|
||||||||||||||||||||||||||||
خطاب "الحركات الاستقلالية المغربية" خلال الأربعينيات والخمسينات..د.محمد البكري
نوقشت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية -آگدال، الرباط صباح يوم الجمعة 26 من مارس 2010 ، ابتداء من الساعة التاسعة وحتى الساعة الواحدة إلا الربع، زوالا، أطروحة لنيل دكتوراة الدولة في الآداب : تخصص اللسانيات، فرع "تحليل الخطاب" ، بعنوان: خطاب "الحركات الاستقلالية المغربية" خلال الأربعينيات والخمسينيات: بنيته ووظيفته في ضوء لسانيات الخطاب. أنجزها الأستاذ الباحث محمد البكري تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد حساوي. وقد تألفت لجنة المناقشة من الأساتذة الدكاترة : محمد الظريف رئيسا؛ و محمد حساوي مقررا؛ وعضوية عبد الغني أبو العزم وعبد الصمد بلكبير ومحمد السيدي.( انظر الصورة رفقته: من يمينك : حساوي/بلكبير/الظريف/أبو العزم/ السيدي).
بعد إلقاء الباحث لتقريره ودفاعه عن أطروحته، و مناقشات السادة الدكاترة المستفيضة لفصولها ، وبعد المداولة تقرر منح الباحث درجة الدكتورة[ وفق النظام القديم] ، بميزة حسن جدا مع التنويه والتوصية بالطبع .
جرت المناقشة في جلسة علنية، كما جرت العادة. تابع أطوارها جمهور تميز بحضور شخصيات فكرية وأدبية ونقابية وجمعوية مرموقة، وأستاذات وأساتذة من مختلف الجامعات والمدارس العليا الوطنية؛ كما تابع أطوار الجلسة أستاذات وأساتذة جامعيون من الجارة الشقيقة الجزائر. المادة الثانية تقرير الباحث سيدي الأستاذا لدكتور الفاضل رئيس لجنة المناقشة ! سيدي الدكتور الجليل مقرر اللجنة والمشرف على البحث ! السادة الأفاضل الدكاترة أعضاء لجنة المناقشة وصفوة أهل العلم والمعرفة والنزاهة والمبادئ! [أيها الحضور الكريم ، أيتها الأستاذات وأيها الأساتذة والأصدقاء والزملاء والطلبة و الإخوةالأعزاء!]* عمتم بأحسن صباح! تحيات عطرات وسلامات رائقة! أما بعد، فلي من الشرف أعظمه وآنقه، وأنا أمثُل أمامكم اليوم ، وإن متأخرا، وبين يدي هذا العمل المتواضع. أتقدم به إليكم، وكلي أمل أن يحظى ببالغ رضى عقلكم العلمي النير، وأن يحوز جميلَ إعجاب ذوقكم الرفيع، ويستَلْفِت جلَّ اهتمامكم، فيستدر من ملاحظاتكم الثاقبة وتعليقاتكم الثمينة وتقويماتكم الصائبة والنفيسة ما يقوِّم أَوَدَه ويكمِّل نقائصه، ويشذِّب سلبياته، ويسدَّ ثغراته، ويجلو إيجابياته، ويبرز محاسنه.. ولي بالغ اليقين أن تقويمكم لسلبياته وتثمينكم لإيجابياته سيكون أحسن تقويم وأفضل تثمين. وأن هذا البحث قد يحظى منكم برأفة أكثر مما يمكن أن يحظى به لدي. 9 عمل هو ثمرة جهد جهيد، وتحدِّ عنيد، وكدّ شديد. شغلني طوال سنين أعرضه على أنظاركم وأنا في عصر عمري المهني. وقد بدأ انشغالي به في مطلع شبابي، حين سجلتخلال أبريل من سنة 1976، تحت إشراف المرحوم الزكي الذكر عبد الكبير الخطيبي، بحثا لنيل دبلوم الدراسات العليا، بعنوان " معجم الحركة الوطنية المغربية" بهذه الشعبة وهذه الكلية . تطور المشروع ليتحول، تحت إشراف الأستاذ القدير، والعالم الفذ، المرحوم د.أحمد الإدريسي، إلى بحث بعنوان " التحليل اللساني للخطاب السياسي : خطاب الحركة الوطنية المغربية نموذجا"، ناقشته برحاب الكلية ذاتها، بتاريخ 21 أبريل 1993. شمل البحث بالدراسة والتحليل خطاب الحركة الوطنية المغربية منذ نشأته الرسمية، بمناسبة العرائض المناهضة لظهير 16 ماي 1930 وحتى مغرب سنة 1942 مبدئيا؛ لكننا ركزنا التحليل عمليا، على النصوص السياسية الرسمية التي أنتجتها الحركة خلال التزامن (= اللحظة الفرعية)الذي ينتهي بتقديم الحركة ذاتها لـ "مطالب الشعب المغربي" سنة 1934. جاعلا من التزامن المذكور القاعدة والمنطلق، ومن اللحظات الموالية تحولات وتطورات يصل خطابها إلى أقصاه، حين يستنفد كل إمكانات الاستراتيجية والطكتيك الإصلاحيين بالوصول إلى المواجهة، من جهة، والقمع الدموي، من جهة ثانية، عشية اندلاع حرب كونية، جرفت في سياقها الكارثي كل الانشغالات والهموم والمشاكل المحلية .. من ثم، سيكون من المعقول أن يستأنف البحث، الموضوع بين أيديكم العمل ليتمم سابقه، من جهة، وليِؤسّس لبحث جديد يستقل عنه من نواحي شتى. 10 0 - استهلال تقول بإمكان استنباط كيفية تََبَنْيُنِ الخطاب السياسي للحركات الاستقلالية المغربية وتوضيح طريقة اشتغاله وأدائه لوظيفتِه التحدُّثية- الخطابية ( والاجتماعية) بواسطة الفرع العلمي المسمّى بـ "تحليل الخطاب" . جاعلين موضوع الدرس ومادة المقاربة، إن لم