تعززت، في المغرب، ظاهرة " المقاهي" الأدبية، التي يتوخى المشرفون عليها إثارة جملة من القضايا الأدبية لمخاطبة جمهور واسع ومتنوع، وحفْزه على اكتساب مهارة القراءة حتى تغدو عادة متأصلة في سلوكه المعتاد. وفي هذا المضمار نظم " أصدقاء المقهى الأدبي" ، يوم الخميس 17 ماي 2012 اعتبارا من الساعة السادسة والنصف مساء بفندق "بييتري" في الرباط، لقاء مفتوحا مع الأديب محمد برادة لمناقشة مساره النقدي والإبداعي( الصورة المرفقة محمد برادة ومحمد الداهي بفندق بييتري).
تعززت، في المغرب، ظاهرة " المقاهي" الأدبية، التي يتوخى المشرفون عليها إثارة جملة من القضايا الأدبية لمخاطبة جمهور واسع ومتنوع، وحفْزه على اكتساب مهارة القراءة حتى تغدو عادة متأصلة في سلوكه المعتاد. وفي هذا المضمار نظم " أصدقاء المقهى الأدبي" ، يوم الخميس 17 ماي 2012 اعتبارا من الساعة السادسة والنصف مساء بفندق "بييتري" في الرباط، لقاء مفتوحا مع الأديب محمد برادة لمناقشة مساره النقدي والإبداعي. قدم محمد الداهي ، في البداية، ورقة تعطي نظرة عامة عن مجمل مؤلفات المحتفى به، وتحفز الحاضرين الأسئلة أو المشاركة في خضم النقاش الذي اتسم، عموما، بالغنى والعمق والصراحة.
وما يميز هذه الجلسة أنها استقطبت جمهورا متنوعا غاصت به جنبات القاعة، وبعثت كثيرا من الأسئلة الحداثية التي أضحى التخوف من تعرضها إلى ارتدادات في ظل التحولات التي يعرفها العالم العربي حاليا. وهو ما جعل برادة يشير، مرهصا بالأمل والغد الأفضل، إلى مفارقتين عاينهما خلال زيارته الأخيرة للقاهرة. لاحظ تجمهر الملتحين في ميدان التحرير. وفي ساحة ، على بضعة أمتار، احتشد كثير من الشباب وهم يغنون ويؤدون مسرحيات مرتجلة ويناقشون الديمقراطية والعلمانية. واستخلص محمد برادة من هذين الحدثين أن الأمل متجسد في ما يقوم به هؤلاء الشباب الذي يعد قوام الأمة وعمادها ومستقبلها.
بين محمد الداهي في كلمته التي اتخذت صبغة علمية في بيان المسار العلمي والإبداعي الرصين لمحمد برادة، ثم طابعا سجاليا لإثارة جملة من الأسئلة على محمد برادة سعيا إلى الرفع من وتيرة النقاس وحفزه على الحفر أكثر في الذاكرة الجماعية واستنطاق مجهول الرواية ومكنونها.
بين محمد الداهي أن محمد برادة ليس من طينة من يواكب سيرورة التغيير من عل، وإنما انخرط قلبا وقالبا في يمه ولجته مسهما في تحريك سواكن المجتمع، وزحزحة مفهوم الأدب، وتقليب التربة ، وارتياد الآفاق والأغوار المجهولة. وما يثير في تجربته المتعددة، ركوبُه غوارب المغامرة كما لو كان بطلا إشكاليا يختبر روحه بحثا عن " الكلية التلقائية للكيونة" التي نضبت مياهها، وحفرت في تضاريس العالم شروخا لا تلتئم ( على حد تعبير جورش لوكاش)... ومما أسعف محمد برادة على خوض مغامراته المتنوعة بنجاح وفاعلية رغم كثرة العراقيل والمثبطات توسله إلى العلم بافتراش المدر، وكثرة النظر...وهو ما جعله يحقق جزءا من مطامحه، ويداري ما تبقى منها أو لم يتحقق في قصصه ورواياته وخواطره..
