تدريس الأدب المغربي :الواقع والآفاق-د.محمد الداهي
رابط الصفحة :www.mohamed-dahi.net/news.php?action=view&id=120
الكاتب: mdahi


 حرر في الأحد 20-06-2010 10:31 أ•أˆأ‡أچأ‡


تروم هذه المداخلة([1]) استجلاء بعض العوامل التي تعيق تدريس الأدب في الثانوية المغربية على الوجه المطلوب أو تنفر التلاميذ منه، ثم تشخيص منزلة الأدب المغربي في برامج التعليم الثانوي الخاصة بمادة اللغة العربية، ثم اقتراح أنشطة موازية تسعف التلاميذ على اكتساب معارف جديدة وتنظيمها، و تحفزهم على قراءة النصوص الأدبية التي يمثل فيها الأدب الوطني نسبة هامة.
أولا- سياق تدريس الأدب:
تتحكم في تدريسية الأدب إرغامات بيداغوجية ، تحتم، في مجملها، النقل الديداكتيكي للمعارف العالمة، والانضباط لتوجيهات ومعايير تربوية، والانخراط في مشاريع بناءة سعيا إلى تحقيق غايات محددة سلفا وضمان " تكافؤ الفرص" بين المتعلمين على اختلاف أصولهم الاجتماعية. ومن بين هذه الإرغامات نذكر ما يلي:
أ-البرنامج الدراسي:
يعد البرنامج جزءا من المنهاج التعليمي ( مجموع الغايات والأهداف والأنشطة وأساليب التقويم المنظمة لتكوين المتعلم)، وهو يهتم أساسا بأهداف مادة معينة، وخاصة ما تتضمنه من محتويات تربوية وطرق للتدريس و أساليب للتقويم والدعم. تُوزع وحدات البرامج المغربية أو مجزوءاتها إما اعتمادا على مجال القيم (يدرس النص الأدبي لترسيخ القيم الإسلامية أو الوطنية أو الحضارية أو الثقافية في ذهن المتعلم) وإما اعتمادا على ظواهر أدبية عامة ( الحكي، الحجاج، شعر التفعيلة، قضايا أدبية، قضايا نقدية). ولا يوجد في البرامج التعليمية أي محور يتعلق بالأدب المغربي للتعريف بأعلامه واتجاهاته وأجناسه. فهي لا تتضمن إلا نصوصا متفرقة لأدباء وكتاب مغاربة من مختلف العصور، استدعتها طبيعة المحاور المقترحة للتدريس. إن الاعتماد على صورة الأديب بوصفها جماعا من المواصفات والمعايير العلمية والثقافية سيؤثر سلبا على نسبة حضور الأدب المغربي في البرامج التعليمية المغربية. ولهذا يجب التعامل معها بنوع من المرونة حتى تستوعب يافطة الأدب المغربي كل النصوص المغربية المدرجة في الكتب المدرسية على اختلاف مستوياتها ومقاصدها وسجلاتها وأجناسها.
ب- مواصفات المتخرج من مسلك الآداب والعلوم الإنسانية:
يمكن أن نختزل هذه المواصفات فيما يلي: قدرة المتعلم على تحليل الأفكار والقضايا الإنسانية، وامتلاك أدوات تحليل الواقع الاجتماعي، وإنتاج خطابات شخصية ومعارف متوازنة قابلة للتوظيف والاستثمار الإيجابي في مجالات الحياة والمجتمع([2]). ومن خلالها يتضح مدى تأثر تدريس الأدب في المغرب بالتحولات الكونية، التي أصبحت تختزل الوظيفة الأدبية في تحسين الأداء التواصلي للمتعلم، وفي إعداده ليقوم بدوره الاجتماعي على الوجه الأحسن ( ما يصطلح عليه بالتنشئة الأدبية Socialisation littéraire) ([3]). ولم تسلم هذه المواصفات من انتقادات لاذعة رغم سعيها إلى إدماج المتعلم في محيطه الاجتماعي وجعله قادرا على الاستجابة لحاجات سوق الشغل، وذلك لكونها أسهمت، من بين عوامل أخرى، في تراجع نسبة كبيرة من المتعلمين في الإقبال على القراءة بوصفها سيرورة أساسية لنمو شخصياتهم وتوسيع رؤياتهم إلى الوجود، وفي اعتماد المدرسين على استراتيجيات جديدة ترتكز أساسا على تنويع الدعامات البيداغوجية (مقاطع من الصحف أو المجلات، المحادثات اليومية، الأقراص المدمجة، نصوص رقيمية..)، وهو ما أدى إلى إضعاف منزلة الأدب في المدرسة و الاستخفاف بقيمتها وجدواها في الحياة اليومية.
