نظام القيمة في السيميوطيقا السردية-د.عبد المجيد النوسي
رابط الصفحة :www.mohamed-dahi.net/news.php?action=view&id=227
الكاتب: mdahi


 حرر في السبت 08-01-2011 02:29 أ£أ“أ‡أپ

سنحاول في هذه الدراسة الوقوف عند المفهوم من خلال تحديده النظري أولا ومن منظور تحديده الإجرائي الذي يسهم في إبراز الفعالية النظرية والمنهجية لمستويات النظرية.
يرجع مفهوم القيمة في مجال الدراسات اللغوية والسيميائية إلى فردناند دوسوسير الذي أدرج، في سياق حديثه عن موضوع اللسانيات، مفهوم القيمة اللسانية، واعتبر أن اللسان يعد نسقا من القيم الخالصة (2) وأن كل عناصر النسق تعد عناصر متلازمة ومتضامنة (3)، وأن قيمة كل عنصر تنتج عن الحضور الموازي للعناصر الأخرى، لذلك فإن قيمة كل عنصر لا تتحدد إلا في علاقتها الاختلافية مع العناصر الأخرى، وهي تطرح بهذا مسألة المعنى الذي لا يتحقق سوى من خلال العلاقات الاختلافية.
2- تجليات مفهوم القيمة على مستوى المسار التوليدي
.1 على مستوى البنية الأولية للدلالة
شكل مفهوم القيمة اللسانية عند دوسوسير أحد المفاهيم والمرجعيات التي مثلت جزءا من الإبدال النظري الشمولي للسيميوطيقا الگريماصية مثل الأصول اللسانية الگلوسيماتيكية أو التوليدية أو الأصول الشكلية المتمثلة في الدراسات الروسية حول الحكاية الشعبية أو غيرها من الأصول الأخرى، وقد استثمر گريماص مفهوم القيمة عند دوسوسير منذ دراساته الأولى لبلورة المفاهيم الأساسية في البناء النظري وخاصة مفهوم البنية الأولية للدلالة. وقد حدد البنية بصفتها مكونة من عنصرين وبينهما علاقة (4) : س1 / س2
وهذا ما يعني أن عنصرا واحدا لا يمكن أن يحمل معنى في ذاته، كما أن العلاقة تعد شرطا أساسيا لحضور المعنى. ويكون تنميط هذه العلاقة على مستويين :
- لإمكانية استيعاب العنصرين في كليتهما، يجب أن يكون بينهما قاسم مشترك هو علاقة الاتصال.
- للتمييز بينهما، يجب أن يكونا مختلفين، وهو ما تمثله علاقة الاختلاف وعلى مستوى أعم، علاقة الانفصال.
تبرز هذه المستويات طبيعة العلاقة المزدوجة، الانفصالية والاتصالية، وتقوم على تصور أن أي عنصر لا يمكن أن يحمل دلالة إلا في علاقته الاختلافية مع العنصر الآخر، وذلك بالوقوف عند الاختلافات. فالعناصر المكونة لبنية ما : س1 / س2
يمكن أن تستثمر على مستوى البنية الأولية للدلالة، ليس اعتمادا على العناصر الصورية (س1، س2) ، ولكن من خلال المقومات (5) التي تعد وحدات دلالية، مثل :
إنساني / حيواني
طبيعي / ثقافي
مؤنت / مذكر
لا يمكن، بخصوص هذه الأمثلة، إدراك دلالة أي مقوم من المقومات (إنساني، حيواني، مؤنث) إلا من خلال علاقته الاختلافية مع المقومات الأخرى داخل بنية ( ثقافي، حيواني، مذكر) وهو ما يدل على أن الدلالة تلتمس على مستوى البنية من منظور اختلافي أكثر مما يجب البحث عنها على مستوى الوحدة المفردة. هذه البنية الأولية للدلالة التي تستثمر فيها السيميوطيقا مفهوم القيمة اللسانية كما اقترحتها اللسانيات، ستتخذ بعدا منطقيا ودلاليا.
-منطقيا، اعتمادا على العلاقات المنطقية التي تسم المربع السيميائي: التضاد، التناقض .
-دلاليا : الفضاءات التركيبية للمربع السيميائي تستثمر دلاليا اعمادا على مقومات سياقية.
