x
اخر ألاخبار    الحداثة واقع اجتماعي ومنهج نقدي : حوار أجراه محمد الداهي       Hommage à Mohammed Berrada : Mhamed Dahi       تقديم كتاب " التفاعل الفني والأدبي في الشعر الرقمي" ، د.محمد الداهي       النغمة المواكبة .. كتاب جماعي محكم عن المفكر والروائي عبدالله العروي       لكل بداية دهشتها، محمد الداهي       استراتيجيات الحوار بين التفاعل والإقصاء في كتاب " صورة الآنا والأخر في السرد" لمحمد الداهي       مغامرة الرواية تطلعا إلى المواطنة التخييلية- د. محمد الداهي       La fictionnalisation de soi dans le roman arabe Mhamed Dahi       من البرولتاريا إلى البرونتاريا رهانات التغيير الثقافي -د.محمد الداهي       تطلعات الملاحق الثقافية بالمغرب. د.محمد الداهي    
تجليات البعد الانفعالي في رواية الحي الخلفي-د.محمد الداهي

من بين ما يلفت النظر في روايات وقصص محمد زفزاف، هو استجلاء نفسية الشخصيات التي تنتمي إلى الشرائح الاجتماعية المستضعفة . وغالبا ما يعالج هذا الجانب من منظور النقد النفسي، بحكم تخصصه في الكشف عما تستضمره العوالم الداخلية من تموجات واضطرابات نفسية. لكن يمكن أن يصبح موضوعا لسيميائية الأهواء التي تسعى إلى البرهنة على استقلالية البعد الانفعالي داخل النظرية السيميائية العامة. وفي هذا السياق يتوخى هذا الفصل تحقيق ما يلي:

 


تقديم:


من بين ما يلفت النظر في روايات وقصص محمد زفزاف، هو استجلاء نفسية الشخصيات التي تنتمي إلى الشرائح الاجتماعية المستضعفة. وغالبا ما يعالج هذا الجانب من منظور النقد النفسي، بحكم تخصصه في الكشف عما تستضمره العوالم الداخلية من تموجات واضطرابات نفسية. لكن يمكن أن يصبح موضوعا لسيميائية الأهواء التي تسعى إلى البرهنة على استقلالية البعد الانفعالي داخل النظرية السيميائية العامة. وفي هذا السياق يتوخى هذا الفصل تحقيق ما يلي:

1- إعادة بناء العينة الاستهوائية ( الحب) المتواترة للتوقف عند منزلتها في النص الروائي، وإبراز شحناتها الدلالية وطبيعة العلاقات التي تتحكم فيها.

2-تبيان الآثار التلفظية ( الموجهات العاطفـــــــــــــيةmodalisation affectives ) التي تحيل إلى المتلفظ بها وإن كان غير حاضر بالعيان في النص، و تكشف عن كفايته الاستهوائية compétence passionnelle) )التي قصرناها على الجانب الأكسيولوجي فقط.

1- بنية النص الحكائي:
تتكون رواية الحي الخلفي ([1]) من سبعة أجزاء متباينة في حجمها، وطريقة سردها للوقائع. ويمكن أن نصنفها إلى أربعة أصناف:

أ- في الصنف الأول -الذي يشمل الجزء الأول والثاني والرابع والأخير- يضطلع الناظم الخارجي بتعرية الواقع المعيش في الحي الخلفي ( استفحال مظاهر العهارة والسرقة والتهريب )، وإبراز طبيعة العلاقة التي تجمع بين السكان ( الاغتياب و إدمان الخمر وافتراش مدر القمار والاحتراس من أعوان السلطة)، وترصد الجولات المنتظمة التي يقوم بها القائد وأعوانه لاستطلاع أحوال الحي، والقبض على المشتبه فيهم.
ب- في الصنف الثاني تنهض الفواعل الداخلية بالتعريف بسوابقها، وبطبيعة العلاقة التي تجمعها بشخوص أخرى، وإطلاع القراء على حقائق مغفية لم يضمنها الناظم الخارجي في محكياته. وهكذا، تبين خديجة كيف تعرفت إلى حليمة في مركز الشرطة ثم في السجن، وتسرد الوقائع التي جمعتهما معا بالطاهر والمعلم في الحانة ، وتكشف عن المشاعر التي تكنها لزوجها وللمعلم. يتخلص هذا الأخير نسبيا من أجواء الحانة مطلقا العنان لخياله قصد استرجاع الذكريات التي نغصت عيشه، ومكاشفة ذاته. يلوم الآخرين ( المشار إليهم بضمير هم) لأنهم -في نظره- لا يفهمونه. ولو انتهز الفرص التي أتيحت له لما كان يسافر إلى أوروبا لما تأزمت حياته إثر فصله عن العمل، وافتراقه عن زوجته بعد أن خانته مع يهودي ثم تزوجت به. وفي الجزء الموسوم بالصفعة، يكشف القائد عن سوابقه ومقاصده. فقبل أن يعين قائدا على مقاطعة تضم حيا حلفيا، اشتغل أستاذا ردحا من الزمن. ثم فصل عن عمله لما ضبط متلبسا مع عاهرة، وتلقى على إثرها صفعة قلبت حياته رأسا على عقب. علمته مهنته الجديدة أشياء كثيرة لم تخطر على باله لما كان يؤدي مهمته التربوية ؛ وفي طليعتها أن يصمت ويزن كلماته، ويتدبر أمر عيشه إرضاء لرؤسائه حتى وإن اقتضى الأمر أن يصبح قوادا لما تنعقد المؤتمرات بالمغرب، ويدرك أن ذات الأرداف أكثر وزنا وحظوة من ذوي الأكتاف، ويجاري المنطق الذي يتحكم في وتيرة الحياة ( كل ووكل).
2-التمظهرات المعجمية الدلالية للحب:
نجد في مقدمة الأهواء المتواترة في رواية الحي الخلفي هوى الحب. " الحب نقيض البغض. الحب: الوداد والمحبة. وأحبه فهو محب وهو محبوب؛ على غير قياس هذا على الأكثر، وقد قيل مُحبٌّ، على القياس. والحِباب بالكسر: المحابة والموادة"([2]).

يعرف ابن منظور الحب بالإحالة إلى نقيضه ( البغض) ومرادفه ( المودة). ويمكن أن يتشخص تركيبيا على النحو التالي:

المحب······················ ··الحب························· المحبوب

ذ1····························م.ق· ····· ················· ···ذ2


وهو يتجسد في شكل علاقة بين- ذاتية ( ذ1 وذ2) قوامها التوادد والمحبة. وقد تصبح هذه العلاقة معرضة للتفسخ والتلاشي إذا ما تخللتها شائبة ما ( مكمن الأزمة الاستهوائية). وتحوطا من ذلك يحرص كل طرف على بقائها واستمرارها ونقاوتها. باستثناء إذا كان طرف غير مقتنع بها، فهو يظهر الهوى ويستضمر نقيضه (البغض). ويتولد الحب عن رغبة الذات في شيء ما وميلها إليه. " فلما تنزع الرغبة إلى الخير أو الجميل ، فهي ترتبط بالحب، ثم بالأمل، ثم بالغبطة ( بالعكس لما تنزع إلى الابتعاد عن الشر، فهي تكون مصحوبة بالكراهية والخوف والغضب). تنجم الرغبة الملحاحة عن الرضى (حب الجميل) والكراهية ( كره القبيح)"([3]). لما يجد المرء نفسه أمام شيء خارجي، تنتابه مشاعر متولدة عن الهوييـــــــــن الأصليين :إما يتعاطف معه فينجذب إليه (الحب) ، وإما يمقته فيتطير منه ( البغض). ويستقطب الحب كوكبة من الأهواء المتسلسلة بطريقة منطقية: الإعجاب والميل والحماس والتعلق الشديد، ثم يستتبع تحولا اساسيا (إقامة العلاقة). وينتظم حول حدث محزن (dysphorique) يحول المحب أو المحبوب إلى ذات خائفة و حذرة من تفسخ العلاقة، أو معذبة من جراء بعض التصرفات التي تخل بالميثاق الأخلاقي المبرم بين الطرفين ( التحاب والتوادد،وتجنب كل ما من شأنه أن يسبب الأزمة الاستهوائية).

