وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا (الصورة المرفقة) لجريدة "الأحداث المغربية"":
يحتاج النقاش حول الثقافة العربية اليوم، إلى الجرأة والشفافية والموضوعية. فالوضعية التي تعيشها ثقافتنا، جعلت البعض لا ينظر بعين الرضى إلى مستقبلها، في حين ثمة مواقف أخرى لا زالت تؤمن بأن رياح التغيير قادمة ولا نحتاج إلا إلى قليل من الصبر والانتظار,
ومن أجل مناقشة حالة الثقافة في الوطن العربي، نستضيف الدكتور رياض نعسان آغا باعتبار المسؤولية التي يتحملها داخل سوريا(وزيرللثقافة)، ونظرا لمكانته الثقافية على المستويين الإبداعي والفكري.
هذا حوار مع مسؤول حكومي في حكومة عربية؛ له معرفة عميقة بكثيرمن ملفات الثقافة داخل بلده وخارجه.. وصاحب رأي خاص ودقيق حول ما آلت إليه الحركة الثقافية في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج: تارة متفائل بوضعيتها ومستقبلها لأنها تعيش في أحسن الأحوال مقارنة بالسياسة. وتارة متشائم من التحديات التي تواجهها وتحاول أن تشلها..
من أجل الجواب عن هذه الثنائية(التفاؤل والتشاؤم)، ندعوكم إلى قراءة هذا الحوار التالي:
---------------------------------------------------
*: هل يمكن اليوم الحديث عن ثقافة عربية ذات هم مشترك ؟
بالتأكيد هناك هم مشترك في الثقافة العربية، وهو الجامع بين العرب الذين يواجهون تحديات مشتركة على كل الصعد، والعروبة هويتهم، والغالبية العظمى منهم مسلمون، والعروبة ليست عرقاً أو نسباً محضاً، وإنما هي انتماء ثقافي اختياري، يمتد جذره بعيداً، ولاسيما في الصلة الوثيقة بين مشرق الأمة ومغربها. وهي صلة تاريخية تمتد إلى عصر الهجرات الأولى وإلى عصر الكنعانيين ( الفينيقيين ) ثم إلى عصر الفتوحات الإسلامية ، وهمومنا المشتركة تتعلق بقضايا التحرر والتنمية ، والتميز الثقافي والحفاظ من خلاله على لغتنا بوصفها هوية وطنية وقومية ، ولغة مقدسة نزل بها القرآن الكريم .
*:ما هي أهم التحديات التي تواجهها الثقافة العربية اليوم؟
** أعتقد أن التحدي اللغوي هو الأخطر، فاللغات الأجنبية تحل محل العربية في عدد من الأقطار التي جعلت الإنكليزية أو الفرنسية لغات التعليم وأحياناً لغات الإدارة والحياة ، وهذا يهدد الأجيال القادمة بضياع هويتها وانتمائها الحضاري ، وهناك أمم خرجت من التاريخ بسبب ضياع لغتها ، والمفارقة المثيرة هي أن الإسرائيليين يحيون لغة ميتة هي العبرية، أما العرب فهم يميتون لغة حية هي العربية ، ومن قال إن العصر يفرض علينا أن نتكلم لغة عالمية غير لغتنا الأم ، فنحن ننصحه أن يتأمل تجربة اليابان التي حافظت على لغتها وتراثها، وتعلم أبناءها اللغات العالمية ولكن اليابان لم تدب في الآخرين ولم تضيع هويتها وإرثها، بل حققت حضورها الحضاري ، وهي تعلم أبناءها كل العلوم باليابانية،وقد حققت معجزة في التنمية والتقدم العلمي .
والتحدي الآخر هو الهجوم الغربي على الإسلام ، حيث تشوه صورته، ويساء إليه، والعرب مسؤولون عن الإسلام لأنه رسالتهم الحضارية .