يمكن أن نلاحظ أن مفهوم القيمة يجد تطبيقا ضمنيا له في البنية الأولية للدلالة من خلال دلالاته الإجرائية المرتبطة بالعلاقة الاختلافية.
2- القيمة على مستوى التركيب السردي السطحي
أما المستوى الآخر الذي يحتل فيه مفهوم القيمة موقعا هاما على المستوى الإجرائي، فهو مستوى التركيب السردي الذي يتميز على مستوى عام بالفعل التركيبي (6) الذي ينجزه فاعل تركيبي هو العامل -الذات وقد تمت صياغة أهمية مفهوم القيمة في علاقته بهذا المستوى منذ التأويل الذي قام به گريماس للعوامل (7)
في اللسانيات وفي الحكاية الشعبية الروسية وفي المسرح، حيث وقف عند المقولات العاملية المؤسسة للنموذج العاملي ومن بينها المقولة : ذات /موضوع، التي تتحدث من خلال استثمار دلالي هو استثمار : الرغبة (8)، ذلك أن الذات الفاعلة تتحدد في علاقتها بالموضوع من خلال محور الرغبة، الذي يدل على توفر جهة الإرادة عند العامل بالذات، وعلى رغبة الذات في الاتصال بالموضوع.
ذات موضوع
وقدمت السيميوطيقا، في البداية، بالنسبة لهذه المقولة والمقولات الأخرى: مرسل/مرسل إليه، مساعد/معاكس، استثمارا تيماتيكيا من خلال الاتجاه الفلسفي الكلاسيكي الذي يتحدد فيه الفيلسوف بصفته ذاتا تحدد لنفسها موضوعا هو العالم من خلال مقوم الرغبة في المعرفة.
الذات الموضوع
الفيلسوف العالم
أو من خلال الإيديولوجية الماركسية التي يرتبط فيها الإنسان بصفته ذاتا في علاقته بموضوع يرغب فيه هوتحقيق ''مجتمع بدون طبقات
الذات الموضوع
الإنسان مجتمع بدون طبقات
3- من الموضوع إلى الموضوع -القيمة
غير أن السيميوطيقا السردية ستعيد صياغة المفهوم بدقة من خلال مفهوم: موضوع -القيمة.(9). لقد لاحظت السيميوطيقا أن العودة إلى فضاء الحكايات الشعبية الذي يمكن أن يقدم صورة من الأشكال الكونية للسرد، يبرز أن هناك مجموعة من المواضيع السحرية (10) التي تسعف الذوات الفاعلة في رحلتها نحو البحث عن موضوع معين، غير أن هذه المواضيع ليست مهمة في ذاتها بقدر ما تكتسي أهميتها من ما يمكن أن تقدمه من خيرات، إن الجراب مثلا، بصفته موضوعا بالنسبة لبطل معين، لا يكون مهما في ذاته إلا حين يكون ممتلئا ذهبا أو معدنا ثمينا. بناء على هذه الملاحظة، ميزت السيميوطيقا بين مفهومي : الموضوع والقيمة. يمكن أن نلاحظ في كثير من الإعلانات الاشهارية التي تقدم دعوة إشهارية خاصة بعطور النساء، أن موضوع-القيمة يتمظهر من خلال المستويات التالية :
-المستوي التركيبي : عامل -موضوع (العطر).
- المستوى الخطابي التمظهر : ممثل (موضوع تصويري : قارورة العطور (شكلها، لونها...)
- المستوى الدلالي : القيمة : مقوم (المجال)
إذا كان الموضوع يتمظهر خطابيا من خلال وحدة معجمية تصويرية مثل : قارورة العطر، فإن القيمة تكمن في المقومات التي يتضمنها الموضوع، لذلك : «فالموضوع المستهدف لا يعد سوى وسيلة، سوى فضاء لاستثمار القيم...» (11)
أو أنه يعتبر مثل :»فضاء للإرساء، مثل فضاء لاجتماع عدد من التحديدات -القيم» (12) « حسب هذه التحديدات، يبدو الموضوع بصفته مفهوما تركيبيا، فضاء لإرساء مجموعة من التحديدات على شكل قيم، إن الذات الفاعلة برغبتها في الموضوع تقصد حقيقة القيم الثمينة التي يختزنها الموضوع، فرغبة شهرزاد بصفتها ساردة وفاعلة في محكي ألف ليلة وليلة، في السرد بصفته موضوعا، يمكن أن تفسر في واقع الأمر على أنها رغبة في قيم أخرى يحققها موضوع السرد وهي قيم الاستمرار .
