تتمحور هذه الدراسة حول أحد مكونات التداولية اللغوية وهو الكفاية التواصلية التي تتحكم فيها إكراهات عديدة سعيا إلى كسب مودة المتلقي وثقته (ومن ضمنها نذكر أساسا: طبيعة التفاعل بين طرفي التواصل، وبنية الخطاب المتداول وحركيته واتساق عناصره وترابطها). وذلك لا يتطلب من المتكلم المعرفة الخطابية (savoir cognitif) فحسب وإنما حسن الأداء الخطابي (savoir-faire discursif). وفي هذا الصدد هناك من يستعمل كفايته اللغوية لإحداث تواصل فعال مع غيره على نحو يعزز التفاهم والتعاون والاحترام بين الطرفين (وهو المسعى الذي تراهن عليه التداولية). في حين هناك من يستعمل حذقه اللغوي لتمويه الآخرين ومغالطتهم وإخضاعهم بغية تحقيق مآربه وتطلعاته الشخصية. فحيثما تتضارب المصالح الشخصية ينتعش التطويع الذي يسهم في تعكير صفو العلاقات الإنسانية وتدميرها، وتوسيع هامش الكراهية والقسوة والفظاظة بين الناس، والإفضاء بالمشروعات الجماعية إلى الإخفاق والتفسخ. وهذا ما يقتضي، بالمقابل، تدبير المصالح المتضاربة بالحوار البناء والنقاش العقلاني سعيا إلى تحقيق توافق ينصف جميع الأطراف المتنازعة حول مسألة معينة، ويعزز تعاونها وتآزرها بهدف الوصول إلى الغايات المنشودة.