الكاتب: mdahi
|
حرر في الإثنين 24-11-2014 01:12 أ£أ“أ‡أپ
1_توطئة يمكن اعتبار التحولات الثقافية والاجتماعية، في العالم المعاصر، ثمرة تراكم مجموعة من التجارب الفكرية الحوارية المنخرطة في رهانات العولمة و حوار الثقافات عبر طرح إشكاليات فلسفية و أنتربولوجية وأدبية مرتبطة بعلاقة الإنسان بمحيطه الرمزي والتواصلي، وبطرق تفاعله مع مختلف العلامات السيميائية والبلاغية العامة التي تهيمن على البنيات الوظيفية للإشهار والسينما والتربية والانتخابات والسرد والشعر..وغيرها من الظواهر الإبداعية التي تخفي رؤيا الأنا للآخر، وتحدد موقف الفرد إزاء عناوين العصر بمختلف مفاهيمها الأساس: الحداثة، و ما بعد الحداثة، الديمقراطية وحوار الحضارات وغيرها... وهذا ما ينعت اليوم في الأدبيات النقدية بالسيميائيات الثقافية( مع المؤسسين الأوائل أمثال بارت و إيكو و غيرهما) بوصفها جزءا من البلاغة العامة التي تتجه نحو دراسة الوظائف البلاغية والاجتماعية لمقولات مثل الجنس أو العرق، أو الدين، أو التربية والعلوم والاقتصاد والسياسة الخارجية، إضافة إلى تجميع الظواهر الثقافية التواصلية مثل السينما والإشهار والسرد وما يستلزمه ذلك من بحث في المضمرات (ما خفي في أنماط التواصل المختلفة) وأنساقها الوظيفية. في سياق هذا المناخ العلمي العالمي يمكن اعتبار كتاب: صورة الأنا والآخر في السرد للباحث والأكاديمي المغربي محمد الداهي حلقة هامة من حلقات التساؤل الإشكالي حول قضايا الحوار واستراتيجياته من خلال الخطاب السردي و مضمراته . وعليه، سنقدم هذا الكتاب من خلال مقاربة أطروحته مركزين على الفرضيات الآتية: أ_ يندرج الكتاب ضمن مدرسة السيميائيات التفاعلية الثقافية ب_إنه استكشاف وفضح للعلاقات الإقصائية بين الأنا والآخر في الخطاب السردي العالمي، وهو بذلك يتعالق مع الأطروحات النقدية الجريئة للأنتربولوجيا الأمريكية الثقافية( فابين 1983) . _الكتاب بهذا المعنى محاولة في تأصيل سيميائيات عربية حوارية انطلاقا من اعتماده مفهوم الصوريات: Imagologie بوصفها مقاربة منهجية للتمثل في الصورة الأدبية حيث التفاعل أو الإقصاء وارد بين ثقافتين أو عالمين. فما هي إذن، استراتيجيات الحوار التي يعالجها الكتاب ؟ و بالتالي ما هي خلفياته المعرفية الأساس ؟ 2_الأنا والآخر: تمثلات الحوار يخوض الكتاب، منذ البدء، في البحث عن التمثيلات الأساس للأنا والآخر لتحديد طرق الحوار و استراتيجياته في بعض الخطابات السردية . ومن ثم، قارب الباحث رحلة ابن خلدون في كتاب العبر، حيث يتداخل السير ذاتي بالتاريخي، ليكشف عن مقصديتين أساسيتين: _مقصدية الدفاع عن النفس عبر إثبات ابن خلدون لأهليته العلمية؛ وهذا في حد ذاته تمثل للواقع كما أدركه ابن خلدون في عصر مليء بالأحداث والصراعات من أجل الحظوة والمكانة في المغرب والأندلس . _مقصدية الدفاع عن الأمة حيث يدعو للحوار والصلح بين المغرب وباقي الأمم، وذلك في سياق تمثل الآخر المتناقض: تمرلنك الدموي و تمرلنك الطيب .[1] و مع ذلك، يرجح ابن خلدون كفة الحوار والتسامح خدمة للإنسانية مما يجعلنا اليوم في حاجة ماسة إلى روح هذا المفكر في الاجتماع البشري. في مقابل هذا التمثل التفاعلي لثنائية الأنا/الآخر يقدم الباحث محمد الداهي نماذج للتمثل الإقصائي من بينها ماورد في بعض الكتابات الغربية من قبيل أعمالجون مارك موريالذي يعمق البون الشاسع بين الغرب الممثل لبؤرة النفوذ وبين الشرق الممثل لمحيط الهامش التابع دائما للمركز .