شهرزاد موضوع (السرد)
عامل تركيبي موضوع (قيم الاستمرار)
إن العلاقة بين الذات والموضوع وأهمية القيم التي يختزنها الموضوع، تجعل هذه العلاقة العنصر الدينامي الذي يبرز نمو المسار السردي ببرامجه السردية المختلفة وأفعاله التركيبية، إن عملية القول التي تنجز القول السردي المشتمل على فعل : فـ، وعامل، عا، تحدد أقوال الحالة التي يمكن أن تشتمل على : ذات، عا، وموضوع، مو . ذات موضوع
إن العامل في أي نص سردي لا يمكن أن يحصل على الوجود السيميوطيقي بصفته ذاتا فاعلة إلا من خلال علاقة مع موضوع-قيمة يتجذر داخل فضاء أكسيولوجي للقيم، كما أن القيمة، من منظور اقتضائي، لا تأخذ سمة القيمة إلا إذا كانت هدفا لذات فاعلة (13)،هذه العلاقة الأساسية :
ذات موضوع -قيمة
التي تعد بمثابة كلية من الكليات التي تؤسسها السيميوطيقا السردية، هي التي تسهم في تأسيس البرامج السردية للذات الفاعلة داخل مسار سردي، تهدف من خلاله الذات إلى امتلاك الاستطاعة للقيام بالفعل الإجرائي الأساسي الذي يحوله من حالة الانفصال إلى الاتصال بالموضوع الذي يجسد القيم الثمينة، وتتخذ وضعية الذات الفاعلة شكل أقوال حالة تبرز طبيعة العلاقة بين الذات والموضوع، وتتمثل في قول الحالة الذي يربط الذات بالموضوع :
ذات موضوع-قيمة
وبطبيعة هذا القول (اتصالي أم انفصالي):
- عا U مو
- عا n مو
مع الإشارة إلى أن الانتقال من قول إلى قول، يتم بواسطة قول فعل
ف، تحول (عا مو)
إن تحقق هذه العلاقة على مستوى نص سردي أو على مستوى أي فضاء دلالي مصغر، يبرز أيضا تسريد هذه القيم وتنظيمها على المستوى المركبي. يمكن القول بالنسبة للوجود السيميوطيقي للقيم في علاقته بالمسار السردي للذات الفاعلة، إن تمفصل مجموعة من القيم داخل مقولة دلالية، وظهور مقوم : الإرادة عند الذات الفاعلة في علاقته بالموضوع، يسمح تركيبيا بالحديث عن قيم ممكنة داخل منظومة من القيم السوسيوثقافية التي يقرها قيميا المرسل ويسعى في إطارها إلى إقناع الذات بأن تكون مرتبطة بموضوع- قيمة داخل برنامج سردي. أما اندماج هذه القيمة داخل الموضوع الذي يتأطر ضمن برنامج سردي، فيحيل على وضعية محددة هي : القيم المحققة بالقوة.
أما الوضعية الأخرى التي يتميز بها نظام القيم، فترتبط بالتحقق الذي يدل تركيبيا على التحول الذي يحقق الاتصال بين الذات والموضوع، حيث يعتبر أن الأمر يتعلق بالقيم المحققة بالفعل. فالوجود السيميوطيقي للقيم يمكن أن يتحدد من خلال هذه السلمية
-قيم ممكنة قيم محققة بالقوة قيم محققة بالفعل.
يمكن، بموازاة هذه الصيغ التي تميز الوجود السيميوطيقي للقيم، الحديث أيضا عن صيغ للوجود السيميوطيقي للذات الفاعلة التي تمر من جهة الإرادة إلى التأهيل إلى الفعل، وهي : الذات الممكنة، الذات المحققة بالقوة والذات المحققة التي تتصل بالموضوع-القيمة .