يكن "التحليل"، "الخطابَ السياسي" الناتجَ منذ أن أثارت تلك الحركات "السياسية"، في أول خطاب علني ورسمي لها، على مستوى داخلي ودولي، بتاريخ 18 دجنبر 1942، مسألة استقلال المغرب عن القوى الدولية التي كانت تفرض عليه حمايتها الخاصة و الدولية: خطاب استمر في التوالد والانقطاع والتجدد، حتى توقيع أول وأهم معاهدة لاستقلال المغرب في ثاني مارسول خطاب رسمي وعلني أ .1956 غير أن قطْع المراحل الضرورية، وسلوك السبيل المُؤدية- بدءاً من المنطلق الموسوم حتى الغاية المرسومة له، وهي مسيرة البحث- ليس باليسير ولا الهيّن. تُثْبِت تجربتُنا، بالملموس، أن الحالة التي نواجهها تقع على العكس التام مما هو مألوف، ويجري على منواله العمل في الغالبية العظمى من العلوم التجريبية من جهة، والإنسانية من ناحية أخرى؛ حيث غالبا ما يعتمد الباحث المتمرّس منهجا جاهزاً- سبق تجريبه واستغلاله مراراً- لمعالجة "موضوع" مُعطَى ومحّدّد أجود تحديد مسبقاً. بعبارة أوضح وأوجز وأدلّ : انطلقنا من قناعة ترى أن لا شيءَ قارٌّ ولا ثابت في ت.الخ. وأن المراجعة النقدية والتساؤل الدائمين ضروريان. هذا إضافة إلى أن الخطاب السياسي، ككل خطاب، يكمن دوره في الإيهام المؤسس، أولا وأخيرا، بالوضوح والشفافية والنقل المباشر للحقيقة،في حين أن الأمر على العكس من ذلك كليا وجوهريا. لا غرابة أن تتعلق معظم النتائج التي يمكن استخلاصها من هذا البحث بمسائل نظرية ومنهجية وتطبيقية، من ناحية، ومنها أخرى تنتمي إلى قضايا تقاطع التخصصات وتداخل العلوم المتجاورة أو المتنافسة مع تحليل الخطاب. ويتعلق بعضُها الآخر بالخطاب المدروس نفسه. وتؤدي جلها، في نهاية المطاف، إلى إشكالات تتجاوز إطار بحثنا. يمكن تصنيفها وَفْق ثلاثة أصناف، حسب طبيعة المسائل التي يختص بدراستها كل كتاب من الكتب الثلاثة التي تؤلّف البحث. "تحليل الخطاب": مشاكل نظرية ومنهجية: المستوى الأول من إشكالات تحليل الخطاب هو الإشكال النظري والمنهجي. يتفرع بدوره إلى مجموعة من المشاكل التي لا يمكن حلُّها إلا بفضل نظرية قوية: أي بالاعتماد على أسس نظرية سليمة. تطمح لأن تقترح حلولاً لغير قليل من المسائل النظرية والعملية، وتوفّر منهجا- جهازا ذا فعالية تحليلية مرضية. مما يؤدي في النهاية إلى تحليل ظاهرة الخطاب وتفسيرها ضمن علاقات استعمالها الحي في الواقع والتاريخ. لكن اللسانيات الحديثة جعلت من شروط وجودها وتقدمها (تأسيسها كعلم عصري مُنْبَنٍِ على القطيعة) إقصاء ظواهر "الخطاب" و "الأسلوب" و "الدلالة" و"الكلام" و"الاستعمال الحي" للغة و "الإنجاز" الخ.. من ثم، لزِم تَتَبُّع المسار الذي سلكتْه اتجاهات في البحث انشغلت بتجاوز مفارقات وعوائق من هذا النوع، ثم الوصول من صلب اللسانيات الصرفة إلى "عالم الخطاب"؛ وبالتالي العمل من أجل تَبَلْوُر جهاز نظري ومنهجي كاف وضروري لتكوّن لسانيات للخطاب وتأسيس "تحليل الخطاب"، كفرع علمي مقنع بذاته. يحقق في نهاية المطاف بعضا مما رسمه بعض الرواد كمطمح بعيد وضروري للبحث اللسني: في إطار "لسانيات تجاوزية" (م. باختين[1929]: ط.ع. 1986) و "اللسانيات الإنسانية والجامعة" (ل. يالمسليلف: 1943)، أو "التحليل ما بعد اللساني" (إ. بنفينست؛ 1966. ص.237؛ 1977. 43)، أو "لسانيات ما بعد الجملة" (ز. هاريس: ت.الخ. 1952) أو "لسانيات الرسالة" (ر. جاكوبسن:1963،) أو "لسانيات- تجاوزية" ( ر. بارث: 1964-ط.ع. 1986) أو "لسانيات دلائلية" (أ.ج. كَريماس (1966...) كأمثلة عن المنطلق. لقد تبين أن اللسانيات الإنسانية، الجامعة والمعقولة، لم يكن لها من بد، لكي تستمر حيوية وقوية، من أن تواجه موضوع "الخطاب". فكثير من مسائل الجملة أو ما دون الجملة، تبين بجلاء ، لاحقا، أنها غير قابلة للحل بواسطة لسانيات غير نصية ولا خطابية(مثلا فقط: أ. المتوكل: 1993. 131. ، ر. دي بوجراند[النص والخطاب والإجراء]: ط.ع. تمام حسان. 1998). هذا المطمح الذي كان يناصبه البعض موقفا رافضا وإقصائيا عنيفا، أصبح الموضوع المفضل للسانيات أواخر القرن الفرط وبداية الحالي. 