فأما التحدي الدموي الذي يواجهه العرب جميعاً فهو الصهيونية التي تحتل أجزاء مقدسة من الأرض العربية وتستمر في الاحتلال وفي العدوان على غزة وتسعى إلى إبادة الشعب الفلسطيني غير سلسلة القتل اليومي .
*: كيف تفسرون هذا التداخل بين مفهومي الثقافة العربية والثقافة الإسلامية؟
إنه تكامل وليس تداخلاً ، فالعرب كرمهم الله سبحانه بالإسلام ، وقد بدأ تاريخهم بالصعود منذ أن حملوا لواءه ، وهو التميز الحضاري لهم ، وبدونه يفقدون مكانتهم المتميزة بين الأمم ، و العلاقة بين العروبة والإسلام تشبه العلاقة بين الروح والجسد، فالعروبة جسد روحه الإسلام بمعناه الحضاري ، والإسلام مسؤولية تاريخية للعرب أمام شعوب الأرض لكون النبي العظيم عربياً ولأن الله تعالى قال عن القرآن الكريم ( إنا أنزلناه قرآناً عربياً ) .
* كل التقارير التي صدرت مؤخرا, صنفت الثقافة العربية في أدنى المراتب. ما تحليلكم لهذه الوضعية؟ وما تعليقكم على نتائج هذه التقارير؟
لا أعرف ما هي المعايير التي يتم التصنيف على أساسها ، وأخشى أن تكون الأيدي الصهيونية تلعب في الخفاء لتحقيق ازدراء دولي للثقافة العربية من خلال هذه التقارير المريبة ، وهذه الريبة لا تنفي كوننا نعاني ضعفاً وتراجعاً ثقافياً عن مستوى إمكاناتنا، ولكننا دول نامية، خرجت قبل نصف قرن من الاحتلال الأوروبي الطويل لأرضها لتواجه قضايا التقدم، ومن ينظر إلى عدد المدارس و الجامعات وعدد الخريجين المتنامي خلال خمسين عاماً فائتة سيجد تقدماً كبيراً، رغم وجود الأمية ونحن في معركة مستمرة ضد كل عوامل التخلف، المهم أنني لا أعتقد بأن الثقافة العربية في أدنى المراتب فهذه على ما أعتقد دعاية مغرضة، وكيف تنسجم تلك التقارير مع الحضور القوي لثقافتنا إلى درجة أن هنتغتون وطاقمه دعوا العالم إلى صراع ثقافات كي يقضي على ثقافتنا ، ولو كانت في أدنى المراتب لما كان عليها كل هذا الهجوم .
*: ما تأثير الوضع السياسي على الحركة الثقافية العربية؟
الثقافة العربية أفضل حالاً من السياسة العربية ، ربما لأن السياسة تتعرض لضغوط خارجية أكبر، وتواجه أسئلة راهنة أخطر، وقد يشكل الخلاف فيها قطيعة بين الأنظمة تطول بينما يشكل الخلاف في الثقافة حواراً أقل حدة . ومسؤولية الثقافة أن تصلح ما تفسد السياسة ، وأن تتجاوز عثراتها ، وهي التي تحفظ الصلة بين الشعوب العربية حين يقع خلاف سياسي ، وهي تحقق للعرب كونهم أمة واحدة .