4- نمذجة القيم
إن عودة السيميوطيقا لنتائج الأبحاث في مجال الحكاية الشعبية والدراسات الفولكلورية، مكنت من تسجيل ملاحظة تتمثل في إمكانية تصنيف الموضوعات حسب ما تقدمه للبطل من قيم إيجابية، ويمكن أن تكون إما خيرات أو خدمات هو في حاجة إليها (14) هذه الثوابت أسهمت في صياغة نمذجة عامة للقيم تتكون من قسمين كبيرين.
- القيم الوصفية وتتكون من الموضوعات القابلة للاستهلاك (المواد الخاصة بالتغذية، الحالات النفسية، الملذات...) والموضوعات القابلة للإبداع والتكديس (الثروات....)
-القيم الجهية : هي القيم التي يسيعى لبلوغها الفاعل الإجرائي الذي ينجز وظيفة التحول من حالة إلى حالة (وخاصة من حالة الاتصال إلى حالة الانفصال)، وذلك في إطار البرامج السردية التي تعد وحدة أساسية في التركيب السردي السطحي. فالبرنامج السردي الأساسي أو البرنامج السردي القاعدي كما تصطلح عليه السيميوطيقا السردية، يحدد من خلال قول الحالة موضوعا،
ذات موضوع
ويستثمر هذا الموضوع دلاليا من خلال قيم ثمينة هي القيم القاعدية(Valeurs de base) . يقتضي إنجاز هذا البرنامج الأساسي تأهيل العامل الذي ينجز التحول، ويمكن أن يكون العامل بالذات، كما يمكن أن يكون عاملا آخر. ويتحقق التأهيل من خلال إنجاز برنامج آخر هو برنامج الاستعمال الذي يسعى العامل بواسطته للحصول على مجموعة من القيم هي القيم الجهية.
ذات موضوع -قيمة (قيم جهية).
وقد حددت السيميوطيقا في البداية القيم الجهية من خلال الأفعال الجهية التي تحفل بها اللغات الطبيعية، انطلاقا من سلمية محددة هي : (15)
الإرادة المعرفة الاستطاعة الفعل
وأفضت القيم الجهية، في إطار نمذجة الأقوال السردية عامة، إلى صياغة مفهوم القول الجهي الذي تتمظهر داخله القيم الجهية، ويتحدد من خلال تصور محدد هو أن الفعل الجهي يتحكم في القول الوصفي . فالقول اللغوي، مثلا :
-يريد سعيد أن يهاجر إلى الخارج
يؤول جهيا : ف : الإرادة/ عا : سعيد، مو (ف : الهجرة إلى الخارج، عا، سعيد)
ليبرز أننا أمام قول جهي يتجسد من خلال فعل : الإرادة، يتحكم في قول وصفي يمثل موضوعا للأول، (فعل الهجرة) لذلك يظهر القول الجهي مثل : الرغبة في التحقيق» (16) لبرنامج محدد في القول الوصفي . وقد عملت السيميوطيقا على تنظيم الجهات والقيم الجهية في إطار تنظيم مركبي، يجمع بين الجهات بهدف:
1. أن يكون لكل مستوى وجود سيميوطيقي
2. أن ترتبط المستويات فيما بينها بعلائق من خلال علاقة الاقتضاء الموجهة انطلاقا من مكون الإنجاز (إنجاز الفعل المحول الذي يقتضي التأهيل)، وقد اتخذ هذا التنظيم المركبي الشكل التالي :
التأهيل الإنجاز
جهة الإمكان جهة الإمكان بالقوة جهة التحقق
إرادة استطاعة
الفعل الفعل فعل- الكينونة
واجب معرفة
يتضح بناء على ارتباط المستويات بعلاقة الاقتضاء المتبادل أن جهة التحقيق الموافقة للإنجاز بصفته فعلا يؤدي إلى اتصال الذات بالموضوع، يقتضي جهة الإمكان بالقوة التي تتكون من قيم الاستطاعة والمعرفة، كما أن هذه الجهة تقتضي بدورها جهة الإمكان التي تتضمن قيم الإرادة والواجب.