إن الحديث، في نظر محمد الداهي، عن تجربة محمد برادة يفضي إلى صورته المتعددة التي نحتتها تجربته الطويلة في التدريس والنقد والترجمة والإبداع القصصي والروائي والنضال السياسي والعمل الجمعوي.. وهي، في عصارتها، ترسم أسطورته الشخصية التي تنشد الحرية بصفتها شرطا حيويا لإغناء التجارب البشرية ودعم تعايش الأصوات والنغمات المتنافرة، وتطمح إلى تجديد نسغ اللغة والحياة، وترسيخ قيم التغيير والفكر المستنير والمسعى الحداثي.
وبين محمد الداهي، في مداخلته المرتجلة، ما اضطلع به محمد برادة في جبهة الرواية من جهود جُلى للتعريف بالجنس الروائي، وإضفاء الشرعية عليه بعدما كان ينظر إليه كوسيلة للترفيه والتسلية، ومفسدة للعقل والذوق واللغة. وما يسترعي الانتباه في تجربة محمد برادة النقدية(أسئلة الرواية أسئلة النقد(1996)، فضاءات روائية (2003)، الرواية ذاكرة مفتوحة(2007)، الذات في السرد العربي(2011)، الرواية العربية ورهان التجديد(2011)) هو أنه يعد من أكثر النقاد مقاربة للجنس الروائي بحكم العدد الهائل من الروايات التي حللها، ومن صفوة الباحثين الذين واكبوا، بالنظر إلى سعة نظرهم وثقافتهم، مسيرة الرواية العربية مستجلين خاصياتها الفنية والجمالية ومبينين الخيوط التي تربطها بالرواية العالمية.
ثم اثار محمد الداهي جملة من الأسئلة التي تهم أساسا التجربة النقدية والإبداعية لمحمد برادة. فيما يخص تجربته النقدية لاحظ محمد الداهي أنها تحوم حول مقياس جوهري يقاس به مدى امتثال الرواية للتعدد أو انزياحها عنه. وهو ما توسع فيه محمد برادة مبينا أن التعدد يتخذ عنده مقياسا للتمييز بين الرواية المنوالية التي تكرس أحادية الصوت واللغة والرؤية وبين الرواية الحداثية التي تسعى إلى مقاومة أقمطة المحافظة والتكريس، ومواجهة الاستبداد بمختلف أشكاله، وتجسيد التعدد الذي ينتعش مع الحرية والديمقراطية، ويتخذ أبعادا متعددة من خلال الثقافة واللغة والإيديولوجية والممارسة السياسية. وكان لترجمة " الخطاب الروائي" لميخائيل باختين دور كبير في لفت انتباه النقاد العرب إلى ظاهرة الحوارية في بيان الصراع بين اللغات والثقافات ووجهات النظر المختلفة. أثار محمد الداهي أيضا معضلة الكاتب وظله أو شبيهه الخيالي مبينا أن محمد برادة يعكس صورته ويحرف عيناته الإيديولوجية والسيرذاتية من خلال شخوص روائية. وأشار في هذا الصدد إلى المجالات الجديدة ( السرد الذاتيAutonarration والتخييل الذاتيAutoficton) التي يرتادها المؤلف لمعاينة ذاته من زوايا ومنظورات متعددة. وأعطى أمثلة من علاقة برادة بالهادي وبحماد وبالعيشوني وبسميح. بين محمد برادة، في معرض رده، أن المؤلف لا يسعى إلى تحقيق مطابقة مع شخصية ما. كل ما يحرص عليه أن يقدم ذاته ويعاينها في صور وهيئات مختلفة . وهي لا تقدم نفسها دفعة واحدة وإنما بطريقة مقترة ومجملة ومتشظية.
تدخل كثير من الحاصرين بمن فيهم أجانب باللغتين العربية والفرنسية لاستفسار محمد برادة عن كثير من القضايا التي تشغلهم سواء في تجربته أو فيما يعرفه العالم العربي من حراك. وقد تمحورت في مجملها حول مساره الإبداعي، وتجربته النقدية، وعوائق التحديث، وعلاقة الرواية بالاستنارة والحداثة.