12 سعينا، إذن، لأجل اقتراح "مقدمات" تسمح بالعمل في إطار فكري متماسك ومنسجم ومنفتح على التطور، مع ضمان قدر كاف من الأمان ضد المزالق. لم يكن، بالتالي، وُكْدنا إثبات شرعية، ليست مفتقدة، لتحليل الخطاب؛ بل يتجاوز ذلك نحو تأسيس مجال إشكالي للبحث. أ- تحليل الخطاب و اللسانيات: من وضع "الخطاب" خارج "موضوع" اللسانيات إلى "" الخطاب" كموضوع لتحليل الخطاب وموضوع للسانيات: علاقة "الخطاب" بالموضوع "العلمي" للسانيات طبعها التوتر؛ فمن موقف الإقصاء الإجرائي إلى الإقصاء المبدئي، مروراً بما سبق أن أسميناه بـ"الثنائية الفصامية" وبرفض الإقصاء والدعوة إلى استقلال "تحليل الخطاب" لاستقلالية "الموضوع" استقلالا تاما؛ وانتهاء باعتبار الخطاب "الموضوع" الأول للسنيات. هذا ما قادنا إلى الخوض في مناقشة الأسس النظرية التي تشكّل شروط "وجود" موضوع "علمي" للسانيات ذاتها وكيفية تعاملها مع الإطار المفهومي الذي يمكن أن يندرج في إطاره "الخطاب" و"الدلالة"، أي "الكلام" و "الرسالة" و "السليقة" أو الكفاءة، ومدى إمكان مَفْهَمة ظاهرة "الخطاب" من منظور لساني صرف. ب- موضوع "تحليل الخطاب" (ت.الخ.): نخلُص مما سبق إلى مقاربة إشكالية "تكوُّن" تحليل الخطاب: وتفحص شروط وجوده وتطوره، نظريا وتطبيقيا، بدْءاً من محاولة تحديد "موضوعه" وضبطه من مختلف وجهات النظر التي قدمت مفاهيم تستحق التأمل والنظر؛ سواء منها تلك ربطت البحث في "الخطاب" بالأصل اللساني وجعلت منه امتداداً وتوسيعاً لذلك النوع من البحث إلى ما وراء مستوى الجملة أو تلك التي سعت إلى فك الارتباط به ورفض أي شكل من أشكال التبعية للسانيات، مدعية، في ذات الوقت، أن ت.الخ. قد نضج وأصبح قادراً على الاستقلال بنفسه: له نظريـ(ا)ته ومنـ(ا)ـهجه الخاصة وموضوعه المحصور بدقة. أما أشكال التنوع والتباين وتعدد المقاربات التي تطبع هذا "الحقل" النشيط فليست سوى مظهر من مظاهر حيويته ونشاطه وغنى تراكماته وثراء تراثه. 13 ج - مسائل منهج التحليل وتعدد المقاربات أفضت بنا مراجعة ومناقشة تلك المقدمات النظريةإلى تفحُّص "مسألة المنهج" بوصفه "تحليلاً" أولا وأخيراً. ومن أبرز ما واجهنا هو مشكل تعدّد المقاربات وتنوُّعها وتغيُّرها الدائم عبر تاريخ ت.الخ. القصير، نسبياً. وثاني مشكل كَمُن في تنوّع وتباين "المفاهيم" القاعدية لـ "طرق" وعمليات 'تحليل‘ الخطاب kالتي صاغتها المنظورات الفكرية واللسنية الكبرى المؤسسة له، منذ توزيعية ز. هاريس ومرورا بتجارب واتجاهات التحليل المتعددة التي تبلورت في إطار "المدرسة الفرنسية لتحليل الخطاب"، ومن ضمنها اتجاه "التحليل الآلي للخطاب"؛ وعلى هامشها أو في مقابلها ( "مدرسة باريس لتحليل السرد والخطاب" ، " التحليل النصّي " لدى رولان بارث الخ.. فقد كان لها انعكاس وتأثير عليها، إن بشكل أو آخر). إن تنوُّع المقاربات المنهجية وتعدُّدها وتطوّرها وتشابك مقوّماتها وتعقدها على مستوى التطبيقات و المقارنة بينها، وانتقاد كل واحدة منها للأخرى، أدّى بنا إلى تقديم مقترحات وافتراضات استندت، من وجهة نظرنا، على قاعدة صلبة تعللها وتدعّمها بوضوح ووعي نقديين. تمثّلت في اقتراح منظور للتحليل ينبني على المفهوم المزدوج: لـ'التحدث الحديث‘، كنظرية لسنية لتحليل الخطاب. د- من أجل نظرية لسنية لتحليل الخطاب اعتقدنا أن من المناسب، إن لم يكن لازما، عرض تلك النظرية بكيفية واضحة وعملية لتدعيم وجهة النظر التحدّثية. فحللنا هذا المفهوم الثنائي من كلتا وِجهتيه: التحدث والحديث. وعالجنا التحدث باعتباره أولاً فعل إنتاج للحديث، ونشاطاً وإنتاجاً وتلقيّاً وتواصلاً وحدثاً ومشهدا ، إن لم نقل مسرحاً. وبما أنه يستحيل درسه في ذاته فليس من وسيلة غير دراستِه من خلال رصد آثار فاعلي الخطاب ( المتكلم- المخاطب الغائب - أو الموضوع المحال عليه) في "أحاديث- الخطاب". هنا حيث "الحديث" "مسرح" تلعب(تتعارك) فيه الذوات أدوار التحدث بالتناوب (التكلم- التخاطب- الإحالة) وتستحضر العالم والأشياء والذوات كـ "غوائب" في الخطاب (بكيفية مباشرة أو غير مباشرة من خلال الخطاب أو الخبر). وناقشنا الحديث‘ ككيان مُشْكِل - صعب التحديد ومُتأبِّيَ التعريف في ذاته - سواء في استعمالات م. فوكو أو اللِّفاظيين 14 أو لدى محللي الخطاب؛ وسواء كنموذج أو كمثال فهو مضنَّة لإشكال مضاعف بسبب محاولة ربطه بالذات والذاتية المطلقة خالقة الكل: الذات كمفهوم مثالي- كلي الفعل والحضور، وليس كذات- شكل، بمفهوم نقدي يُنَسْبِنها. هـ- علامات التحدّث في "الحديث" يصبح من اللازم، على إثر ما سبق، دراسة العلامات التى يتجلى من خلالها التحدُّث في الحديث. ففضلاً على أنها الوسيلة التي يتحول بواسطتها "النظام" اللساني إلى "كلام" و "السليقة" إلى "إنجاز"، فهي التي تربط الحديث بخصوصية مقامه. وليست تلك العلامات- الأدوات اللفظية- سوى ما كنا نطلق عليه أدوات الوصل والفصل ( ونعني بها ، هنا، ضمائر التكلم- الخطاب (في مقابل ضمائر الإحالة