وقد تميزت صياغة هذا التنظيم المركبي للجهات في تعالق مع الوضعية التركيبية للذات الفاعلة، حيث توافق مستويات التنظيم المركبي للجهات المستويات التي تحدد الوجود السيميوطيقي للذات الفاعلة في علاقتها بالفعل، ذلك أن الوضعية التركيبية الأولى في البرنامج السردي وهي تأسيس الذات الفاعلة، تتسم بظهور الجهة : إرادة الفعل، واجب الفعل ، كما أن تأهيل الذات يقترن بجهة الاستطاعة والمعرفة ــــ الفعل. أما تحقيق الذات فيوافق جهة التحقيق (فعل-الكينونة)
جهة الإمكان جهة الإمكان بالقوة جهة التحقيق
تأسيس الذات تأهيل الذات تحقيق الذات
5- المحكي : فضاء لنقل وتوزيع القيم
إن علائق الذوات بالموضوعات في المحكي، تطرح مسألة القيم، ماهو مصدرها ؟ وما هي وجهتها؟ كيف يتم توزيعها داخل فضاء قيمي معين؟ لقد تمكنت السيميوطيقا بواسطة فحص نتائج عدد من الأبحاث والدراسات التي انصبت عموما على الأدب الاتنولوجي من حصر صيغ وأنماط تواصل مواضيع-القيمة.
أ- نمط التواصل الخاص بموضوع واحد (17) : يتعلق الأمر في هذا النمط بالعلاقات القائمة بين الذوات والمواضيع في إطار نسق قيمي مغلق، تعتبر فيه القيم مقبولة من طرف الجميع وتتوزع بالانتقال من ذات إلى أخرى. إن تسريد القيم في هذا النمط يتميز بأن كل عملية تتميز بالوجود المتواقت والمستمر لذاتين تتوجهان نحو نفس الموضوع. هذه الوضعية التركيبية تجسدها حالة سردية :
(عا 1 U مو ) (عا 2 n مو)
تتكون هذه الحالة السردية من قولين سرديين بينهما علاقة اقتضاء متبادل، يتم بموجبها تبادل اقتضائي للقيم، حيث (إن انفصال عا1 عن الموضوع، يوازيه بالمقابل اتصال عا2 بالموضوع، وإذا حدث تحول جديد، فإن عا1 يتصل بالموضوع، ويصبح عا2 منفصلا عن الموضوع. هذه الحالة السردية يمكن صياغتها من خلال قول مركب مكون من ثلاثة عوامل :
قول ترابطي : (عا1 U مو n عا2)
ب - ترابطات مركبية وعمودية : يسمح مفهوم القول الترابطي المبني من خلال مقولة مقوماتية تشمل علاقتي الانفصال والاتصال من تمثيل حالة سردية معقدة تطرح على مستوى التحقيق الخطابي عاملين بحضور موضوع -قيمة واحد، وهو ما يعطي الصيغة التالية :
ترابط مركبي
(عا1 U مو) (عا1 n مو)
ترابط عمودي
(عا2 n مو) (عا2 U مو)
تسمح هذه الخطاطة بالحديث عن ترابط عمودي يجمع بين قولين، قول انفصالي وقول اتصالي ، وبين عاملين مختلفين (عا1، عا2)
- كما يمكن أن نسجل إمكانية وجود ترابط مركبي يتكون من قولين ترابطيين (اتصال وانفصال) تجمع بينهما علاقة الاقتضاء المتبادل، ولهما ذات عاملية واحدة (عا1، عا1) (عا2، عا2). تكشف عناصر هذه الوضعية التركيبية على المستوى الخطابي عن وجود برنامجين سرديين متلازمين; ويمكن خطابيا تقديم نفس المحكي مع إبراز البرنامجين السرديين.
ج- التواصل المشترك : من أنماط تبادل وتوزيع القيم بين الذوات نمط التواصل المشترك.ويتحدد من خلال صيغة يقدم فيها االمرسل موضوع -قيمة للمرسل إليه، غير أنه يظل في حالة اتصال مع موضوع -القيمة ولا ينفصل عنه يتجسد هذا النمط من خلال الصياغة التركيبية التالية:
(مرسل n موضع U مرسل إليه )
(مرسل n موضع n مرسل إليه)
ويمكن التمثيل لهذا النوع من التواصل بالتواصل اللغوي، ذلك أن ''المعرفة'' عند المرسل حينما تنقل إلى المرسل-إليه تصبح مشتركة ، غير أن المرسل لا يفقد في نفس الوقت هذه المعرفة، بل يظل مالكا لها.، نقدم مثالا على ذلك الدرس العلمي؛ فالمرسل (الأستاذ) يقدم معرفة للمرسل -إليه الذي يصبح على اتصال بالموضوع، غير أن المرسل لا يفقد المعرفة التي قدمها.