و يمكن للحب أن يتخذ إحدى المتغيرات الاستهوائية التالية:

1-ذ1 م ذ2 ( متغيرة الحب).

2-ذ1/ ذ3 ( متغيرة المنافسة: في حالة رغبة ذات أخرى تقاسم الموضوع أو احتكاره).
3-ذ1/ذ2 ( متغيرة التوتر: إثر ظهور أزمات استهوائية قد تؤثر سلبا طبيعة العلاقة بين الطرفين).
4-ذ3/ذ1 ( متغيرة الخيانة: تتظاهر الذات 2 بحب الذات1، في حين أنها تحب طرفا ثالثا (ذ3)).
3-منزلة الحب في الرواية:

3-1- التعلق برجلين:

" وعلى كل حال فأنا لم أخن زوجي لأنني أحببته لكنني خرجت مع رجال كثيرين من بعده. ومع ذلك فقد ظل يحبني وأحبه رغم أنه وغد ولن يعوضه رجل آخر في حياتي أبدا، قد أحب المعلم، وأنا في الحقيقة أحبه، لكن حبي لزوجي مختلف تماما عن حبي للمعلم وهنا أقع في حيرة تامة لا أدري من الذي يستطيع أن يفهمها، هل يستطيع الإنسان أن يحب اثنين معا وفي نفس الوقت؟! لكن زوجي يبقى هو الأسمى إنه نذل، قذر، وغد غير أنه هو الأسمى إني لا أستطيع العيش معه لكنه سيد الرجال ، فحل وكل شيء" ص35-36.

نستنتج من هذا المقطع الحكائي الملاحظتين التاليتين:

1-تحب خديجة زوجها ، ولم تخنه خلال المدة التي قضتها معه. وحتى وإن افترقا، فهي مازالت تحبه، وتعتقد أنه يبادلها الإحساس نفسه. وما يثبت تعلقها الشديد به، أنها تعلي من شأنه، وتقر بأن مكانته في قلبها لا يستطيع أي رجل أن يشغلها.

2-تحب خديجة إنسانا آخر وهو المعلم. حاولت مداراة هذا الحب أو التشكيك في حقيقته. لكنها سرعان ما أقرت بأنها تحبه فعلا. وجوابا على تساؤلها حول مدى احتمال حب شخصين معا دفعة واحدة، اعترفت بأنها تؤثر زوجها، وتبوئه المكانة الأسمى على الرغم من قذارته ونذالته.

وتتشخص هذه العلاقة الثلاثية على النحو التالي:

ذ1············· ··· ذ2················· ····ذ3

الزوج············· خديجة·············· المعلم

·نستنتج من هذه الترسيمة ما يلي:
1- تتخذ العلاقة بعدا واحد يوصل المرأة بالرجل. وإن كانت خديجة تدعي بأنها زوجها يقاسمها المشاعر نفسها، فلا يوجد في الرواية ما يبرر ذلك. ولم يول المعلم أدنى اهتمام لإشاراتها التي توحي بتعلقها به، لأنه غارق في مشاكله الخاصة إلى أخمص القدمين (فصله عن العمل، وافتراق الزوجة عنه بعد أن خانته مع يهوي ثم تزوجت به).
2-تحب خديجة شخصين في الوقت نفسه. وما جنب العلاقة من مغبة الصراع والمنافسة هو عدم اكتراثهما بها، وانتفاء النص الروائي من مؤشرات قد توحي برغبتهما في امتلاكها أو الخوف من فقدانها. إن حب خديجة للزوج محكوم عليه بأن يظل مجرد لحظات هاربة ولهذا فهو مشدود إلى الماضي. في حين أن حبها للمعلم مرتبط بزمن الحاضر، وبفضاء الحانة الذي يسم علاقة الرجل بالمرأة بميسمي اللحظية وعدم الاستمرارية.
3-2 تشيؤ الحب:
"حليمة لا تحب زوجها لكنها تلتقي به في الخفاء ويمارسان ذلك الشيء وأحيانا أتصور أن ذلك شيء عادي لو أنها كفت عن الكذب واهتمت بالمعلم وإذا لم تهتم به فإنني أستطيع أن أفعل ذلك مكانها-كل الرجال سواء لم يعد هناك حب، الحب هو جيبك."ص36.
نستشف من هذا المقطع الحكائي ما يلي:
1-تبدو حليمة على عكس خديجة، فهي لا تعترف بحقيقة الحب. الحب، في نظرها، هو المال. ونستخلص من خلال السياق أنها منفصلة عن زوجها، لكنها ، بين الفينة و الأخرى، تلتقي به لممارسة الجنس. فقد استدعاها الطاهر لربط علاقة مع المعلم. وما حفز خديجة على حبه هو عدم إصدار زميلتها أي إحساس إزاءه. ومن بين ما نفر المعلم منها هو أنها تحمل الاسم نفسه لزوجته التي كدرت صفو حياته.
2- يقدم لنا المقطع صورتين متباينتين عن الحب. تجسد خديجة الصورة الأولى التي يظهر فيها الحب جماعا من مشاعر المودة والمحبة. فرغم أن زوجها كاد أن يغرقها في البحر لولا تدخل أحد أصدقائه، فهي ما زالت تحبه، وتكن له التقدير. في حين تمثل حليم الصورة الثانية التي تفرغ الحب من مقومات الصدق والتوادد والتعلق، وتعتبره مجرد أوهام ومشاعر زائفة ونزوات عابرة. وليست له قيمة إلا بقدر ما يجنيه الإنسان منه من مال.
ويمكن أن نشخص علاقة حليمة بزوجها وبالمعلم على النحو التالي:

ذ1····· /········· ذ2··· /····· ذ3

الزوج·········· حليمة··········· المعلم·

·ما يشد حليمة إلى زوجها هو إرضاء نزواتها العابرة، ولا يهمها من المعلم وأمثاله إلا ما ما يدرونه عليها من مبالغ مالية. ووجد المعلم نفسه مرغما على الدخول في هذه العلائقة الزائفة إرضاء لصديقه الطاهر الذي استدعاه لقضاء ليلة جميلة بعدما ساعده الحظ في القمار.
3-3-ومن الحب ما قتل:
" يتوله الإنسان ثم يغار فيكره فيبتعد أو يقتل"ص59.
لما يتحاب شخصان يحاول كل واحد منهما امتلاك الآخر، والحرص على عدم افتقاده. ولما يميل طرف منهما إلى طرف آخر، تبرز على سطح علاقتهما بعض ملامح الأزمة الاستهوائية، والتي تتمثل أساسا في الشك وما يستتبعه من حذر وخوف. وتنجم مثل هذه الأهواء عن اضطراب الثقة الذي يغير المعطيات الأصلية للتعلق([4]). ويغار طرف على طرف آخر لما يحس أن طرفا ثالثا بدأ ينافسه في الانفراد بحبه أو بدأ ينتابه الخوف من فقدانه. وتُمتحن كفاية الذات الاستهوائية في مدى قدرته على التحكم في أعصابه، وتطويق الأزمة بتذويب جبل الجليد المنتصب بينه وبين حبيبته أو الابتعاد عنها بدلا من أن تفضي به إلى ارتكاب حماقة ما ( العنف أوالقتل).
" فالمرأة تستطيع أن تقحب من أجل الرجل إذا أحبته، والحب ليس معناه أن يبقى جسد المرأة لك وحدك، فقد تنام المرأة مع رجال آخرين لكنها في الأصل تنام معك وحدك وهذا ما يحصل لي مع بعض نساء الحي الخلفي" ص68.
يتشخص الحب في هذا المقطع على النحو التالي:


1- يستلزم الحب علاقة وطيدة بين الذات1 والذات2. ويسعى كل طرف منهما إلى امتلاك الآخر، وعدم فقدانه، واستبعاد أي احتمال يتيح تدخل طرف ثالث (المنافس) في حلبة الصراع. ويطرح المقطع احتمال خرق المرأة للميثاق ( الحب) الذي عقدته مع زوجها على سنة الله ورسوله؛ وذلك بوهب جسدها إلى من تحبه. يمكن أن تحب رجلا في الخفاء دون علم زوجها. لكن بمجرد أن يعلم بذلك تظهر بعض معالم الأزمة الاستهوائية.