إلى الغائب) والموصول والعائد وظروف الزمان والمكان وأدوات الإشارة إليهما، إضافة إلى أزمنة الفعل وجهاته وغير ذلك من المسائل، الوثيقة الصلة بهذه الأدوات والصيغ التي تربط الحديث بالمقام، إضافة إلى محورية "حاضر التحدث" ومركزيته، ومسألة الزمن و السياق، ومطابقة الزمن للحظة التحدث ومفارقته لها، والزمن و الثقافة... و- بنية التحدّث وأشكال صوغ الأحاديث أدى بنا تحليل "التحدث"، كمنظور خاص يتقاطع مع (التداولية- الذريعية)، إلى اقتراح تمثيل لبنية عميقة (صورية) تصف عملية التحدث في صورة جملة عليا (أصلية) تتفرع عنها مجموع أنماط "الجمل" وأساليبها وأصناف الأحاديث وأنماط صياغتها الممكنة(ص. 140): بنية تمثّل عملية التفاعل الخطابي. وتصلح منطلقا لوصف الخطاب وتحليله من جهة إنتاجه وحتى من حيث استهلاكه واستقبال المتقبِّل له وإدراكه له والرد عليه؛ ومن حيث مجموع عوامل اشتغاله وعلاقاته بالمقام والآثار التي يتركها في "ذاكرات" المشاركين، وانتقاله وتوالده بواسطة الرواية إلى الغائبين وترسّبه للعمل في التشكيلات الخطابية في تراث وذاكرة الجماعات. من ثم أمكننا تعيين مواقع التحدّث وتقديم تعريف "للفعل" ومَفْهَمته ليشمل مختلف أنماط "الفعل" وأصنافه، انطلاقا من الصِّنافة التقليدية لأنماط التحدث ( = التحدث الخطابي التحدث التاريخي - الإخباري) وتوضيح علاقته بالزمن النحوي- الخطابي ( زمن التحدث زمن الأحاديث) . 15 ز- الأدوار المعجمية والوظائف التركيبية : أمثلة أفعال الإيجاه ( توجيه) الأحاديث و التموقف والتثمين والحصول على الموضوع نفترض أن الخطاب فعل كُبار(بالمعنى العام). يتألف من مجموعة أفعال- أنشطة تستهدف إحداث تأثير رئيس بواسطة سلسلة من التأثيرات الفرعية التي تتضافر لتحقيق هدف أو أكثر؛ وأن خاصة اللغة هي التأثير بواسطة الفعل(بمعناه اللفظي -اللسني). وظّفنا عبارة "أفعال الخطاب" بهذا المعنى، تقريبا، لنعني نوعا خاصة من الأنشطة التي يوظف فيها الخطاب أفعالاً كالمُمَثَّل لها فيما يلي: □ أولاً، أفعال "الإيجاه": محاولة لعلاج مسائل "أفعال" توجيه وتثمين قضايا الأحاديث( محتوى الأقوال) بعد تحديد مفاهيمها وتحليل الظاهرة ومناقشة مصطلحها الذي يُثير إشكالات عويصة ، مثله في ذلك مثل مسألة "حصر" أهم فئات أفعالها. □ثانيا، فعل آخر، تجسده عملية "الحجاج" (سوق المتكلم للحجج بقصد إقناع المخاطب) في الخطاب . حاولنا إيضاح الظاهرة، وبينا كيف أنه -بمختلف مظاهره وأنماط الإقناع بواسطته- مفهوم معقد بقدر ما يوحي بالبساطة والوضوح؛ وأنه عملية تفاعل متعددة المستويات: منها اللساني- الفظي( حجاج اللسانيات) والخطابي (حجاج تحليل الخطاب)والبلاغي ( حجاج البلاغة) والبرهني العقلي الصرف (حجاج المنطق الطبيعي والبرهنة العلمية). لكن الخطاب يبقى التجلي الحقيقي لكل تلك الأنواع من الحجاج. الحجاج ظاهرة خطابية بامتياز. الخطاب السياسي يجسّد ذلك حين يجعل منه وسيلته المفضلة للبلوغ إلى مرامه. □ثالثاً، الأفعال الموظَّفة خصيصا في الخطاب لكي يتوصّل بها المتحدّث- بعد الكثير من الأفعال السابقة- إلى "الموضوعات"- "الأشياء" التي تتمحور عليها الأحاديث وتتبادلها. وتستهدفها التحدّثات. ويسعى فاعلو الخطاب إلى حيازتها. □رابعاً، هذه "الموضوعات- الأشياء" ذاتها نعالجها من حيث كونها هدف عملية التحدّث ومحورها؛ وبوصفها، ثانيا، موضوعات للخطاب ومحاور للكلام (مكانتها المركزية في بنية عملية التحدث). وهي في النهاية، مدار اهتمام أنماط تحليل الخطاب. لكن هذه الظواهر، وإن كانت هي الرئيسة في بنية التحدث كما نتصورها ، فنحن لا نلغي أهمية ظواهر أخرى ليست أقل أهمية؛ مثل رواية خطاب الغير، الخطاب المروي؛ الغيرية الصريحة(الظاهرة) والغيرية المدمجة و التناص والحوارية الخ.. ليست بأقل أهمية مما سبق إلا أن الضرورة تلزم بإيلائها مكانة في مستوى ثان .. 16 خلاصة القول، نعتقد أننا قدمنا فيما سبق الصورة العامة لبرنامج التحليل. والبرنامج يلزم باحترام فصوله في التطبيق. وتلك هي المشكلة. قد يُقيَّد لهذا البرنامج من ينسفه كما قد يقيد له من يطوره كامل التطوير. وذلك مناط الأمل. ب- الخطاب الخطاب السياسي: علاقته بالمقام : بساحة سياسية وبسياق مجتمعي وتاريخي محددين: من التزامن الشامل (بنيته) إلى تعاقبه ( تغيراته) ينطبق ما سبق قوله على "الخطاب" عامة كيفما كان نوعه: أي كصنف(جنس) أعلى ومجرّد. لكن هذا النوع المجرّد يتجسَّد ويتخصّص في مقامات ملموسة. تنشّطها ذوات متكلمة- مخاطبة بعينيها، وتترسخ في زمن - مكان معينين أيضا، وترِد في "تحدُّثات" مطلقة الخصوصية، ومدارها "موضوعات" محددة تُنجَز من خلال أجناس خطابية تجمعها وتوظّفها تشكيلات خطابية تقوم على التنوع من جهة وعلى التكرار اللانهائي من جهة ثانية. بعبارة ثانية، ينبغي تلمّس ذلك من خلال خطاب ملموس يُتَّخَذ "موضوعاً" للتطبيق. 