د- نقل القيم وأنماط التواصل بين الذوات
إذا انطلقنا من مقولة الترابط التي تضم مقومين : الاتصال (أو الامتلاك)، الانفصال (أو الحرمان)، يمكن أن نلاحظ وجود نمطين من التحقق (وهو التحول الذي يحقق الاتصال بين الذات والموضوع)، هما :
- التحول الاتصالي الإنعكاسي، ويوافقه، على المستوى التصويري نمط من أنماط الحصول على الموضوع هو الامتلاك الذاتي (حينما تحاول الذات الحصول على الموضوع بنفسها).
-التحول الاتصالي المتعدي، ويوافقه، على المستوى التصويري، نمط من أشكال الحصول على الموضوع، هو : المنح (حينما يمنح الموضوع بواسطة ذات أخرى).
بموازاة التحقق، يمكن ملاحظة وجود نمطين من أنماط الانفصال، يوافق كل نمط على المستوى التصويري، نوع من أنواع الحرمان من القيم .
-الانفصال الإنعكاسي يوافقه على المستوى التصويري، نمط من أنماط الحرمان من موضوع - القيمة هو التخلي (حينما تتخلى الذات نفسها عن القيم).
-الانفصال المتعدي يناسبه على المستوى التصويري نمط من أنماط الحرمان من موضوع -القيمة هو نزع موضوع -القيمة (حينما تحرم الذات من القيمة بواسطة ذات أخرى فاعلة).
هذه الأنماط من التحقق والانفصال توافق على المستوى الخطابي صورتين يتجسد من خلالهما تواصل القيم وتوزيعها ونقلها داخل أي فضاء قيمي، هما صورة الاختيار، التي تتعلق بالذات في علاقتها بالموضوع، وتتحقق من خلال التحول الذي يفضي إلى الامتلاك الذاتي وإلى النزع (نزع القيمة)، وصورة الهبة، التي تتعلق بعاملين : المرسل والمرسل إليه، وتتحدد من خلال التحول الذي يؤدي إلى نمطين هما المنح والتخلي.
هـ- بنية التبادل : تقتضي بنية التبادل توفر موضوعين اثنين : مو 1 ، مو 2 : كل عامل من العاملين ، قبل إجراء عملية التحويل ، يكون محددا من خلال علاقة انفصال مع موضوع أو علاقة اتصال مع الموضوع الآخر.
(مو 1 U عا 1 n مو2)
وفي حالة تحقيق الإنجاز الذي يفضي إلى التحويل ، فإن أقوال الحالة تتخذ شكل الصياغة التالية :
(مو1 U عا1 n مو2) (مو1 n عا1 U مو2)
أما في حالة ظهور عامل ثان يرغب في موضوع من المواضيع التي تكون في ملكية عام ل آخر، فإن الوضعية التركيبية تتخذ شكل الصياغة التالية :
(مو 1 U عا1 n مو2)
(مو1 n عا2 U مو2)
أما في حالة وقوع تحول، فإن الوضعية التركيبية، تصبح كالتالي :
(مو 1 n عا1 U مو2)
(مو1 U عا2 n مو2)
إن العوامل تبعا لهذه التحولات المتلازمة تكون متحققة وانفصالية لأن كل واحد يحصل على موضوع، لكن يظل في ذات الآن راغبا في الموضوع الذي تخلى عنه، مما يجعل التبادل منفتحا دائما على احتمالات وتطورات.