[2] إن استراتيجية الحوار الإقصائي تتمفصل أيضا عن الخطاب السردي الروائي لدى مورسي لوجلاي الذي عمل على تكريس الفكر الاستعماري من خلال تبئير عظمة الأنا_الغرب و تشويه الآخر_المغاربة في رواياته . غير أن قراءة الباحث في رواية الحي اللاتيني لسهيل إدريس تكشف خطته لتشييد استراتيجية الحوار بين الأنا والآخر؛ الشرق والغرب كما يقدمها الفعل السردي العربي الحديث . ومن ثم، جاء تفكيك الرواية و إعادة تشييد عوالمها و مكوناتها فاضحا لنظرة الأنا للآخر؛ حيث تجتمع كل المفارقات: نظرة الأنا العربي الدونية للمرأة الشرقية، رؤية الإعجاب و الاندهاش للمرأة الغربية ...بل تزداد المفارقة كثافة حينما يستمر نظر العربي إلى الغرب، دون نسائه، باعتباره ذلك الآخر المستخف والمتعالي والمتغطرس....بينما الغرب يحتفظ بصورة العربي؛ ذلك الصحراوي المتخلف والفحل .. و بذلك، تضيع ملامح المصالحة والحوار الجاد بين الطرفين[3]، خاصة مع تراكم نتائج المد الاستعماري مثل نكبة فلسطين وغيرها من السياقات المؤطرة لهذه القطيعة الحوارية الحضارية بين الغرب والشرق . وهو ما تسترجعه فدوى طوقان في نصوصها السردية حيث تركز على خطر الاستعمار على هوية الذات والجماعة دون المساس بأهمية الوجه الحضاري للآخر_الغرب. وهكذا، إذا كانت استراتيجيات الحوار، كما يشيدها الباحث، تتوزع بين الإقصاء والمفارقة في السرد العربي والعالمي؛ أي في نظرة كل من الغرب والعرب لبعضهما بعض خلافا لاستراتيجية التعايش الخلدونية فإن محمد الداهي توقف عند تجليات الآخر المتعدد في المدونة التخييلية السردية عند عبد الله العروي الذي يؤسس لنقد مزدوج للذات والغرب قصد تجاوز الرؤية النمطية للطرفين عن بعضهما بعض، وخلق فضاء للذاكرة الإيجابية التي تستعيد الأحداث الماضية لتضيء معالم المستقبل سواء أكان ذلك في أوراق إدريس، أم في البنية الاسترجاعية للضريح لعبد الغني أبو العزم، أم في ثمن الحرية لعبد الهادي الشرايبي[4] . و هو ما دفع الكاتب إلى تحديد تجلياته بشكل خاص في سرديات إدوارد سعيد الذي وضع الهوية المضطربة و كراهية الآخر ضمن مساق الصراع العربي الإسرائيلي ليخلص في المشروع السير ذاتي: خارج المكان إلى تثبيت قيم كونية وإنسانية ترى الذات في اللآخر و الآخر في الذات على نحو يقربنا من نظرية المصالحة الخلدونية، ويتجاوز نزعة الكراهية للآخر_ أمريكا كما هو حاصل في بعض النصوص السردية العراقية( بعض روايات جاسم الرصيف ) من هنا، يمكن أن نستخلص أنساق الحوار و استراتيجياته كما شيدها محمد الداهي من خلال الخطاب السردي، وهي كالآتي: _نسق المصالحة الخلدوني ( سرديات ابن خلدون ) _نسق الإقصاء الاستعماري ( سرديات الكاتب الغربي ) _نسق المفارقات العربي ( سرديات الروائي العربي ) _نسق التفاعل الإنساني ( سرديات المفكرين العرب؛ أمثال العروي و إدوارد سعيد ) . إن أطروحة الكاتب تخفي تناصا مساندا مع تصورات الأنتربولجيا الثقافية الأمريكية التي عملت على فضح الأنساق السلبية التي تحكم نظرة الغرب للآخر قصد تأسيس حوار تفاعلي متكافئ بين الشعوب، وهو ما يجعل كتاب محمد الداهي منخرطا في روح الديمقراطية البلاغية المعاصرة (Rhetorical Democracy) . فما هي، إذن، مظاهر هذا التعالق بين هذين النسقين الدلاليين ؟ 