1 - هذا ما أقدمنا على إنجازه في المرحلة الثانية من عملنا، أي خلال الكتاب الثاني، المؤَلَّف من بابين. رسمنا، في بابه الأول، صورة الخطاب السياسي للحركات الاستقلالية المغربية من أواخر سنة 1942 حتى مطلع 1956 ، عبر وصف ظروف إنتاجه وملابسات تداوله والأحداث المؤثرة فيه أو المترتبة عنه، خلال المدة المذكورة. تبيّن، بالملموس، أن تلك الظروف والملابسات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية ... تحكم بعمق آليات إنتاجه وتداوله واشتغاله وانبنائه؛ كما تتحكّم في طرق تَدلاله وإعنائه أي في صورته كتشكيلة خطابية، كما في أشكال محتوياته ( مدلولاته)، وأن إدراكه مجرَّدا عنها مُسْتَبْعد نهائيا. حصرنا زمن الخطاب السياسي للحركات الاستقلالية المغربية في الفترة الممتدة منذ أفول سنة1942 حتى شروق سنة1956 ، وهي التي أسميناها بالتزامن الجامع وهو راهن الخطاب، في حين أن ذاكرة هذا الخطاب تنتهي حيث يبدأ "الراهن" (وهي موضوع البحث الذي ناقشناه سنة 1993 بهذه الكلية العامرة). ينتهي الراهن بنهاية التزامن الجامع، حيث يبدأ زمن "الاستباق": وهو المستقبل، من وجهة نظر الخطاب المدروس هنا(أي ما بعد توقيع أول معاهدة لاستقلال المغرب). 17 انطلاقا مما فرط، تفحّصنا هذا الراهن - زمن الخطاب المدروس- في علاقاته بإطاريه الزماني والمكاني، وبالمتكلمين والمخاطبين به، وبلسانه(شفرته) وقنواته ووسائل تبليغه وترويجه؛ وحاولنا جهدنا رسم صورته من الخارج، إن صح القول. بناءً عليه، قسمنا التزامن الجامع إلى 4 تزامنات فرعية؛ لكل واحد منها بداية ونهاية معلومتان؛ تبدوان طبيعيتين. لا يخضع حصرهما للتعسُّف. التزامن الأوّل: شروط إنتاج وتداول الخطاب الوطني الاستقلالي في 18 دجنبر 1942 حتى 78 أبريل 1947 في مختلف مناطق النفوذ ، وخاصة المنطقة السلطانية والمنطقة الخليفية والدولية ومختلف مراكز تواجد المتكلمين بهذا الخطاب ؛ التزامن الثاني: شروط إنتاج وتداول الخطاب الوطني الاستقلالي من 9 أبريل 1947 حتى 9 أبريل 1951 في مختلف مناطق النفوذ ، وخاصة المنطقة السلطانية والمنطقة الخليفية والدولية، كما في مختلف مراكز تواجد المتكلمين بهذا الخطاب؛ التزامن الثالث: شروط إنتاج وتداول الخطاب الوطني الاستقلالي من9 أبريل 1951 حتى 20 غشت 1953 (الخ..)؛ التزامن الرابع: شروط إنتاج وتداول الخطاب الوطني الاستقلالي ن 20 غشت 1953 حتى 2 مارس 1956 في مختلف مناطق النفوذ ، وخاصة المنطقة السلطانية والمنطقة الخليفية والدولية، كما في مختلف مراكز تواجد المتكلمين بهذا الخطاب. قسمناه إلى فترتين: 1 - فترة أولى وتمتد من 20 غشت 1953 حتى 17 نونبر 1955؛ - 2وفترة ثانية تبتدئ من حيث تنتهي الأولى وتنتهي إبان توقيع المغرب وفرنسا على معاهدة استقلال المغرب 2 مارس 1956. ربما فتح علينا هذا الذي قمنا به في الباب الأول كثيرا من أسباب النقد، لا سيما من أنصار الشَّكْلَنة في تحليل الخطاب. نقرّ بهذا المأخذ: احتياج "تحليل الخطاب"، فعلا، إلى كثير من الجهد لشكْلَنة (صَوْرَنة) علاقة الخطاب بشروط إنتاجه وضبط عواملها من جهة تأثيرها اللسني - الخطابي الصرف. لكن، ليس في وسعنا إنجاز أكثر مما أنجزناه، وإن أحسسْنا بحدوده المتوضعة وأمِلْنا فيما هو أحسن منه. لكنه ، من ناحية ثانية قدّم لنا خدمة لا يُستهان بها وهي "معرفة السياق الواقعي والحي " لإنتاج النصوص التي سنتخذها موضوعاً للدرس: من القمع العسكري الشامل إلى إهراق الدم وإزهاق الأرواح، مرورا بالزيف والبهتان وتقاتل الإخوة الأعداء.. 