والاستنساخ ذات عواقب وخيمة على المردود الاقتصادي والثقافي .ولا يخفى على أحد مدى ملاءمة هذا الموضوع وأهميته لحماية حقوق المؤلفين أكانوا ذوي المصنفات الأصلية (الأصالة المطلقة) أم المشتقة(الأصالة النسبية)، تقديرا لما بذلوه من جهود، وحرصا على استفادتهم من حقوقهم المادية والمعنوية، وتفاديا لكل أصناف التزييف والتقليد والقرصنة والسرقة التي تلحق أضرارا بليغة بمصنفاتهم، وتكلف الاقتصاد العالمي خسائر تفوق 200 مليار دولار أمريكي سنويا، وتسهم في تفاقم بطالة الأطر والكفاءات المؤهلة ( نتيجة هذه الظاهرة يفقد 750 ألف موظف سنويا منصب شغله بالولايات المتحدة الأمريكية. وتبين من خلال بحث قامت به مؤسسة تعنى بدراسة السوق(IDC) أن تخفيض القرصنة ب 10 في المائة يوفر 860 ألف منصب شغل و100 ألف مليار دولار سنويا) . إن الإنتاج الفكري لا يقل أهمية عن الإنتاج المادي بما له من دور في إعطاء صورة إيجابية عن الأمم إذ أصبحت درجة تقدمها تقاس بما حققته في مجالي التعليم والثقافة، وبما وفرته من آليات عملية لحماية الإبداع الفكري تنويها بجهود الإنسان في ارتياد الكواكب والآفاق، والإسهام في ركب التنمية المستدامة، والسعي إلى التشبع بالمعرفة المنتجة والاكتشافات المبهرة. قال تعالى" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" الإسراء 70.
الكاتب: محمد الداهي بتاريخ: الأحد 09-11-2014 02:17 أ£أ“أ‡أپ الزوار: 2880 التعليقات: 0
|