الكاتب: mdahi
|
حرر في الأحد 01-06-2014 09:15 أ£أ“أ‡أپ
يمثل اللباس، حسب رولاند بارث، موضوعا شعريا بامتياز بما يحفل به من ألوان وأشكال وحركات وإيحاءات. وهو يستمد شرعيته من الموضوعات الرمزية الكبرى أكانت طبيعية ( فستنان الورد، قبعة من الورد، ثوب حرير الدودة) أم جغرافية ( قفطان مغربي، جلباب مغربي، لباس مخزني، اللباس على الطريقة الإيطالية، اللباس البربري أو الصحرواي أوالجبلي.) أم تاريخية ( تقليعة الخمسينات، ذوق العشرينات) أم فنية ( الرسم والنحت والسينما ولأدب). وقد ساهمت عوامل كثيرة ( الرحلات والأسفار والأفلام ومجلات التقليعة و الآنترنيبت) في ترسيخ عادات سوسيوثقافية للباس إلى حد أصبحت الخصوصيات المحلية تنحسر أمام مد المواضعات الكونية. لا ينظر إلى اللباس في حد ذاته وإنما في علاقته بالعالم الذي يؤطره ويمنحه معنى خاصا. وهذا ما جعله يخضع لنمط من العلاقات الاستبدالية التي تختزل في ثنائية ( التقلعة/ زي متقادم) أو في نظام سييميولوجي (منغلق/ متفتح). فعندما نلقي نظرة على شخص ما يمكن أن نحكم عليه ولو ظاهريا من خلال طريقته في اللباس. هل يساير التقليعة(الموضة) أم لا يعيرها أدنى اهتمام؟ ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعنف شخصا أو نستخف به لكونه اختار أن يلبس وفق قناعته الشخصية. ففي المجتمع الحداثي والمنفتح حرية الفرد مضمونة في التدين والتصرف واللباس احتكاما إلى القوانين التي تنظم العلاقات البشرية، وتقتضي من كل فرد أن يحترمها وينضبط لها مهما كان مستواه الثقافي وانتماؤه الاجتماعي ونزوعه العقائدي. ويمكن للمجتمع ، حسب كينونته الثقافية والحضارية، أن يضع علاقات استبدالية لتسنين العلاقة بين اللباس المعيار ( مجموعة من القواعد والمواضعات المجردة) واللباس الشخصي ( كل شخص يلبس وفق المعيار المتعرف عليه، وهو ما يعطيه حرية وإن كانت مقيدة حفاظا على تواصله مع غيره). وفي هذا الصدد يضع المجتمع جملة من المعايير التي تراعي عادات البلد وخصوصياته وطقوسه وأعياده وحفلاته. ولكن الفرد غير ملزم بأن يخضع لها بطريقة عمياء. فهو يتصرف فيها تبعا لمزاجه وذوقه وموقفه من الوجود. وفي الإطار نفسه، يمكن لمؤسسة أن تحض المنتسبين إليها على الانضباط لنظام لباسي معين ( على نحو ارتداء الوزرة في المدارس والمعامل) بحكم مثبت في القانون الداخلي المصادق والموقع عليه. وفي الحالة التي طرأت مؤخرا داخل البرلمان ، ليس هناك قانون يجبر على الصحافيين ارتداء لباس بمواصفات معينة. و لا يحق للسيد الوزير الشوباني أن يطرد الصحافية أو يعنفها أو يستخف بكرامتها بسبب طريقتها في اللباس. لقد تجاوز اختصاصه وتصرف أمام الملأ كما لو كان وصيا على الأخلاق العامة. وفي هذا الصدد نبدي الملاحظات الآتية: 1-ما حدث ليس واقعة مفردة، وإنما هي جزء من تحول اجتماعي يقتضي الاعتراف بحرية الأفراد في إطار دولة الحق والقانون. فليس من حق فرد أو جماعة أن يتصرف خارج الضوابط العامة والمعايير الاجتماعية، أو ينصب نفسه وصيا على الذوق الاجتماعي والأخلاق العامة. 2-يبين تصرف السيد الوزير مدى ضيق صدره إلى درجة عدم سوغه الحق في الاختلاف، وحرصه على فرض دوقه الشخصي على الآخرين إرضاء لنزواته الشخصية التي لا يعلمها إلا الله تعالى. " إذا كانت الأنساق اللباسية(systèmes vestimentaires) تنتظم وفق نسق الاختلاف فإننا مجبرين على اكتشاف في اللباس المكتوب ( أو المرئي في حالتنا) حضور شفرة لباسية" ( رولاند بارث، نظام التقليعة، ص36.). وهو ما لم يلتقطه السيد الوزير في حينه. 3-يشغل فضاء البرلمان مجالا للتوصل يحفز المواطن على تحسين أدائه التواصلي وتنمية رصيده المعرفي. ويصاب بخيبة أمل عندما يعاين تنامي بعض المظاهر المستبشعة التي تعطي صورة سيئة عن الأداء البرلماني ( على نحو التنابز والتعنيف وغياب الحوار البناء واستعمال الهاتف النقال و قراءة الجرائد والنوم والتثاؤب....). وفي هذا السياق كان على السيد الوزير أن يتعامل بلباقة مع الواقعة قبل أن تحدث مخلفة تداعيات مختلفة . واللباقة تقضي خسران الذات مقابل ربح الآخر.. وكم نخسر يوميا الآخرين.. إنها معضلة الديمقراطية في بلدي..
|
|
Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009 |