*: ماذا يمكن للمثقف العربي القيام به اليوم في مجتمع يعاني من التخلف والفقر والأمية؟ وهل هناك حاجة إليه المثقف؟
لا تنتهي حاجة الأمة إلى المثقف ، فهو الرائد الذي لا يكذب أهله، وهو المسؤول عن تقدم أمته وعن قضاياها، وعن مشاريع التنمية فيها، فإن لم يقم المثقف بدوره فمن سينهض لقضايا الأمة ومن سيتحمل المسؤولية فيها إذن ؟
*: ما تحليلكم للوضعية الثقافية في المغرب؟ وماهي الأسماء الأكثر تأثيرا في الحياة الثقافية العربية؟
قدم المغرب العربي مساهمة ضخمة في الفكر العربي المعاصر متابعاً فيها دوره التاريخي الحضاري من عصر الأندلس إلى مطلع القرن العشرين ، وقد أنجب المغرب مفكرين كباراً نشطوا وحرضوا التفكير في الأمة وحدثوا العقل العربي ، كما قدم المغرب روائيين كباراً بعضهم حقق حضوراً في الثقافة الفرنسية ، وآخرون كتبوا بالعربية أهم أعمالهم ، وأنا شخصياً أعتز بالمسرحي الكبير الطيب العلج ، وبالصديق عبد الكريم برشيد ، وبالروائي محمد زفزاف و الصديق مبارك ربيع ، وبالمفكرين عابد الجابري و عبد الله العروي وبالشاعر محمد الأشعري والشاعرة وفاء العمراني وبالطبع لن أحصي أسماء المبدعين في المغرب ولكنني أشير إلى أهمية ما قدموه للثقافة العربية .
*: ما هي مستويات العلاقة بين وزارتي الثقافة في المغرب وسوريا؟
علاقاتنا ممتازة جداً، وتربطني شخصياً صداقات أعتز بها مع زملائي وزراء الثقافة المتعاقبين في المغرب، وهذه مناسبة لأحيي صديقي بنسالم حميش وأن أطمئن على صحة الصديقة الغالية ثريا جبران وأن أحيي صديقي الشاعر محمد الأشعري ، وقد تبادلنا الأسابيع الثقافية بين سورية والمغرب ، وتشاركنا وزارة الثقافة المغربية في أنشطتنا المسرحية والسينمائية وفي الندوات والحواريات ، وقد أقمنا في دمشق صيف 2010 ندوة هامة بعنوان ( التواصل الثقافي بين المشرق والمغرب ) ونحرص على متابعة هذا التواصل .
*: أين هو الإبداع العربي؟ ما قضاياه؟ ما رهاناته؟
يعاني الإبداع العربي تداعيات غياب المبدعين الكبار الذين رحلوا عن دنيانا مؤخراً مثل نزار قباني وأبو ريشة والماغوط ومحمود درويش ، ومن قبل نجيب محفوظ و يوسف إدريس و محمد زفزاف وكوكبة كبيرة من المبدعين العرب الكبار ، ولابد من الانتظار ريثما يتمكن الشباب الجدد من تعويض غياب الكبار مع أن الإبداع لم يتوقف وقضاياه الأكثر حضوراً اليوم هي المثاقفة مع الغرب وقضية التحرر من الاحتلال ومن عوامل التخلف .
*: اللغة والدين.. هل هما عنصران عائقان أمام تطور الثقافة العربية .
أنا شخصياً أراهما عنصري القوة في الثقافة العربية ، وإذا غابا لن نجد ما نسميه ثقافة عربية ، سنبحث في غيابهما عن أمة تقبلنا لاجئين إليها .
*: ما معنى أن تكون وزيرا للثقافة في الوطن العربي؟
معناه مسؤولية كبيرة أمام الأمة، وأرجو أن أكون قادراً على أدائها بالشكل المقبول .
***********
مسار الحياة
ولد رياض نعسان آغا سنة 1947 بمحافظة دمشق بسوريا. بعد سنوات من التعليم،حصل رياض نعسان آغا على شهادة الإجازة في الآداب من جامعة دمشق، ثم دكتوراه في شعبة الفلسفة.
عمل رياض نعسان آغا مدرسا للأدب العربي ومديرا لبرامج التلفزيون ومديرا للإنتاج الدرامي ونائبا للمدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون بسوريا.
وفي سنة 1990، انتخب عضوا في مجلس الشعب، وسفيرا لسوريا بكل من سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة. ومنذ سنة 2006، يتحمل مسؤولية وزارة الثقافة. أما إنتاجه الفكري فغزير ومتنوع وآخر إصداراته جاء تحت عنوان« بين السياسة والفنون» الذي صدر بالقاهرة عن دار نشر «رؤية»، والذي يتعرض فيه للكثير من القضايا الثقافية والسياسية