و على إثر انفتاح المدرسة المغربية على المستحدثات البيداغوجية في بداية عقد التسعينات، أُدرجت القراءة المنهجية في برامج التعليم الثانوي للتدرج بالمتعلم من ملاحظة النص إلى تركيب عناصره مرورا بفهمه وتحليله. وبعد استغناء المدرسة المغربية على القراءة الخارجية التي كانت تسقط معطيات سيرية وتاريخية وإيديولوجية على النص تبنت القراءة المحايثة التي أصبحت، في نظر تزفتات تدوروف، مهووسة بتشغيل المفاهيم. وهذا ما حذا به في كتابه الأخير ( الأدب في خطر) إلى معاودة النظر في هذه القراءة رغم أنه كان من دعاتها ، وذلك حتى يغدو التحكم في أدواتها ليس غاية في حد ذاتها، وإنما وسيلة لفهم الأبعاد الدلالية للنص واستيعاب الوضع الإنساني (La condition gumaine)." لا ينبغي لتحليل الأعمال المدرسية أن يتوقف على توضيح المفاهيم التي صقلها هذا اللساني أو ذلك، أو هذا المنظر أو ذلك أو أن يقدم النصوص بوصفها استعمالا لغويا أو خطابيا، وإنما يجب أن نستحضر مهمته في جعلنا ندرك معنى هذه الأعمال، ونسلم بأن المعنى، بدوره، يفضي بنا إلى معرفة الإنسان"([4])
وبالجملة، ظلت القراءة المنهجية في كثير من مفاصلها وفية للمقاربة البنيوية التي أسهت بدورها في تأزم القراءة ، و"أدت إلى إنتاج صورة فقيرة ، مهدمة عن الأدب الذي أحذ يبدو في عيون التلاميذ بمثابة لعبة بسيطة لأنساق شكلية"([5]).
ج-التدريس بالكفايات:
تتضمن الوثيقة الإطار جملة من الكفايات التي ينبغي للمتعلم أن يكتسبها تدريجيا حتى يصبح عنصرا فاعلا في محيطه الاجتماعي والثقافي، وقادرا على مواجهة مختلف الوضعيات -المسائل بنجاعة وفاعلية. وما يسترعي الانتباه أن مختلف الأنشطة تستهدف أساسا تطوير الكفاية اللغوية والتواصلية للمتعلم. وهذا ما أثر سلبا على الأداء المنهجي الذي غدت أنشطته القرائية في الغالب عبارة عن تمارين تعبيرية ( التحويل، التلخيص، إعادة الصياغة، تدوين رؤوس أقلام، التركيب..)، يتوخى منها، في المقام الأول، تطوير القدرات اللغوية للمتعلم، وتحسين أدائه الشفهي والكتابي للتواصل بلغة عربية سليمة. مع العلم أنه يتدرب على التقنيات التعبيرية نفسها وغيرها في حصص التعبير والإنشاء التي تتدرج من اكتساب المهارة التعبيرية إلى إنتاجها مرورا بتطبيقها. ورغم ما يبذله المدرسون من جهود لصقل القدرات التعبيرية للمتعلم، فهو مازالوا يشتكون من ضعف كفايته اللغوية، و بطء وتيرته لتعلم اللغة العربية وإتقانها، و نفوره من قراءة النصوص سواء أكانت أدبية أو غير أدبية. ولا يمكن للكفايتين الثقافية والاستراتجية أن يؤديا وظيفتيهما ما لم يتفاعل المتعلم مع النص معرفيا ووجدانيا، وما لم يعتبره عاملا أساسيا لتوسيع مداركه الثقافية، و إغناء تجاربه الشخصية، والتفاعل إيجابا مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية. ولهذا ينبغي أن تختار نصوص تستجيب لتوقعاته، و تلائم مستواه الإدراكي والمعرفي من جهة، وأن يشرك في تقويم البرامج الوطنية والجهوية لأخذ ملاحظاته واقتراحاته مأخذ الجد، وإدراج النصوص التي يتجاوب معها أكثر.