خاتمة
لاحظنا أن مفهوم القيمة كا ظهر في اللسانيات استثمر في السيميوطيقا السردية على مستويات متعددة. فقد-استلهمته السيميوطيقا أولا في بناء مفهوم البنية الأولية للدلالة من خلال تحقق المعنى بناء على العلاقات الاختلافية بين المقومات الدلالية. كما مكن هذا المفهوم ، على مستوى التركيب السردي السطحي من صياغة مفهوم الموضوع -القيمة الذي يؤسس علاقة مهمة داخل البرنامج السردي هي علاقة الذات بالموضوع وبالقيم الكامنة فيه، وهي علاقة تسهم في نمو المسار السردي من خلال أفعال العوامل وإنجازها للبرامج الأساسية وبرامج الاستعمال.
وفي سياق أهمية المفهوم على مستوى التركيب السردي السطحي قدمت السيميوطيقا نمذجة لأنماط القيم في علاقتها بالبرامج السردية القاعدية وبرامج الاستعمال.
وقد اهتمت السيميوطيقا، إضافة إلى الوجود السيميوطيقي للقيمة، بنظام نقلها وتوزيعها بين الذوات داخل نسق قيمي، يمثل فيه كل اتصال انفصالا بالنسبة للعامل الآخر أو داخل نسق يتميز ببنية جدلية بين ذاتين أو من خلال بنية التواصل المشترك الذي يجعل القيم مشتركة بين عاملين، أو بنية التبادل التي تفترض موضوعين تتم مبادلتهما بين فاعلين تبعا للتحولات الانفصالية والاتصالية، لذلك نظرت السيميوطيقا للمحكي، إضافة إلى أنه مجموعة حالات وتحولات تفضي إلى اتصال الذات بالموضوع، بصفته، أيضا، فضاء لتوزيع القيم ونقلها بين الذوات. ويسهم نقل القيم في إبراز دلالة النص السردي، لأن العلاقة بين الذوات والمواضيع تفسر بالرغبة في مجموعة من القيم. هذه الرغبة تتحقق استنادا إلى أفعال وتحولات كل عامل وتبرز نمط العلاقة بين العوامل، سواء كانت علاقة تبادل أو علاقة جدلية، يمكن النظر إليها، بصفتها ''إسقاطا للعلاقات العميقة للإنسان بعالمه'' ،(18) .فالطبيعة الكونية لهذه العلاقة هي التي تبرز إسهام نمط توزيع القيم بين العوامل في تشكيل المعنى داخل النص السردي.
هوامش
1- GREIMAS (A.J), COURIES (J) Sémiotique dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Hachette, 1986, p 157
2- SAUSSURE (Ferdinanad). Cours de linguistique générale, Ed payot 1972, P 116
3- Ibid, p 159
4- GREIMAS (A.J) Sémantique structurale, Ed Larouse, 1966, p 19
5- المقوم بالنسبة للسيميوطيقا هو أصغر وحدة دلالية.
GREIMAS (A.J) COURS (J ) Sémiotique dictionnaire raisonné de la théorie du langage op.Cit, p 332
6- GREIMAS (A.j) Du sens; Ed Seuil; 1970, p 167
7- GREIMAs (A.J) Sémantique stucturale, OP.cit P 173-174-175
8- Ibid, P 176
9- GREIMAS (A.J) Du sens II Ed Seuil, 1983 p 20
10- أشار فلاديمير بروب إلى المواضيع السحرية، أنواعها وطبيعتها وطرائق نقلها، ويميز فيها بين : 1-الحيوانات (الفرس، مثلا) 2- المواضيع التي يخرج منها مساعدون يتميزون بطبيعة سحرية (الخاتم مثلا) 3- مواضيع لها خصائص سحرية (السيق، مثلا) 4- صفات يحصل عليها البطل مباشرة مثل القوة، القدرة على التحول إلى حيوان إلخ.
PROPP (Vladimir ) Morpholigie du conte, Ed Seuil, 1970, p 55
11- GREIMAS (A.J) Du sens II Op, p 21
12- Ibid p 22
13- GREIMAS (A.J) PREFACE in Courtes (Jexph) Introduction à la sémiotique narrative et discursina, Hachette 1976.
14- FREIMAS (A.J) Du sens II; OP; cit p 20
15- GREIMAS (A.J) Du sens op; cit p 179
16-GREIMAS (A.J) Du sens; op,cit, p 169
17- GREIMAS (A.j) Du sens II; op, cit p 32
18- GREIMAS (A.J) Du sens II op, cit p 47


 


 



     

Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009