3_الأنا والآخر: مسالك الاحتجاج تتجه مقصدية كتاب: صورة الأنا والآخر في السرد نحو الاحتجاج على أزمنة الإقصاء كما تقدمها الكتابات الغربية انطلاقا من رؤية أنتربولوجية متعالية . و مساق التأويل المحلي لهذا الاحتجاج في الكتاب تركيزه على مشروع ابن خلدون بوصفه حاجة من حاجات العصر الراهن بناء على ما يقدمه من بدائل لترسيخ الحوار والتعايش بين الأمم. إن مقصدية الاحتجاج هذه تتناسب وما جاء في كتاب: الزمان والآخر (Time and other). لجوهان فابين (1983) لكونه يمثل تطورا لما يسمى بـ " النسبية الثقافية" في الخطاب الأنتربولوجي الأمريكي، كما يشكل صحوة لبعض الأنتربولوجيين من خلال نقد الأصول الفلسفية والابستمية للآنتربولوجيا ذاتها. فالزمان الأنتربولوجي الإقصائي ( موضعة المسافة بين الأنا والآخر)، والذي شيد نسقه الدلالي محمد الداهي من خلال ثنائية الوجه المتوحش والمتحضر للآخر و مفهوم شعرية الذاكرة و صورة المغربي والأسطورة البربرية، أداة تنتمي إلى الاقتصاد السياسي للعلاقات بين الأفراد والطبقات والدول، كما أن بناء هدف الأنتربولوجيا من خلال المفاهيم والأدوات الزمنية يشكل فعلا سياسيا بما يمثل "سياسة الزمان" . ذلك أن الخطاب الأنتربولوجي المتسرب إلى الروايات والكتابات الغربية حول العالم العربي يفسر "الآخر" من خلال إبعاده على مستوى المسافة الفضائية؛ فيتم وضع " المتوحش" و"البدائي" و"الآخر" في وضع لا يمتلك فيه المعرفة بما هي سلطة، وبالتالي بما هي فعل زمني تاريخي وسياسي الشيء الذي يخول للغرب فرصة الهيمنة . هذا ما توصل إليه، كذلك، محمد الداهي خاصة في سياق قراءته للحكاية والخطاب في النصوصالسردية لموريس لوجلاي التي تعلي من شأن جنود الاحتلال الفرنسي وتسقط كل مظاهر الحضارة والصفاء عن المغاربة، مما يعني أنتروبولوجيا وضع مسافة موضوعية بين الماضي والحاضر، البداية والنهاية، وبين الثـقـافة الباحثة والـثـقـافة المبحوث فيها في اتجاه الدعاية لتفوق العرق الفرنسي على مثيله المغربي .[5] ومن ثم، تسقط هذه الرؤيا الأنتروبولوجية في " الزمان التصنيفي "، (Typological time58)عبر تحديد بعض الثنائيات من قبيل: ما قبل المتعلم / المتعلم، والتقليدي / المعاصر، والفلاحي / الصناعي، فيتجرد الزمان من إيحاءاته الفيزيائية، إذ عوض أن يكون أداة لقياس الحركة، يتمظهر بوصفه مصنفا للطبقات الاجتماعية والسياسية في شكل خصائص موزعة بشكل غير متكافئ بين الشعوب، حيث يتم الحديث عن شعوب بلا تاريخ أو شعوب حارة وأخرى باردة [6] . 4_الأنا والآخر: نحو تأويل ثقافي: يمكن اعتبار مقاربة محمد الداهي للعلامات_ الخطابات السردية، في الكتاب، تأويلا محليا Interprétation locale يندرج في إطار ما نعتناه آنفا بالسيميائيات الثقافية التي تنطلق أساسا من اعتبار الإنسان علامة( شارل ساندرس بورس )، حيث يمكن تأويل إنتاجاته وفق وسائط ثقافية رمزية . و مرد ذلك أن الثقافة، وفق هذا المنظور، وسيط سيميائي، بل هي المحيط الإنساني الذي ينتج الشكل والمحتوى والمعنى ( بنفنيست 1966) مما يجعلها محملة بالثمثلات الرمزية المركبة؛ فنية وسياسية ودينية وغيرها . ومن ثم، فالسيميائيات الثقافية تؤول المجتمع المشحون بالمعاني ( جريماص 1984) .