ويتوخى من التدريس بالكفايات " تكوين قارئ قادر على استعمال أدواته. ليس اختصاصيا بالضرورة ،وإنما إنسانا واعيا باختياراته وأذواقه([6]). وهذا ما يحتم تنمية قدرته على قراءة النص بطريقة منهجية، وإكسابه عادة القراءة داخل الفصل وخارجه. ولا يمكن أن تصبح ممارسته للقراءة، رغم طراوتها وحداثتها، تجربة حقيقية إلا إذا تعامل مع النص ليس بوصفه " لعبا بالكلمات " وإنما باعتباره عالما من التمثلات الثقافية و الأنساق الجمالية تتحكم فيهما معا عمليتا الإنتاج والتلقي ( تحقق التواصل الأدبي بين تجربتي الكاتب والقارئ رغم تباعدهما الزمكاني).
ثانيا -تمثيلية الأدب المغربي في البرامج التعليمية:
سنحاول ، اعتمادا على منهجية إحصائية، أن نستجلي نسبة اعتماد لجان التأليف على النصوص المغربية، ونستنتج الثوابت والمتغيرات التي تحكمت في انتقائها خلال التجارب الثلاث التي مر منها الكتاب المدرسي بالمغرب: ما قبل مراجعة المناهج التعلمية في سنة 1994، ثم مراجعة المناهج التعليمية سنة 1994، ثم مراجعة المناهج التعليمية في ضوء مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وفي هذا الصدد سنعتمد على عينات دالة بإمكانها أن تعطي نظرة عامة عن نسبة حضور الكتاب المغاربة في المقررات والبرامج التعليمية، وتسعف على الخروج باستنتاجات أولية.
أ-ما قبل سنة 1994:
-وصلت نسبة الكتاب المغاربة في النصوص الأدبية للسنة الخامسة من التعليم الثانوي (طبعة جديدة 1981) إلى 31.70 %. ومن بينهم نذكر علال الفاسي، وعبد الكريم غلاب، ومحمد العربي الخطابي، ابن زنباع، سليمان الموحدي، إدريس الجائي..--لايمثلون في النصوص الأدبية للسنة السادسة من التعليم الثانوي ( طبعة جديدة 1973) إلا نسبة ضئيلة 6.66 %. ومن ضمنهم نجد أبا العباس الجراوي، ومالك بن المرحل المصمودي السبتي، وعبد الواحد المراكشي.
- وفي النصوص الأدبية للسنة السابعة ( طبعة جديدة منقحة 1987) تصل نسبتهم إلى 10%. ومن بين الأسماء المعتمد عليها نذكر علال الفاسي والمختار السوسي ومحمد الحلوي وعبدالله كنون ومحمد بن إبراهيم.
من خلال هذه النسب نستنتج ما يلي:
ا-لم تحافظ تمثيلية الكتاب المغاربة على الوتيرة نفسها خلال السنوات التعليمية الثلاث، وهذا ما أثر على النسبة العامة التي لم تتجاوز 17.69%.
ب-اعتمد مؤلفو الكتاب المدرسي على كتاب مغاربة يكتبون في أجناس متنوعة، وينتمون إلى عصور مختلفة. ويحظى المحدثون والمعاصرون بحصة الأسد 60.88%.
ب-مراجعة المناهج التعليمية سنة 1994.