18 2- الباب الثاني من الكتاب الثاني: من خلال رسم الخطوط الواضحة لظروف إنتاج الخطاب، أثناء فترة التزامن الجامع (راهنية الخطاب)، وتَتَبُّع جل النصوص التي أُنتِجت في إطار التشكيلة الخطابية الاستقلالية المغربية؛ حدّدنا مكوّنات متن الخطاب السياسي للحركات الاستقلالية المغربية، وفق معايير خاصة حكمتها خلال تلك الفترة. وكان من الطبيعي أن نقسّم مواده تقسيما صارما ودقيقاً، وفق ما أسميناه بـ "التزامنات" الأربعة الفرعية. فجعلنا لكل تزامن بعينه متنَه الخاص. وكلُّ متنٍ قُسِّم بدوره، وفق مناطق الحماية الأجنبية للمغرب الثلاث: 1. متن المنطقة السلطانية، 2. متن المنطقة الخليفية،- 3 متن المنطقة الدولية (غياب متون للمناطق المستعمرة الأخرى جعلها تبقى فارغة. و الغياب لا يعني الانعدام). وكنا قد قسمنا مواد المتن، مؤقتاً وفي حالات معينة، إلى "متن محور"، وهو المتن المركزي- الرئيس ومتن حافِّ يحيط به. يلعب دور المساعد والمكمِّل في حالات خاصة؛ لكننا لم نفعّله. لا نحتاج إلى التأكيد أننا أحطنا أو كدنا، خلال ذلك، بجل النصوص التي أنتجها المتحدث الاستقلالي المغربي( بكامل مكوناته وهيئاته) خلال التزامنات الأربعة. بناء على تلك الإحاطة استطعنا، في حدود الممكن طبعا، تقديم لائحة - تكاد تدعي الشمول لذلك النوع من النصوص. واستنادا عليها، وضعنا لائحة العناصر الخطابية المكونة للمتن المدروس الموزَّع على التزامنات الأربعة المذكورة. وبذلك أصبحت المادة -العينة جاهزة للتحليل، وإن بعد لأي وأي لأي.. ج- المقاربة التحليلية جلي أن خلاصات المعالجة النظرية (في الكتاب الأول) تتضافر ونتائج وصف وتحليل ظروف إنتاج الخطاب (الكتاب الثاني) لتمهد عمليا لتحليل المتن المكوَّن سابقاً ( وهذا موضوع الكتاب الثالث). تألّفت "مقاربتنا التحليلية" من مجموعة مباحث. خصصنا كل واحد منها لمعالجة مسألة من المسائل التي ارتأينا أن لها الأولوية، حالياً وحاليا فقط، من ضمن كل تلك المسائل، التي نرى أن منظورنا التحدُّثي يؤدي ، بالضرورة إليها. ويمكن، بالتالي، أن يثبت جدارته التحليلية ونجاعته حين معالجته لها في تحليلاته للخطابات، بواسطة استخدامها. نعرضها مجملة فيما يلي: 19 أولا: بحثاً عن بنية أولى للخطاب جعلنا من محاولة استنباط بنية أولى لهذا الخطاب الهدفَ الأول والتمهيديَّ للمقاربة التحليلية المتوخّاة. نعتناها بالأولى، والقصد الأولية، تحرزاً. حصرنا مكونات الخطاب أي الأنواع النصية التي استعملها الأخير خلال مساره في إثنين وعشرين نوعا؛ رتّبناها وصنفناها وفق مختلف التزامنات، وحسب نِسَب استعماله لكل نوع من تلك الأنواع النصية، بهدف تقديم صنافة عامة لها. ثم أقدمنا على دراسة تحليلية للكيفية التي استعمل بها الخطاب كلَّ نوع من تلك الأنواع (الإثنين والعشرين) على حدة. منها ما حللناه بشكل تفصيلي، بهدف البحث عن خطاطة لبنائه الداخلي مثلما فعلنا في تحليل "الميثاق"، "المذكرة"، "العريضة"، "البيان" "المنشور" "البلاغ" "النداء" و "التوجيه- والإنذار"... والبعض الآخر عالجناه بكيفية مجملة أو أشرنا إليه إشارات سريعة، مثل "الرسالة" و "خطة العمل" ( البرنامج) و "الخطبة- الخطاب" و"الكتاب المفتوح" "المقال التحليلي"... خلاصة القول: إن بنية واحدة تتكرر، وإن بصور شتى، لكنها تبقى هي المتحكمة والمُسَيِّرة لجل، إن لم نقل: لمجموع، النصوص المؤلفة للمتن. يمكن التمثيل لها كالتالي: - 1الفواتح: [بيان إحداثيات التحدث: المكان، الزمن، المتكلم، المخاطب، نوع النص ، العبارات الطقوسية و المجاملاتية الخ..]؛ 2 - نحن ( س) نوجّه الخطاب لـ ( س') [س: متكلم استقلالي؛ س': مخاطب وسيط أو حام] 3- نظرا لـ "حجة 1 ... حجة ن" [قد تطول لائحة الحجج ويُفَصّل فيها إلى أقصى حد ممكن يتصور المتكلم أنه ضروري للإقناع] - 4 نتيجة : نحن + فعل [ فعل من لائحة: نطلب ، نأمل ، نطالب، نريد ضد نعلن ، نلغي...]؛ 5 - الموضوعات [ = الاستقلال ، الوحدة، عودة السلطان إلى عرشه الخ..]؛ 6 - الخواتم . 20 بدهي أن من طبيعة التشكيلة الخطابية أن تُنوِّع في تحقيقها بشتى الكيفيات: قد تُفصّل القول في هذا العنصر أو ذاك، أو في مجموعة عناصر دون الأخرى، حسب الحاجة والمقام؛ ومن طبيعتها ، أيضاً، أن تُوْجِهها بإيجاهات متنوعة، وقد تخصص نصوصا طويلة بأكملها لهذا العنصر أو ذاك ، فتُقصر القول فيه وتعدده إلى ما لا نهاية. لا يفوتنا التأكيد على أن هذه البنية تتفرع عنها بنيات صغرى؛ قد تبدو أحياناً أنها رئيسة ؛ لكنها، في الواقع، تندرج ضمن الأولى ولا تعلو عليها. ثانيا: التحدّث بالاستقلال من خلال المتحدِّث الاستقلالي المغربي والمتحدًًََََّث إليه وغائبهما انتقلنا، بعد محاولتنا رسم الصورة العامة للأنواع النصية التي يشتغل من خلالها الخطاب المدروس والكيفية التي يتبنين بها كل منها، لمجابهة مسألة "التحدّث" في ذاتها: من خلال عملية إنتاج الخطاب وتلقيه، أساساً، وكملحق بذلك، عملية الإحالة إلى "الغائب". 1- المتحدّث الاستقلالي المغربي: حصرنا المتحدث الاستقلالي المغربي وحدّدنا مفهومه وعرّفنا مكوّناته أي: مجموع المتكلمين الاستقلاليين( الهيئات الاستقلالية من أحزاب وحركات وجبهات ولجن ومنظمات مقاومة وجيش تحرير الخ.)