[7]. هذا ما طوره السيميائيون أمثال أمبيرطو إيكو الذي بحث في البنيات الغائبة و نسق الإيحاء، حيث ركزعلى المسألة الثـقافية في علاقتها بالإيحاء الذي يعرفه بكونه مجموع الوحدات الثقافية التي يمكن للدال أن يوجدها في ذهن المتلقي . ففي ثـقافة ما، نجد متوالية المؤولات الخاصة بعبارة ما تبرهن على أن هذه العبارة يمكن أن تربط ثانية بكل العلامات التي تحيل عليها[8]. وهكذا، تؤكد أوريكيوني (1977) على أهمية الأطروحات السابقة مع ربط الإيحاء بالمكونات الثقافية والبلاغية والأسلوبية، وذلك باعتباره كل قيمة معنوية مضافة إلى المعنى الأول .[9] . وما يفحص هذا التأويل السيميائي الثقافي لدى محمد الداهي( 2013 ) تنشيط عدة مفاهيم من قبيل العوالم الدلالية والإيحاء الذي اعتبره أساس إنتاج المعنى في الخطابات السردية الحاملة لتمثلات تتمفصل عنها صورة الأنا والأخر .. و مثال ذلك، اشتغاله على إيحائية العنوان في أكثر من سياق تأويلي: في الفصل الثالث، والرابع والسابع..الخ. ومن ثم، ورد نسق الإيحاء لديه منسجما و أطروحة إيكو (1979) الذي يعتبر الإيحاء بمثابة المحتوى الذي يصبح "عبارة " لمحتوى إضافي:
حيث اعتمد الكاتب على مستويين لقراءة الإيحاء هما: المستوى التقريري والمستوى الإيحائي في مقاربته للسيرة الذاتية لفدوى طوقان: رحلة جبلية رحلة صعبة، إذ تناسلت عن مؤولاته عدة دلالات مضافة إلى معنى الرحلة_ الاستجمام، فنحصل على: رحلة العمر، صعوبة الحياة، التقاليد الاجتماعية القاسية ...[10] 5_تركيب هكذا، تكمن الأهمية الاستراتيجية لكتاب محمد الداهي: صورة الأنا والآخر في السرد، في كونه محايث لأسئلة السيميائيات الثقافية المعاصرة بما هي بلاغة عامة تقارب انشغالات الشعوب التي تتباعد قسرا انطلاقا من معايير تربوية وبلاغية مفروضة من قبل المؤسسات الحاكمة المحافظة على رواسب الماضي البعيد والقريب، مما يجعل هذا الكتاب فرصة لإعادة تجديد أدوات الحوار بين الأنا والآخر بواسطة الديمقراطية البلاغية التي تعني بالأساس الميل إلى ممارستها بلاغيا عبر عملية حسية معرفية هي التلقي. ومن ثم، فتنشيط السرد البناء من قبيل الأنساق الفكرية والتخييلية لعبد الله العروي وإدوارد سعيد على النحو الذي شيده دلاليا محمد الداهي يعني جعل بلاغة الحكي مساوقة لتوليد المعنى وتشييد مختلف التمثلات التفاعلية إزاء الآخر . وهو ما يمكن تتنشيطه كذلك عبر الصور الإشهارية والمرافعات، فضلا عن الفن والتاريخ والأدب. وهذا يقود طبعا إلى بناء رأي متعدد الأصوات بعيد عن خدعة ما يسمى بصناعة الرأي العام، فيتم الاستماع إلى أصوات القادة والنشطاء والكتاب، فضلا عن أصوات المهمشين وعامة المواطنين .[11] ------------------------ المهوامش: _الداهي، محمد ( صورة الأنا والآخرفي السرد، منشورات رؤية، القاهرة، 2013 )، ص.60 .[1] _المرجع السابق، ص. 62 .[2] _المرجع نفسه ص. 120 .[3] _راجع التفاصيل في المرجع السابق صص.156_258 .[4] _المرجع السابق، ص.71 .[5] ، ص ص .21 - 25Fabian_ فابين (1983)، 6 ، ص.30، و راجع جريماص 1984، ص.121 . E. Benveniste_ راجع بنفنيست 1966،.[7] ، ص. 92 Eco8- إيكو (1972). ، ص ص . 11 -21Orecchioni 9- أريكيوني (1977)، . _الداهي (2013)، صص.127_128 .[10] ، صص.11_12 .Hauserهوسر (2004 )،[11] ا |
|||||||||||||
Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009 |