في إطار الإصلاحات والتحولات التي عرفها النظام التعليمي في منتصف التسعينات، والتي مست أساسا الهيكلة العامة للتعليم الثانوي ومراجعة المناهج الدراسية اضطلعت لجان التأليف بوضع الكتب المدرسية مستحضرة أغراض التعليم الثانوي وضرورة الاستجابة لحاجات المتعلمين وأداءاتهم المتجددة في علاقتها بالمستجدات التربوية التي عرفتها الساحة التعليمية.
-يمثل الكتاب المغاربة في كتاب اللغة العربية للسنة الأولى من التعليم الثانوي نسبة 19.04%. وقد تم الاعتماد على أسماء نذكر من بينها: محمد الصباغ، وعبد المجيد بن بنجلون، ومحمد عزيز الحبابي، وخناثة بنونة،وأحمد بوزفور،وعبد الكريم غلاب.
-ولا تتعدى نسبتهم 9.52% في كتاب اللغة العربية للسنة الثانية من التعليم الثانوي. ومن بين الأعلام المدرجة فيه نذكر ابن بطوطة، وبن تومرت، والقاضي عياض وعبد الملك بن مروان.
- ووصلت نسبتهم إلى 29.72% في كتاب اللغة العربية للسنة الثالثة من التعليم الثانوي. ومن بينهم نذكر علال الفاسي، محمد الحلوي، محمد بن إبراهيم، أحمد المجاطي، عبدالله راجع، عبد الكريم برشيد، محمد مفتاح..
من خلال هذه المعطيات نخلص إلى ما يلي:
ا-إن تباينت النسب خلال السنوات الدراسية الثلاث، فقد توجت بنسبة هامة في السنة الأخيرة من التعليم الثانوي، وخاصة إذا قورنت بمختلف النسب التي راكمها الكتاب المدرسي خلال التجربة السابقة التي امتدت ما ينيف على عقدين من الزمن.
ب-لقد حرص واضعو البرنامج على إدراج اسم كاتب مغربي أو أكثر في محور معين وهو ما يدل على استجابة الأدب المغربي لبعض المواضعات المدرسية ( استجابة شعر علال الفاسي ومحمد بن إبراهيم ومحمد الحلوي لخطاب البعث والإحياء، وملاءمة شعر عبد الكريم بن ثابت للخطاب الرومانسي، وتمثل شعر أحمد المجاطي وعبد الله راجع لخطاب التحديث والمعاصرة)، وقدرة الكتاب المغاربة على تجريب أشكال إبداعية جديدة( عبدالله كنون في المقالة، عبد الكريم برشيد في المسرح، أحمد بوزفور في القصة القصيرة)، ونضج النقاد المغاربة على مقاربة النص بأدوات وأسئلة جديدة ( المنهج الاجتماعي عند نجيب العوفي ، والمقاربة النسقية للمستويات المتعددة عند محمد مفتاح).
ج-إلى جانب الأسماء المعتادة في الكتاب المدرسي( علال الفاسي، عبد الكريم غلاب، محمد الحلوي، عبدالله كنون) ثم الانفتاح على أسماء جديدة من قبيل محمد الصباغ، وعبدالله راجع، وأحمد بوزفور.
د-لا تمثل نسبة حضور الكتاب المغاربة في مختلف المستويات الدراسية إلا نسبة 19%. وإن حصل تطور طفيف مقارنة مع النسبة العامة في التجربة السابقة، فهي لا تعكس ما حققه الإبداع والنقد المغربي من طفرات، وما أثاراه من أسئلة جديدة تتعلق بوظيفة الأدب ومنزلته داخل المجتمع وبإعادة تشخيص وبناء العالم المعيش بطريقة جمالية وفنية.
