حرر في الخميس 01-07-2010 04:48 أ£أ“أ‡أپ
وما حفزه على ترجمة هذا الكتاب بالذات هو أنه لا يقدم للفاعل التربوي وصفات جاهزة، بل يستحثه على تشغيل طاقاته الذهنية والفكرية لمساءلة الكفايات من الوجهة الابستمولوجية، والوعي بالإبدالات المعرفية التي توجه وتنظم الممارسة البيداغوجية داخل الفصول الدراسية وخارجها. فما يقترحه جونيير على القارئ هو بسط خلاصة تفكير تأملي حول العلاقة بين الكفاية والسوسيوبنائية، وإنارة السبيل لمن يهتم بالمناهج التعليمية وآفاقها وبإشكاليات بناء المعرفة. فهذا الكتاب، في نظر صاحبه، هو مجرد ورشة أولية ترنو إلى إنجاز ثورة إبدالية (براديجمية)، وإحداث تغييرات عميقة في مقاربة الشأن البيداغوجي بصفة عامة. 1-الكفاية ثورة بيداغوجية: أحدثت المقاربة بالكفايات ثورة بيداغوجية لكونها: *ارتقت بالعملية التعليمية/ التعلمية من التصور السلوكي الذي كان يراهن على إكساب المتعلم سلوكات وعادات جزئية عبر التكرار الشرطي إلى تصور شمولي يسعى إلى تنيمة قدراته ومهاراته لا لينجح في الاختبارات الفصلية، بل ليصبح مواطنا فاعلا ومنتجا في الحياة العملية. *لم تبق المدرسة مرتعا لتلقين المعلومات، وشحن ذهن المتعلم بها، وإنما أصبحت مطالبة بتغيير محتوياتها وبرامجها حتى تساير حاجات سوق الشغل. وهذا ما حتم عليها اعتماد المقاربة بالكفايات لكونها تعد مدخلا أساسيا للتحديث البيداغوجي، والمراهنة على إعداد مواطنين قادرين على مسايرة تيار العولمة الضارية. 2-الكفاية بوصفها بنية معمارية: قبل أن يقترح فليب جونير تعريفا مركبا وشموليا للكفاية، قام بفحص مختلف تعاريفها في المجال غير البيداغوجي ( اللسانيات، علم النفس، علم الشغل) و البيداغوجي ( جيلي، بيرنو، مريو، بلاسيو)، وبالكشف عن تقائصها وثغراتها. و قد اعتمد ، في تعريفه للكفاية، على التجربة التي قام بها، صحبة لفيف من الأخصائيين، لمعاينة كيف يشتغل الأفراد داخل وضعيات محددة. ويعنى بالكفاية بوصفها بنية معمارية أنها: *نية معقدة غير قابلة للاختزال *مجموعة من الأنشطة التي تنجزها الذات في مواجهة إكراهات وضعية محددة . * شبكة إجرائية من الموارد * مقاربة متدرجة تتساوى فيها المستويات على قدم وساق، ويتم الانتقال فيها من كل مستوى إلى آخر، كما أن كل مستوى يستدعي الموارد التي سبق تشغيلها سابقا. وتتكون هذه المقاربة المتدرجة أو الشمولية من المستويات الخمسة الآتية: 1-الوضعية: وضع الذات أمام وضعية لامتحان كفاءتها. 2-الكفاية: ذات تشغل الموارد وفق ما تتطلبه وضعية ما. 3-مستوى القدرات: تشغل الذات القدرات المناسبة في شكل شبكة إجرائية. 4-مستوى المهارات: تشغل القدرات المختارة بدورها سلسلة من العناصر، من بينها مهارات توظف المضامين المدرسة. 5-مستوى المضامين: تغذي القدرات المختارة بدورها سلسلة من العناصر، من بينها مهارات توظف المضامين المدرسة. تستدعي هذه المستويات المتداخلة فيما بينها إثارة الملاحظتين الآتيتين: *تشكل الوضعية منطقا ( وضع المتعلم أما فئات من الوضعيات) وغاية ( التأكد من قدرتها على مواجهتها بنجاح وفعالية)، وتنهض بدور المعيار الذي يقاس به الاشتغال الجيد للكفاية. * تقتضي عملية التفاعل بين الذات والوضعية سيرورة الاستدعاء/ الإقصاء ( استحضار ما يلائمها واستبعاد غير ذلك). وقد تؤدي إلى الانحباس Blocageنتيجة عدم تحيين الموارد المناسبة في حل وضعية/ مشكلة. 