2-ليس معنى الحب هو امتلاك جسد المرأة واحتكاره. فهي قد تتظاهر بأنها لا تنام إلا مع بعلها، في حين أنها تهب جسدها إلى من تحب من الرجال. وما يبرر هذه الظاهرة في "الحي الخلفي" هو لهث النساء وراء المال لإعالة أبنائهن وتحقيق نزواتهن . " و لحسن الحظ أن في هذا البلد نساء يستطعن أن يتدبرن أمورهن بهذه الطريقة أو تلك فينقذن الرجال ذوي الأكتاف" ص68.
4-المقطع المكبر للحب:
هذا المقطع عبارة عن منظومة انفعالية تتكون من المراحل التالية:

·التعلق··········· التوادد······ ···الحذر··· ····-القلق················· الحب (بقاء· العلاقة)

···············································-الشك·········· ······الكراهية(الابتعاد أو الانتقام)

········································· ······-الخوف················ التقويم الأخلاقي

·············································································································································

·

·يتضح من خلال هذا المقطع أن الحذر يتدخل لتشخيص الأزمة الاستيثاقية التي تجعل طرفا يترصد طرفا آخر لعله يفلح في إيجاده متلبسا مع طرف ثالث، كما أنه يقوي لديه الغيرة والإصرار على عدم فقدان حبيبته. وهذا يترتب عليه احتمالان: إما صيانة العلاقة وتقويتها، وإما تفسخها وفتورها. وقد يؤشر هذا الاحتمال الثاني على توقد فتيل العداوة بين الطرفين إلى حد الإفضاء إلى ما يحمد عقباه ( القتل أو الانتحار). " فعندما يفتر الحب يستبدل بالكراهية: يترك الحب المفقود الأحبة القدامى في حالة من الغباوة والحقد" ([5]).


5-الجانب الأكسيولوجي:


يضمن المتكلم ملفوظاته أحكاما قيمية، وشحنات انفعالية، وقيما دلالية (أكانت سلبية أم إيجابية). وتعكس هذه الملفوظات " بعض خصائص الكفاية الإيديولوجية والثقافية للمتكلم"([6])، ونضيف إليها ما يندرج في إطار الكفاية الاستهوائية التي تكشف عن الحالة النفسية للمتكلم، وتبين طبيعة العلاقة التي يقيمها مع الموضوع. وفي تساوق مع موضوع هذه الدراسة ، نركز ، خصوصا، علىالجانب الأكسيولوجي الذي يتحكم في علاقة الرجل بالمرأة. وفي هذا نقتصر على الملفوظات التالية:


" وقال العطاوي:


-المهم أنني أتحدث عن الغش في اللعب لماذا ترينا فلوسك اذهب وانفقها في أي مكان مع نعجتك، إن الفلوس تحضر وتغيب"ص22.


" - لقد ربحت قليلا من المال، عندما ننتهي سوف نذهب لنأكل دجاجة مشوية، هل باتت عندك شنيولة أمس؟"ص23.


" وقال المعلم:


-إنهم يلدون مثل الفئران" ص26.


" لم تكن تلتقط منه سوى: " سيري بحالك الحمارة سيري بحالك الخانزة" ص47.


نستشف من هذه الملفوظات ما يلي:


1- حتى في الحالات التي لم يثبت فيها المتكلم ما يحيل إليه بالعيان ( ضمير المتكلم) ،فقد شحنها بآثار تلفظية تعكس ذاتيته (المؤشرات الأكسيولوجية : على نحو النعوت والأفعال الذاتية والموجهات والأحكام القيمية..).