ج-مراجعة المناهج التعليمية في ضوء مقتضيات الميثاق:
في إطار تنفيذ إجراءات الميثاق الوطني للتربية والتكوين تم الاعتماد على مبدأ المنافسة لاختيار الكتب المتوفرة على المواصفات المطلوبة ( المحددة في دفتر التحملات الخاصة بتأليف وإنتاج الكتاب المدرسي). وهذا ما أدى إلى اعتماد الكتاب المتعدد بعد المصادقة عليه من طرف الوزارة الوصية عوض الكتاب الوحيد، وتزايد الاهتمام بالكتاب المدرسي تأليفا وصناعة بوصفه أداة أساسية للرفع من جودة التعليم واستجلاب المردودية المتوخاة
مقارنة مع سنة 1994 وما قبلها، نلاحظ أ ن نسبة الكتاب المغاربة قد ارتفعت في الكتب المصادق عليها الخاصة بالجذوع المشتركة للتعليم الثانوي التأهيلي. فقد وصلت النسبة إلى 31,03%" في رحاب اللغة العربية"، وإلى 43،47 % في " النجاح في اللغة العربية". وما يلفت النظر هو تكرار أسماء بعينها، على نحو علال الفاسي، وابن زنباع ، وعبد المجيد بنجلون.
وارتفعت نسبة الأدب المغربي في السنة الأولى من سلك الباكلوريا إلى 14،28 % في " الممتاز في اللغة العربية"، وتقلصت إلى 12 % في كتاب " النجاح في اللغة العربية". ومن بين الأدباء الذين تواترت أسماؤهم نذكر أساسا: ابن بطوطة، وعبد العزيز الفشتالي والعبدري، ومالك بن المرحل.
من خلال هذه الأرقام يتبين ما يلي:
أ-نظرا لطبيعة المجزوءات فقد اعتمدت فرق التأليف ، في الغالب، على نصوص مغربية قديمة. وقد كرست، مقارنة مع المقررات السابقة، أسماء معينة نظرا لشهرتها وباعها الطويل في جنس أدبي معين ( على نحو اسمي ابن بطوطة والعبدري في الرحلة).
ب-حصل تطور ملحوظ في نسبة الأدب المغربي مقارنة مع ما سبق، وهذا ناجم عن وعي لجان التأليف بضرورة التحرر من " عقدة الذنب" إزاء الأدب المشرقي، واقتناعهم بمدى ملاءمة النصوص المغربية، واتسامها بالأدبية، واستجابتها للمحاور المراد تدريسها.
مما سبق نخلص إلى الملاحظات الآتية:
أ-إن نسبة حضور الكتاب المغاربة في البرامج التعليمية تتزايد مع مر السنين، وهذا ما حتمته المستحدثات البيداغوجية التي تلح على ربط المتعلم بمحيطه الاجتماعي والسوسيو ثقافي، وتنمية كفايته الثقافية ليس فقط من الجانب الموسوعي المتعلق بالمعرفة بصفة عامة وإنما أيضا من الجانب الرمزي الذي يهم توسيع دائرة إحساساته وتصوراته ورؤيته للعالم وللحضارة البشرية مع تفتح شخصيته بكل مكوناتها، وبترسيخ هويته كمواطن مغربي، وكإنسان منسجم مع ذاته ومع بيئته ومع العالم ( انظر في هذا الصدد إلى الوثيقة الإطارص13).
ب-من خلال التجارب الثلاث يتضح الحضور المستمر لبعض الأعلام على نحو علال الفاسي وعبد الكريم غلاب ومحمد الحلوي وعبد المجيد بنجلون وعبدالله كنون. وابتداء من التجربة الثانية انضافت أسماء جديدة استأثرت باهتمام لجان التأليف على اختلاف توجهاتها ومشاربها، ومن ضمنها نذكر محمد برادة وأحمد بوزفور و محمد الصباغ ومحمد العربي الخطابي. وفي هذا الصدد يطرح إشكال يتعلق بالدواعي والبواعث التي تجعل نصوصا بعينها تستجيب لتوقعات لجان التأليف أو بعبارة أخرى كيف يندغم أفق التوقع الذي يفترضه النص الأدبي في أفق التجربة الذي يضطلع به واضعو البرامج أو المناهج التعليمية؟ وفي هذا الصدد نلاحظ ظهور حساسية أدبية جديدة في المدرسة المغربية على إثر استيعابها لأفواج متتالية من المتخرجين من الجامعة ، ويرجع إليهم الفضل في توسيع دائرة الانفتاح على نصوص حمالة لقيم ثقافية وجمالية جديدة، وتجريب أدوات منهجية عليها. وبالمقابل، مازال المنزع التقليدي يتحكم في اختيار المحتويات وتوزيعها على الدورات الدراسية، وهو ما يسهم في تكريس أسماء بعينها وإقصاء أخرى بدعوى عدم استجابتها للمعايير المحددة مسبقا، و يحول دون الانفتاح على مشاريع القراءة(Les projets de lecture)، وإثارة النقاش حول مفهوم الأدب للبحث عن السبل التي يمكن أن تضفي الجدة عليه، وتخلصه من براثن الجمود والقولبة(La stéréotypie) والانطباعية.