3-الكفاية والإبدال السوسيوبنائي: 1-يقوم الإبدال على ثلاثة أبعاد. وهي البعد البنائي ( دور الذات في امتلاك المعارف وبنائها) والبعد التفاعلي ( إقامة تفاعل بين المعارف القديمة والجديدة) والبعد الاجتماعي( صراع الفرد مع نفسه ومع الآخرين ومع المجتمع). فالتآزر الوظيفي بين هذه الأبعاد الثلاثة هو الذي يجعل النموذج السوسيوبنائي التفاعلي مقاربة مهمة لبناء المعارف. 2-يدعو جونير الفاعلين التربويين إلى ضرورة الوعي بالإبدالات المعرفية التي توجه ممارستهم البيداغوجية. ويبين أن تصوره للكفايات يندرج ضمن إبدال سوسوبنائي يقتضي ما يلي: * لا يمكن للكفايات أن تبنى إلا داخل وضعية محددة. ولهذا ينبغي للمدرسين أن ينتقوا فئات الوضعيات الملائمة التي تستدعي من المتعلم تشغيل قدراتهم ومهاراتهم. * لم يصبح المضمون الدراسي غاية في حد ذاتها، وإنما أضحى وسيلة لمعالجة وضعية ما. * إن مهمة المدرس لم تعد مقتصرة على الانطلاق من مفاهيم أو عناصر معينة، وإنما خلق وضعيات لتمكين المتعلم من بناء نعرفه وتنمية قدراته. مما تقدم نلاحظ أن كتاب جونير يثير جملة من القضايا التي يمكن أن تجمل فيما يلي: ا- ابستمولوجيا: يتحرك جونير داخل الإبدال السيوسيوبنائي للمعرفة، ويدعو الفاعلين التربويين إلى ضرورة الوعي بطبيعة الإبدال المعرفي الذي يوجه ممارستهم وأفعالهم. فلا يعقل أن يمارس المدرس مهنته دون أن يعي بالخلفية الابستمولوجية التي تؤطر نشاطه داخل الفصل. وتتحدد هذه الخلفية بوصفها إطارا مرجعيا عاما يحدد المعالم الكبرى التي ينبغي الاهتداء بها لإدراك الكفايات المستهدفة. ويتبنى جونيير، كما رأينا، النموذج السوسيوبنائي الذي لا يتعامل مع المعرفة بوصفها تلقيا سلبيا، بل باعتبارها ثمرة نشاط إيجابي تضطلع به الذات لبناء معارفها. ب- بيداغوجيا: يستتبع المقاربة البنائية للكفاية خلق وضعيات تمكن المتعلم من بناء معارفه وبناء كفايته. وبما أن هذه الكفاية تتخذ صبغة معمارية فهي تتطلب خلق الجسور بين المواد المدرسة والحرص على تكاملها، وتقديم للمدرسين فئات من الوضعيات بدلا من لوائح للمهارات، وحفز المتعلم على تعبئة شبكة إجرائية من الموارد تبعا للوضعية والسياق اللذين يتواجد بهما. ج-ديداكيتكيا: تطرح هذه المقاربة مصاعب ديداكتكية تستدعي تذليلها بهدف استجلاب المردودية المتوخاة والرفع من جودة المنتوج التلعليمي. وتتعلق باقتراح وضعيات متطورة ومتحركة على المتعلم لتوظيف الموارد المناسبة والتنسيق بين مختلف مستوياتها، والتحقق من الملاءمة الاجتماعية لنتائج المعالجات التي أدركت في وضعية ما، وعدم بلورة منهجية واضحة لتقويم الكفايات، ، وعدم جدوى الكفاية العرضانية نتيجة غياب مناهج تعليمية متكاملة أو فشل مساعي التنسيق بين مختلف المواد المدرسة
|