تقدم ستيفاني مشينوStéphanie Michineau، الباحثة الفرنسية المتخصصة في أعمال كوليت، تصورا عميقا حول الحالة الاجتماعية للكاتبة في بداية القرن العشرين، وحول خطابها المناهض والجريء ( الصورة المرفقة لجون زكانياريس، أستاذ الحكامة والاقتصاد بالرباط).[ نشر المقال المترجم بالملحق الفكري لجريد الأحداث المغربية العدد 4762، الجمعة 7 شتنبر2012].
تقدم ستيفاني مشينوStéphanie Michineau 1 الباحثة الفرنسية المتخصصة في أعمال كوليت، تصورا عميقا حول الحالة الاجتماعية للكاتبة في بداية القرن العشرين، وحول خطابها المناهض والجريء. في ضوء تأثر الباحثة بمقاربة سيرج دوبروفسكيSerge Doubrovsky فيما يخص " النقد الخلاق"، حللت مفردات المتن مستجلية بالأساس قدرة كوليت على اختراق الأخلاق الطهرانية المتزمتة وارتياد آفاق التحرر. تنجذب ستيفاني مشينو أكثر نحو النقد الموضوعاتي لأنه يسعفها أكثر على استجلاء التطلعات النسوية لكوليت، واستنطاق عواقب قلب العلائق الاجتماعية على النوع الاجتماعي.
نستأنس ، على سبيل المثال، بتحاليل ستيفاني لروايتيْ كوليت الموسومتين، على التوالي، ب " الخلوة العاطفية" و " كلودين في تدبير منزلها" سعيا إلى إبراز خصوصية " الرجل الموضوع" في قلب فكر كوليت، وتبيان نظرتها النسوية حيال الجسد الذكوري." تنظر البطلات إلى الرجال كما ينظر هؤلاء إليهن بصفة عامة. فهن يعرن أهمية كبيرة لأجسادهم وللوعود التي تخفيها [...]. وهكذا انقلبت الأدوار لدى كوليت. لم تصبح المرأة موضوعا للرغبة وإنما الرجل. شكلت هذه الرؤية، في عصرها، حدثا ثوريا" (ص/ص64-65). اتخذت كوليت من الشخصيات النسائية ذريعة لمقاومة ضروب النفاق والمواضعات الاجتماعية التي كانت تحاصر المرأة مع بداية القرن العشرين. واعتبرت الحب رهانا سياسيا هاما لتفادي ارتهانه بالأخلاق الاجتماعية التي تنتقص اعتباطا من منزلة المرأة في المجتمع.
أرغم رونو Renaud بطلة رواية " كلودين في تدبير منزلها" على الامتناع عن ممارسة الجنس قبل الزواج. وهو ما جعل كوليت تشبها حالتها النفسية" بقطة في ذروة هيجانها العاطفي"(ص75). علاوة على اهتمام ستيفاني مشينو بموضوع قلب الأدوار المعتادة والمسكوكة ( على نحو ، الرجل هو الذي يرفض وليس المرأة) بينت كذلك طبيعة " الهيمنة الذكورية" وتأثيرها على نفسية المرأة. فالرجل هو الذي يقرر، وهو الذي يزرع البلبلة في طويتها. زاغت كوليت عن الطريق بسبب تصرفات زوجها الذي نضبت في نفسيته تلك الأحاسيس الوقادة التي تسكن لوحات بول دلفوPaul Delvaux ، وهو ما حفزها أكثر ، من حيث لا تعلم، على الانغماس في ممارسة السحاق. مما يؤشر على أن الحب، في عوالم كوليت، مشوب بمسحة تشاؤمية.
ركزت ستيفاني، في تحليلها ذي المنى الاجتماعي، على كون "الغيرة لدى كوليت تتخذ منحى فزيائيا وفزيولوجيا لأنها تمس الجسد"(ص91، وص 132). وهو ما يؤكده بيير بورديوPierre Bourdieu مركزا على ما " للهيمنة الذكورية" من تأثير مستمر على جسد المهيمن عليه. مما يفرض على المرأة، منذ حداثة سنها، أحاسيس واستعدادت خاصة. لا يعتبر بيير بورديو، على غرار الطروحات الماركسية، "الهيمنة الذكورية" إيديولوجية يمكن التخلص منها باتخاذ موقف إزاءها. لا يجب أن نركن فقط إلى تغير الإرادات وإنما ينبغي البحث عن طرائق جديدة لمحاربة نظام من " البنى" موشوم في الجسد. ومن مظاهر تبدل البنى أن النساء غيرن من مظاهرهن. أضحين ميالات إلى ارتداء لباس الرجل، وقص شعورهن، وتدخين السيجارة، والتجوال مثنى في الشوارع. نزعت كوليت إلى هذا المظهر الرجولي بعد انفصالها عن " ويلي" ، وذلك باعتباره علامة جسدية لاجتياب ربوع التحرر. وفي هذا الصدد يمكن أن نستحضر النقاشات المثيرة التي دارت بين كوليت وبروست حول الجنسية المثلية. لا تعتبر كوليت ما تمارسه المرأة مع صنوها انحرافا أو شذوذا وإنما هو نوع من التلاحم بين جسدين يبحثان عن الحنان في منأى عن " كائن عنيف في غالب الأحول، ومختلف جذريا عن المرأة"(ص136).
بالجملة، يبين كتاب ستيفاني مدى قدرة كوليت على مقاومة الاعتباطات الثقافية والأخلاقية التي سادت في عصرها. وإن لم تتمكن من استئصالها واجتثاثها من منابتها، فهي قد استطاعت أن تحدث فيها " تصدعا".