ج- ينبغي أن يحظى الكتاب المغاربة بنسب ملائمة في البرامج التعليمية. وإن أصبح هذا الأمر حتميا لما حققه الأدب المغربي بصفة عامة من طفرات في مختلف روافد المعرفة الإنسانية، فلا يجب أن يتحول إلى هاجس في حد ذاته لأن العالم أصبح قرية صغيرة، تقتضي من واضعي البرامج أن يوسعوا مدارك ومعارف المتعلم بمختلف التجارب الإنسانية أكانت محلية أم قومية أم كونية ( ما يندرج في إطار الكفاية الثقافية)؛ وذلك لتعزيز تجاوبه الإيجابي مع الثقافات الأخرى، وتنمية قدراته على التكيف بسرعة مع التحولات السريعة التي يعرفها العالم وعلى التصرف في مختلف الحالات والوضعيات الاجتماعية غير المتوقعة التي يصادفها في حياته اليومية أو عبر الإبحار في شبكة الانترنيت ( ما تعززه الكفاية الاستراتجية). وهذا ما صاغه هنري جيمس بهذه العبارة المجازية: الوحدة الزخرفية في السجادة. وبمقتضاها لا يشكل الأدب المغربي إلا جزءا صغيرا من أدب شامل وعام ( الأدب العالمي). وفي هذا الصدد أشير إلى كتاب باسكال كازنوفا Pascale Casanova ( الجمهورية العالمية للآداب، سوي 1999) الذي تبنت فيه فكرة عالمية الأدب في العالم المعاصر ( وليس عولمة الأدب التي تقتضي فرض النموذج الأوحد). وتنبني هذه العالمية على تنافس الآداب القومية المختلفة فيما بينها لفرض قيمتها وانتزاع الشرعية والاعتراف بها وبسط نفوذها ( بالمعنى الذي يعطيه بورديو لهذه المفاهيم)، والإسهام في نشر قيم العدل والجمال والحق. وهكذا لا يقرأ النص الأدبي في حدوده القومية، وإنما في إطار موقعه في المشهد العالمي للآداب. إن الدخول إلى هذه العالمية ليست فقط مسؤولية لجان التأليف المدرسي وإنما هي أيضا مسؤولية الإعلام ومكونات المجتمع المدني ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر ووزارة الثقافة. ينبغي للجميع أن ينخرط في مسلسل التعريف بالكتاب المغاربة عبر وسائل الإعلام وشبكة الانترنيت، وضمان رواج كتبهم داخل المغرب وخارجه، وترجمة أعمالهم الجيدة إلى اللغات الأجنبية.