، وفق تحولاتهم عبر التزامنات الأربعة، بهدف تحديد سماتهم الخاصة. وذلك من خلال تحليل توظيف هذا المتحدّث الاستقلالي لعمليتين لسانيتين أساسيتين: - 1.1التسمية الذاتية: تسميته لذاته وتسمية الغير له: 1- عملية "تسمية الذات" (= تسمية الهيئات الاستقلالية لذاتها وتسمية الغير لها). فصنفنا أسماء المتحدث الاستقلالي العامة ( كـ "الحركة الوطنية" الخ.) والخاصة( كـ " حزب"س" ، حركة "س" ، لجنة أو جبهة "س"، "منظمة ...الخ.) إلى مجموعات وفئات نوعية عبر المتون الأربعة( من 1942 حتى (1956وحللنا مركَّباتها وجميع مكوناتها بغير قليل من التفصيل والتدقيق والنقاش. 21 وحرصنا، في آخر هذا القسم من المبحث، على أن نلحق بما سبق تحليلا لأسماء الأحزاب والمنظمات التي طرحت نفسها في الساحة باعتبارها "رجراجة التصنيف" أومعارضة مباشرة "للوطنية والاستقلالية". - 2 .1استعمال الخطاب الاستقلالي المغربي لضمائر الإشارة إلى ذاته وقد توصلنا إلى استنباط أنماط استعمال خاصة لها 2 - استعمال الخطاب الاستقلالي ( بواسطة متكلّْميه) للضمائر؛ ولاسيما حين الإشارة إلى ذاته. وفيه درسنا صورة أو لعبة استعمال الضمائر في علاقتها بمفهوم مشكل ومعقد هو مفهوم "الذات" ( كإشارة إلى ذاتي المتكلم والمخاطب ) و بزمن التحدّث. فاستنبطنا، من خلال تحليل عدد لا يُستهان به من النصوص الاستقلالية، ثلاثة أنماط من الأساليب في استعمال المتحدث الاستقلالي المغربي للضمائر: أ - نمط أسلوب أول : مثل : " إن الاتحاد المغربي للعمل+ فعل.." أو " إن حزب س + فعل.." ، ب- نمط أسلوب ثان ، وهو متنوع ومتباين، يستعمل ضمير المتكلم المفرد أو الجمعي بقوة ومباشرة : يتبنى المتكلم فيه خطابه وينميه إليه بقوة... ج- نمط استعمال متداخل بين الأسلوبين وهو درجات من هيمنة هذا الطرف أو ذاك... ودراستنا المطولة لهذه الأساليب تبين صعوبة الانتقال إلى تحليل أنماط رواية خطاب الغير، لما يسببه من إطالة وتفصيل.. 2- المتحدَّث إليه: عملية المخاطبة والتوجّه بالخطاب إلى المتحدَّث إليه نعتقد أن صورة المتحدِّث لا يكتمل رسمها، إلا برسم صورة المُتحدَّث إليه (=معه)، والعكس بالعكس صحيح. لذلك عرفناه وحصرنا أفراده. وصنفنا أنواع المخاطبين من الوجهة التداولية وكذا وفق مواقعهم (: مخاطب مساعد، مخاطب مضاد، مخاطب محايد ، مخاطب عام الخ.) وطبقاتهم حسب توزعهم على التزامنات الأربعة. كما أقدمنا على تحديد بعض هؤلاء المخاطبين من حيث 22 الأسماء والصفات والأفعال التي أُسنِد إليهم إنجازها في الماضي أو الحاضر وتلك المطلوب أو المنتظر منه إنجازها مستقبلاً. وأول هؤلاء المخاطبين السلطان ومن ينوب عنه؛ ثم ممثل الدولة الحامية ومخاطبين من الدول العظمى أو البلدان الشقيقة الخ.. - 3الغائب: وهو الذي يتحوّل في الواقع إلى متحدَّث عنه، لايسمح المنظور التحدّثي بمعالجة" الغائب" كشريك في عملية الإنجاز المباشر للخطاب. من ثم، لا يمكن النظر إليه إلا كظاهرة "إحالة"، وليس إشارة. رغم ذلك، فحصنا بعض حالات استعمال ضمائر "الغيبة" كحالات "غياب" لبعض الفاعلين الاستقلاليين، مثل المتكلم الاستقلالي "حزب الاستقلال" في بعض نصوصه، و "الغائب" : "مغربي"، "مغاربة" و "الشعب المغربي" و "الأمة المغربية" ومثل التعامل مع المخاطب ذاته كغائب "المقيم العام" و"الدول الحليفة" الخ.. والدرس في هذا الباب شائك لأن كل شيء يمكن أن يكون غائبا ومتحدثا عنه . ثالثا: من أفعال الخطاب : أفعال الإيجاه (توجيه) وأفعال الموقف ( اتخاذ المواقف): من خصائص هذا الخطاب "إيجاهه" أي: توجيهه لقضاياه بقوة وكثافة وحدة ومبالغة. إذ تتدخل "القوة" المُوجِهة من خلال الذات المتحدّثة إلى أقصى حدود التدخل في "موضوعات" الأحاديث. لكن، لا ينعدم وجود حالات اتزان في التوجيه والتثمين والتّمَوْقُف. غير أن من الممكن اعتبار كثير من عبارات الإيجاه وكأنها مسكوكة أو فقدت، بسبب تأثير العادة والتكرار والسك، قوة الإيجاه الأصلية. لكن المشكل العويص يكمن في أن الظاهرة معقدة ومتداخلة ومتشعبة ؛ بل وغامضة التخوم (من أعقد مظاهر البحث؛ كالنمط الثاني من الحجاج، قد يبرز في كل جملة أو حديث من أحاديث الخطاب المدروس، وتتنوع مظاهره وتتعقد بشكل يصعب حصره). رغم ذلك، أقدمنا على تحليل حالات معينة يشغّل فيها هذا الخطاب "أفعال الإيجاه": وهي حالات يوجِه فيها الفاعل - المتحدث الاستقلالي "الموضوعات الرئيسة" في أحاديثه، بواسطة إيجاهات: الضرورة 23 -الوجوب