|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
الرواية والسياسة..د.محمد الداهي
إن إثارة موضوع الرواية والسياسة قد يفضي بنا إلى النقاشات التي كانت سائدة في عقدي الستينات والسبعينات من الألفية الثانية. ومن ضمنها النقاش المحتدم بين لوسيان كولدمان وجاك لينهارت من جهة وألان روب غرييه من جهة ثانية. حاكم لوسيان كولدمان وجاك لينهارت رواية " الغيرة" من منظور إيديولوجي ( الصورة رفقته للروائي الفرنسي ألان روب غرييه). إن إثارة موضوع الرواية والسياسة قد يفضي بنا إلى النقاشات التي كانت سائدة في عقدي الستينات والسبعينات من الألفية الثانية. ومن ضمنها النقاش المحتدم بين لوسيان كولدمان وجاك لينهارت من جهة وألان روب غرييه من جهة ثانية. حاكم لوسيان كولدمان وجاك لينهارت رواية " الغيرة" من منظور إيديولوجي. اعتبرها الأول رواية مشيئة ومجردة من الطابع الإنساني، وتعامل معها الثاني كما لو كانت تمثيلا للرؤية الاستعمارية للعام. استبعد ألان روب غرييه ما قالاه في حق روايته مبرزا أنه ألفها سعيا إلى التعبير عن " الهوى العصي" و " ووفرة المواد الاستهلاكية في المجتمع".ما يهمني من إثارة هذا السجال النقدي هو التدليل على ملاءمة طموح الآن روب غرييه في تحاشي " المفاهيم المتجاوزة" من قبيل الالتزام ورواية الأطروحة، و صياغة تصور أدبي جديد قادر على مواكبة متطلبات المجتمع الجديد وإرغاما ته. لقد حرض " الربيع العربي" على إثارة جملة من القضايا التي تهم مهمة المثقف بصفة عامة والجدوى من الرواية بصفة خاصة. وهو ما أدى إلى بعث كثير من المفاهيم من مراقدها على نحو المثقف العضوي، وخيانة المثقفين، والأدب الملتزم حرصا على حفز المثقف على أداء دوره النضالي والمشاركة في الحياة السياسية. وهكذا لاحظنا – علاوة على ظهور فئات جديدة تحاول أن تتقمص المثقف العضوي- صدور روايات يزعم فيها أصحابها أنهم تنبأوا بالثورة و الإطاحة برموز الاستبداد، وأن ما دونوه يقدم "صورة صادقة" عما يقع في الساحات العمومية من حراك وغليان اجتماعيين.. إن أدبية النص لا تقاس بالتزام المبدع أو انتمائه السياسي أو حسن نواياه، وإنما بالشروط والسمات الفنية التي تصدر عن المؤسسة الأدبية. وفي هذا الصدد يستحسن أن نستبدل سؤال " كيف يشخص الروائي الواقع؟" بسؤال آخر أكثر ملاءمة " بأي طريقة يشخصه؟". يقتضي السؤال الثاني من الروائي أن يخلق " مسافة نقدية" مع الواقع حتى يتمكن من إعادة تمثيله وتحبيكه، ومساءلته لفهم أسراره المغفية و إضاءة جوانبه الداجية، وتخيل مواطنة تخييلية تتوافر فيها سبل العيش الكريم. ومما يدخل في جملة هذا المواطنة ( أسوة بالمواطنة الافتراضية على شبكة الانترنيت) نذكر أساسا: دمقرطة اللغة، والرد بالكتابة، والمؤشرات التخييلية، والكلية الخفية، والمصالحة التاريخية مع الذات والآخر. ويمكن في هذا الصدد أن نرصد ملامح هذه المواطنة في عينة من الروايات العربية التي استطاعت أن تعيد تمثيل الواقع بطريقة مضادة سعيا إلى استيعاب تحولاته الاجتماعية ونزاعاته وخلافاته السياسية في منأى عن الصخب الإيديولوجي والقوالب الفكرية المسكوكة.
توقف نجيب محفوظ عن الكتابة ما يناهز خمس سنوات اعتقادا منه بأن الثورة ستحقق – وفق جورج لوكاش- "التناسب الكامل بين أفعال الروح ومطالبها". ولما خاب ظنه عاوده الحنين إلى كتابة الرواية " اللص والكلاب" 1961 حرصا منه على إبراز مدى ملاءمتها في الدفاع عن القيم الأصيلة داخل مجتمع تفاقمت فيه الظواهر المستبشعة والرذائل ( على نحو الخيانة والغدر والمكر والتسلق الطبفي). بمجرد أن خرج سعيد مهران من السجن قرر أن ينفذ مخططه للانتقام ممن سولت له نفسه بتمريغ أنفه في التراب وإذلاله. ومن ضمنهم زوجته نبوية التي لفظته بعد اعتقاله وتزوجت بمتعلمه عليش، ورءوف علوان الذي تنكر لمبادئه الثورية بعد أن ترقى اجتماعيا وأضحى من عليه القوم، وعليش الذي استولى على ممتلكات غريمه، وأصبح له أتباع يأتمرون بأوامره وتعليماته. وعوض أن تصيب رصاصات سعيد مهران أهدافها أودت بحياة أبرياء. وهو ما جعل سعيد مهران يستحضر بعض نصائح رفيقه في النضال رءوف علوان، ومن ضمنها ضرورة إحكام التنظيم الجماعي تفاديا للنزوات والتطلعات الفردية التي تشبه الرصاصات العمياء والطائشة في كونها تخطئ أهدافها. بالجملة، نعاين من خلال هذه العينة من الروايات مدى ملاءمة السرد في مواكبة التحولات الاجتماعية والقضايا السياسية الساخنة. وما يمنح للسرد قيمة دلالية هو عدم مراهنته على نسخ الواقع بل إعادة تمثيله وتحبيكه بطريقة فنية ورمزية. سعت، في هذا الصد، كل رواية على حدة إلى إبراز عيوب المجتمع ونواقصه ثم بالمقابل اقتراح بدائل للعيش الكريم (المواطنة التخييلية). انتقدت رواية ذات سياسة الخصخصة والانفتاح الاقتصادي على الغرب، وكشفت رواية " لخضر" عن كواليس " البيروقراطية العسكرية" وتطلعاتها، وبينت رواية " الفريق" مخاطر تنامي التقليدية الجوهرانية" في المجتمع، وأبرزت رواية " ذات" معاناة المصريين من " الليبرالية المتوحشة"، وواكبت رواية " اللص والكلاب" انهيار القيم الأصيلة بسبب إخفاق ثورة الضباط الأحرار في تحقيق أهدافها.
الكاتب: محمد الداهي بتاريخ: الأحد 01-06-2014 09:18 أ£أ“أ‡أپ الزوار: 2487 التعليقات: 0
|