ثالثا-فاعلية الأدب المغربي وتدريسه:
غالبا ما تُحمَّل المدرسة مسؤوليات جساما بحكم الأدوار التربوية والاجتماعية والسياسية المعلقة عليها. وتصبح هذه المسؤوليات موضع مساءلة وتقويم ونقد كلما مر المجتمع بأزمة ما. وهكذا ،فالمدرسة مسؤولة على ترسيخ قيم المواطن والإسلام في ذهن الناشئة وتوعيتهم بمرامي التربية المستدامة، وعلى محاربة الفقر والجهل والإرهاب . وفي السياق نفسه، تعزو دور النشر المغربية تدني نسبة القراءة وانحسار إشعاعها إلى عدم قيام المدرسة بواجبها في حفز المتعلم على شراء الكتب وقراءتها. ويعزو المدرسون الظاهرة نفسها إلى تدخل وسائط جديدة جعلت المتعلم ينعم ب " حق الكسل" . فهو يستخرج من شبكة الأنترنيت كل ما يحتاجه من معلومات دون أن يتجشم أدنى عناء في إعادة صياغتها بأسلوبة الشخصي أو التصرف في بعض محتوياتها، والتحري في صحتها أو مجانبتها الحقيقة ( إضفاء الشرعية على ما يتلقاه). كما أنه يعرف ما يقوله النقاد عن النص أكثر مما يعرفه هو شخصيا عنه([7]). وهذا ما أسهم في انتعاش كثير من الظواهر الخارجية التي تشوش على النص الأدبي وتسقط أحكاما جاهزة عليه، وتحول دون تفاعل المتعلم معه لتحليله والاستفادة منه واتخاذ موقف شخصي منه. والحال هكذا كيف يمكن أن يتعزز حضور الأدب ( وضمنه الأدب المغربي) في المدرسة المغربية؟ وما المخرج لإعادة الاعتبار إلى المدرسة بوصفها مجالا معرفيا وثقافيا يسهم في سيرورة الدمقرطة لإرساء قواعد جديدة للحوار والانفتاح والمسؤولية والاستقلالية والثقة بالنفس؟
أ-ينبغي أن تُخفف البرامج التعليمية من صرامة التعليمات وكثرة المحتويات حتى تتمكن من استيعاب بعض التحولات البيداغوجية الجديدة، وفي مقدمتها استبدال المحتويات المقننة بالمشروعات البيداغوجية التي يؤدي فيها المدرس دورا أساسيا في اختيار النصوص التي تلائم وتيرة تلامذته وتستجيب لتطلعاتهم، ثم إدراج الوحدات الحرة(Séquences libres) في المناهج التعليمية للتخفيف من ظاهرتي الملل والرتابة، وخلق جسور بين المدرسة ومحيطها الاجتماعي والثقافي، وتجريب أساليب جديدة في التدريس تراهن على إشراك المتعلم في الدرس وتحميله المسؤولية لتمييز حقوقه من واجباته. إن استيعاب هذه التحولات البيداغوجية قد يسهم في إعادة الاعتبار للنص الأدبي أو غيره، و يدعم ارتباط المتعلم بمحيطه الاجتماعي وانفتاحه على الثقافات الأخرى،و يقتضي أن يكون الفاعلون التربويون واعين بمرامي وأبعاد الإجماع المشيد على أسس ديمقراطية حتى لا تتحول المدرسة إلى أداة إيديولوجية تخدم هذا الطرف أو ذاك.
ب- لا تراهن المدرسة على تأهيل المتعلم لفهم النص واستنتاج أبعاده الثقافية والرمزية والجمالية فقط، وإنما أيضا على الدخول في حوار معه واتخاذ موقف منه. وهذا ما يحتم إعادة النظر في بعض المطالب البيداغوجية التي تسقط عناصر على النص أو تتعامل معه بطريقة بروكستية أو ترهنه بمفاهيم نقدية أو سلوكية مبتسرة. وعليه ينبغي للمدرسة أن تدعم الكفاية المنهجية لوضع المتعلم أمام اختيارات متعددة لمقاربة النص، وتعزز الكفاية الثقافية لحفز المتعلم على تشغيل خليفاته المعرفية في فهم النص واستنتاج منه قيما وأبعادا ثقافية ورمزية وجمالية. ولا يمكن للنص أن يحقق المبتغى إذا لم يكن مختارا بعناية ودقة على نحو يحفز المتعلم على تذوقه والتجاوب معه والاستفادة منه وإثارة أسئلة تهم الوجود الإنساني.
ج- لا يمكن أن يتعزز حضور الأدب المغربي في المدرسة إذا لم يعبئ الفاعلون التربويون وشركاؤهم جهودهم لإحداث بنيات مشاريع القراءة وتتبعها وتقويمها. وفي هذا الصدد، أشير إلى بعض التجارب البيداغوجية التي يمكن أن نستفيد منها في إعادة الاعتبار إلى الآداب الوطنية في زحمة العولمة الشرسة وتعويد التلاميذ على القراءة بوصفها سيرورة لتفتح شخصياتهم وتيسير اندماجهم في الحياة الاجتماعية.
