حرر في الخميس 19-05-2011 07:26 أ•أˆأ‡أچأ‡
أحدثت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط العمادة سلسلة " ذخائر المكتبة" ([1]) حرصا على إعادة نشر ما تحفل به خزانة الكلية من وثائق ومخطوطات نادرة وكتب ومجلات قيمة، وسعيا إلى رد العجز على الصدر، وتعزيز الذاكرة الثقافية المغربية وصيانتها من آفات التلف والضياع والنسيان. انخراطا في هذا المسعى العلمي النبيل أصدرت الكلية المجموعة الكاملة في تسعة أعداد من مجلة " رسالة الأديب" التي كان يديرها ويشرف عليها الشاعر الراحل محمد الحبيب الفرقاني خلال الفترة الممتدة من يناير 1958 إلى ماي 1959 ([2]). وما يلفت النظر أن أعداد المجلة صورت (المسح الضوئي) بطريقة مهنية حتى يأخذ القارئ فكرة عن طريقة إخراجها (توزيع الأركان والمواد المتنوعة، وإدراج الإعلانات الإدارية والتجارية والصور، والانفتاح على مختلف مكونات الأدب وأصنافه) ، ويستجلي، في السياق نفسه، قدرتها على مواكبة الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي المغربي إبان فجر الاستقلال. وقد أدت المجلة، رغم قصر الفترة الزمنية، دورا هاما في التعريف بإسهامات ثلة من المفكرين والكتاب المغاربة وبيان دورهم في إرساء دعامات الثقافة المغربية بمختلف توجهاتها ومناحيها ومغازيها. ومن ضمنهم نذكر أساسا علال الفاسي وعبد الله إبراهيم وعبد الله كنون وعبد العزيز بنعبدالله ومحمد الحبيب الفرقاني. وبموازاة مع ذلك انفتحت المجلة على طاقات جديدة افترشت تدريجيا مدر الكتابة إلى أن أضحى لها وزن في الميدان الثقافي. ومن ضمنها نكر عبد القادر حسن وأحمد صبري ومحمد برادة وسالم الدمناتي وعبد الجبار السحيمي ومصطفى المعداوي.
ومما يبين أن مدير مجلة " رسالة الأديب"- التي كان يصدرها باسم " جمعية الأديب" في مراكش- كان واعيا بتحقيق مشروع ثقافي هو تصدير العدد الأول بافتتاحية هادفة وبناءة موسومة ب" خطتنا". وفيها رسم الخطة التي ينبغي أن تسير عليها المجلة سعيا إلى تحقيق جملة من الأهداف يمكن أن نجملها فيما يلي:
- الحاجة إلى فعالية ثقافية مبدعة تناشد قيمة الحرية في قيمتها العلمية ومدلولها الإنساني، وتروم زرع معاني السمو والنبالة في فكر الناس ومعاملاتهم وذوقهم، وتحفزهم على نفض رواسب الاستعمار واكتناه مواقع أخطائهم وتجسيم أدوارهم.
- حفز الأديب على الاضطلاع برسالته ( وهذا هو سبب تسمية المجلة بهذا الاسم) الرهيبة حتى يجمع الطاقات الحية وإمكانات الإبداع وقوى الضمير والوجدان لخدمة الوطن وبناء حضارة عصرية "قوامها الإنسانية الصميمية، وأساسها الفكر والسر الحر، وركيزتها العلم والمعرفة، وقيادتها الضمير الحي والوجدان الشريف، وغايتها الجمع بين جمالي المادة والروح"..
- تجلية قيم الإسلام الروحية، وأسسه الفكرية، مترفعة عن شوائب الرجعية والجمود، والعمل على بعث أمجادنا الفكرية والعلمية والسياسية والأدبية، وإبراز الحضارة المغربية-الإسلامية.
وعلاوة على اهتمام المجلة بالشأنين الأدبي والفني، اعتنت بالبعد القومي العربي وبمشاكل المجتمع وقضاياه الاجتماعية والسياسية، وواكبت مسيرة تحرر المرأة المغربية، وحفزت الكتاب المغاربة على الانخراط في إطارات دفاعا عن وضعهم الاعتباري والرمزي ( على نحو الدعوة إلى تكوين رابطة أدباء المغرب في العددين الأول والثاني)، وأسهمت في تطوير المقالة الأدبية وتخليصها من أثقال الصنعة وزخرفها التي كانت تحول دون تفاعل المواطنين مع محتوياتها، واستثمرت توطد العلاقة الثقافية بين مغرب العالم ومشرقه لمواكبة إسهامات الكتاب المرموقين والتعريف بها أو إجراء استجوابات مع أصحابها كلما أتيحت لهم فرصة الاضطلاع بزيارة علمية للمغرب. ومن الأسماء التي حظيت بعناية المجلة بالنظر إلى قيمتهم العلمية وصداهم المعرفي الواسع نذكر أحمد زكي وحسين فوزي وعمر فروخ وعبد العزيز الأهواني وطه حسين.
ظهرت في المغرب الحديث سلسة من المجلات من قبيل دعوة الحق، والبينة، والتربية والوطنية، والمعرفة، والأنوار، والمغرب الجديد، والسلام والسلام المصور، والأنيس، والمعتمد..الخ. وقد ساهمت، رغم قلة الإمكانات وتواضعها، في مواكبة التحولات الاجتماعية والثقافية الكبرى، وصقل المواهب وتحسين أدائها. وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه البادرة التي أقدمت عليها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حتى ندعم مخزون الذاكرة الثقافية المغربية، ونحميه من الضياع والقرصنة والتزييف، ونيسر سبله للأجيال الصاعدة حتى تستفيد من معينه الدَّفاق ورحيق زهره ،وتستلهم روح المواطنة الصالحة " في بناء مجتمع نظيف قوي متماسك تسود أركانه المساواة والعدالة
. ---------------------------------------------------------- [1] - ذخائر المكتبة سلسلة مختصة في إعادة نشر الأعمال الصادرة بشكل خاص عن معهد الدراسات العليا المغربية . وتتكون هيئتها العلمية من الأساتذة الآتية أسماؤهم: عبد ارحيم بنحادة- محمد بريان- الجيلالي العدناني- عبد الرحيم العطاوي-إدريس بنسعيد- عبد الحي المودن- عبد الرحيم المودن- حسن حافظي علوي- محمد كنبيب- عبد الأحد السبتي- عبد الحفيظ الطبايلي. [2] - أشرف على إعداد هذه المجموعة وتصديرها بمقدمات مفيدة كل من الأساتذة : أحمد بوحسن وعبد الصمد بلكبير ومحمد البكري.
|