2- تتضمن الملفوظات قيما دلالية سلبية تحط من شأن المرأة، وتنعتها بمواصفات مستبشعة( نعجة، شنيولة، حمارة ..) أضحت، من كثرة ترديدها وترويجها، عبارة عن مسكوكات ورواسم لغوية تعكس صورة المرأة في المجتمع المغربي خلال فترة زمنية محددة. وتحوي كل مواصفة على حدة مقوما معينا. فالنعجة تحيل أساسا إلى مقومي [+ الانصياع] و [+ القبح] . ويشار بالشنيولة إلى مقومي [+النحالة] و [+ حدة الطبع] ويقصد بالحمارة الغباوة والبلادة.فالمرأة-باستحضار هذه المقومات- لا تحتاج إلا لإشباع اللذة الجنسية، أو تفريخ الأطفال. وما عدا ذلك، يتعامل معها كما لو كانت قطعة غيار غير صالحة للاستعمال.


3- تستضمر الملفوظات كفاية المتكلم الإيديولوجية والثقافية والاستهوائية. فهي تعكس "الإيديولوجية الذكورية" التي تنتقص من قيمة المرأة، وتجردها من الوظائف التي يمكن أن تضطلع بها إلى جانب الرجل لتنمية المجتمع والإسهام في ازدهاره. ثم تكشف عن منزلة المرأة داخل بعض الثقافات والمجموعات البشرية التي تستخف بدورها وتتعامل مها بتوجس واحتراس ( على نحو الاستخفاف بمكانتها داخل الحي الخلفي)، ثم تجلي حالة الرجل النفسية ( احتقار المرأة، والنظر إليها بتوجس وازدراء).


خاتمة:


مما تقدم يمكن أن نستنتج ما يلي:


1- لقد أضفى محمد زفزاف على هوى الحب مقومات جديدة، ووسمه بإيحاءات اجتماعية ( طبيعة الحب في الحي الخلفي)، وقلب الأدوار الاستهوائية (rôles pathémiques) المرسخة في المتخيل الجمعي (تعلق المرأة بأكثر من رجل).


2- من بين الآثار التلفظية التي تحيل إلى المتكلم ، نذكر الموجهات العاطفية التي تمتحن كفاية المتلفظ في إثارة الآخر والتأثير فيه . فهي إلى جانب أنها تجلي موقفه من الآخر ( التقدير أو التنقيص)، تكشف عن مؤهلاته لممارسة التطويــــع الاستهوائي.


----------------------------------------------------------
الهوامش:


[1] -محمد زفزاف، الحي الخلفي، منشورات عالم الصحافة، ط1، 1992.
[2] -ابن منظور، لسان العرب المحيط، أعاد بناءه على الحرف الأول من الكلمة يوسف خياط، دار الجبل ودار العرببيروت، م1، ع2، ص544.
3-Herman Parret , Les Passions essai sur la mise en discours de la subjectivité, Mardagz, 1986,p33.
A.J.Greimas et J.Fontanille , Sémiotique des passions , Seiul ,1991,p212.-[4]
[5] -Jérome -Antoine Rony, Les passions , PUF, coll que sais-je n° 943, 1963,p80.
[6] -C.K.Oreccchioni , L'énonciation de la subjectivité dans le langage, Armand Colin;1980,p94

·

·

·

·

·

·

الكاتب: محمد الداهي بتاريخ: الأربعاء 09-06-2010 06:16 أ•أˆأ‡أچأ‡  الزوار: 6355    التعليقات: 1

العناوين المشابهة
الموضوع القسم الكاتب الردود اخر مشاركة
تشييد نظرية شعرية موسعة بمنهاجية ... السيميائيـات محمد الداهي 0 الثلاثاء 01-01-2013
تقديم كتاب " سيميائيات ... السيميائيـات محمد الداهي 0 الجمعة 01-07-2011
أطروحة كريماص حول " تقليعة ... السيميائيـات محمد الداهي 0 الخميس 10-06-2010
التشاكل في رواية "ذات" لصنع ... السيميائيـات محمد الداهي 0 الإثنين 07-06-2010
ملامح المشروع النقدي للباحث الناقد محمد ... السيميائيـات محمد الداهي 0 الأحد 06-06-2010