- إحداث نواد للقراءة والإبداع في مختلف المدارس، وتنظيم دورات تدريبية لبعض الأساتذة للتعرف على تقنيات تسيير النوادي وتنشيطها والوصول إلى الأهداف المرجوة.
- الاستفادة من المشروع الفرنسي ( معركة الكتب La bataille des livres) الذي يراهن على تطوير كفاية القراءة لدى المتعلمين، وإكسابهم مبادئ الثقافة الرقمية للتفاعل إيجابا مع شبكة (edunet) وبرانمها. وهو عبارة عن مسابقة وطنية تعرض فيها قائمة من الكتب على مستويات تعليمية مختلفة، ثم تختار في الأخير أحسن الإنتاجات التي احترمت المعايير المتفق عليها لمكافأة أصحابها.
-تكوين حلقات القراءة(Cercles de lecture) في مختلف المدارس المغربية لتوعية المتعلم بأهمية القراءة في الحياة، وإرشاده إلى مؤلفات تلائم مستواه الإدراكي والثقافي، واستدراجه إلى اتباع خطوات محددة لفهم محتوياتها، وجمع المعلومات المناسبة منها، وتنظيمها وفق معايير مضبوطة، وإثارة النقاش حول بعض مواضيعها.
-تخصيص سنة دراسية لكاتب مغربي (سنة الكاتب L'année de l'auteur)([8]) لحفز التلاميذ على التعرف على مؤلفاته وتجربته في الحياة ومسيرته في التعلم وطريقته في الكتابة.
-يجب أن يُعتنى بفضاء المكتبة المدرسية على نحو يغري المتعلم بالتردد عليه لإعارة الكتب أو مراجعة دروسه، ويُعين قيمون مؤهلون لإدارتها وتسييرها حتى يتعرفون على حاجات التلاميذ، ويدربونهم على تقنيات تعبئة بطاقات القراءة، وينظمون لفائدتهم دورات منتظمة لتطوير قدراتهم على القراءة والكتابة. وفي السياق نفسه، يجب أن تزود المكتبة المدرسية بالكتب المغربية، وتنظم في رحابها ندوات حولها ولقاءات مباشرة مع أصحابها.
----------------------------------------------------------
[1] - ألقيت هذه المداخلة بالمعرض الدولي للتربية والمهن، بتاريخ 20ماي 2007.
[2] - وزارة التربية الوطنية، الكتاب الأبيض الجزء الخامس، المناهج التربوية لقطب الآداب والإنسانيات، ص 3
[3] - يكمن دورها الإيجابي في تربية المتعلم على المواطنة وحفزه على الانفتاح إيجابا مع الثقافات الأخرى. أما دورها السلبي فيتجلي في اختزال الأدب في تقنيات تحول دون فهم دلالاته وتبين قيمته التاريخية والرمزية.
[4] -Tzvetan Todorov : La littérature en péril , Flammarion ,2007,p85.
[5] - تزفتان تودوروف، " أي أدب للمدرسة؟"، حوار أجراه مارك فيمارولي، ترجمة محمد برادة، الملحق الثقافي فكر وإبداع، العدد 8478، فبراير 2007.
[6] -كلياني بربوني كرسيو " نظام الأدب وزتدريسه"، ترجمة محمد الداهي، الملحق الثقافي فكر وإبداع.م,سا.
[7] - يقول تزفتان تودورف في هذا الصدد: " إن الهدف الأول من الدراسات الأدبية هو التعرف على الأدوات التي تستخدمها. إن قراءة القصائد أو الروايات لا تفضي إلى التفكير في الوضع الإنساني، والفرد والمجتمع ،والحب والكراهية، والأمل والإخفاق؛ وإنما في المفاهيم النقدية التقليدية والحديثة.في المدرسة لا نتعلم ما تتحدث عنه الأعمال ولكن ما يقوله النقاد عنها" ، الأدب في خطر، م.سا،ص- ص18-19.
[8] -خصص الموسم الدراسي 2006-2007 للكاتب برنارد فريو Bernard Friot



     

Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009