العرضي- الاختياري(المندوب)؛ الإرادة الرغبة عدم الإرادة- اللارغبة؛ العلم- التوكيدالجهل -عدم التوكيد . وقد قسمنا عمليات الإيجاه إلى إيجاه شامل للنص وآخر قطاعي (يركز على جزء أو أجزاء منه) وثالث متنوع. لكننا لا ندعي أننا استنفدنا الموضوع، إنما قصارى جهدنا أننا وضعنا لبنات وإشارات، وأقدمنا على بحث شبه بكر في لغتنا، ورسمنا آفاقا لبحث واعد، يحتاج إلى جهد كبير. رابعا: الحجاج حتى وإن تحفظنا من الدعوى القائلة بأن كل الكلام "حجاج؛ فإن أول ملاحظة تعنّ لنا هي أن فعل "الحجاج" يحتل الصدارة في الخطاب السياسي للحركات الاستقلالية المغربية خلال الفترة المعنية بالدرس. يلي، من حيث الرتبة، فواتحَ الخطاب وتعريفَ المتكلم بنفسه. ويتمثل في سوق المتحدث للحجج، وحشدها، وترتيبها، والعناية ببسطها وتقديمها، وتأكيدها والحرص على صوغها أشد الحرص. لذلك، اهتممنا بتحليل نمط أول من عملية الحجاج، هو "المباشر" والصريح- قبل غيره(النمط ثاني الذي لا يظهر فيه استعمال الأداة). وبدأنا بتحليل الأدوات التي وظفها مثل( حيث، بما أن، نظرا لأن الخ.. ) ، ثم حصرنا الحجج التي اعتمدها الخطاب الاستقلالي وصنفناها إلى أربعة عشر صنفا. أولها: "الحقيقة التاريخية : تمتُّع المغرب بالاستقلال التام طوال تاريخه وحفاظه الدائم عليه" وآخرها "الاستقلال كوسيلة تمتع الشعب بكل ثمرات التقدم والحضارة والتطور الإنساني". وهي لائحة قابلة لأن تُختَزَل إلى عدد أقل؛ لكنها في مجملها قاعدة حجاج الخطاب. ثم حاولنا تحليل كل حجة منها على حدة، باعتبارها حديثا ومحورا لخطاب قائم بذاته، قد يتوالد ويتشعب (إلى ما لا نهاية؟). مجمل القول: لقد بلور الخطاب الاستقلالي المغربي جهازا حجاجيا متكاملا بهدف التمتع بأكبر قدر من القوة الإقناعية وإفحام المخاطب. وهو بذلك يقع مباشرة في مقابل الخطاب المقتنع بحقه في الاستقلال، وبلا جدوى أسلوب الإقناع: الخطاب الرافض لاستمرار الهيمنة "الاستعمارية"، والعامل من أجل التحرير بوسائل أنجع وأجدى نفعاً. مع ذلك، فقد بدا لنا أن خطاب المقاومة وجيش التحرير لم يقلع عن التبرير والحجاج ؛ لكن حججه اتسمت بالـ "حدة" و "الكثافة" و "التركيز" و "الدقة" 25 خامسا: الأفعال الموظَّفَة لأجل الحصول على "الموضوع" ثم قاربنا فئة خاصة من "الأفعال". نعني تلك التي يوظفها المتحدّث (مجموعة المتكلمين) لأجل الوصول إلى غايته، والحصول على "مطلوبه النفيس"، وبغاية حيازته لـ" الموضوع". بسطنا ورودات هذا النوع في متن التزامن الأول لإعطاء صورة واضحة عن خصائص الظاهرة، وبهدف حصرها وتحديد أي نوع يشمل هذه الأفعال، وكيف يمكن تصنيفها وتخصيص موقعها ضمن البنية العامة للخطاب. وجعلنا من معايير تحديد نوعيتها و صنافتها: "فواعل التحدّث"، "الموضوع" ، "جنس الخطاب"؛ لنحلل فيما بعد أمثلة منها : كـ "قرر" و "طلب" و"طالب"‐في مقابل "ألغى" - "أعلن" ؛ وأخرى من نوع "وكَل" و "اغتنم" و "تشرّف"، وثالثة من نوع "تعاهد"، و رابعة من مثل: "رجا" و"صبا" أو"استغاث" الخ. وهذه الأخيرة باعتبارها درجة قصوى من التضرع والتوسل والدعاء. تبين لنا خلالها أن الخطاب الاستقلالي في جوهره خطاب "طلبي-مطلبي"، وأن "المتحدّث" الاستقلالي (وهو أحزاب وليس "نوابَ- الشعب") يطلب من السلطان- بوصفه "أعلى سلطة"- أن يعمل من أجل أن يستجيب الحامي ( وهو الذي يحوز " قرار" استقلال المغرب) لـ(ـمـ)ـطلبه. سادسا: "الموضوعات" نصل أخيراً إلى "محور" الاًحاديث، و"بؤرة" الخطاب، وهدف عملية التحدث: وهو "الموضوعات- الأشياء"، التي يبذل المتحدث كل هذا الجهد المضني للحصول عليها؛ بل ومنه من يضحي بروحه من أجلها؛ ويبذل المتحدَّث إليه جهدا أقوى من أجل عدم التفريط فيها ذاتها: هذه الموضوعات أو بالأحرى "الموضوع"، الذي يراه كل منهما من زاوية خاصة مغايرة كليا لتلك التي يراه منها نقيضه. ولربما لاحظنا أن منتهى الغاية يوصِل إليه طريق شاق يتألف من مراحل مرتبة. قسمنا العمل في هذه المسألة إلى قسمين: أ - تحديد مجمل موضوعات الخطاب الاستقلالي من سنة 1942 إلى سنة 1947 ، بعدما ميزنا الموضوع بالمعنى العام، من حيث المفهوم وفي علاقة الموضوعات بصنافة النصوص وبالذات 26 (المتكلم والمخاطب خاصة). فبيَّنا أن تلك الموضوعات ظهرت، أول ما ظهرت رسميا، في "المواثيق السياسية"، قبل أن تنتقل إلى أنواع أخرى تطورت وتغيرت عبرها: وفيها تبلور "الموضوع الرئيس-الهدف الأول" : (استقلال المغرب) والموضوعات المرتبطة به، مثل : (وحدة تراب الوطن الكاملة ) و (مصدر السيادة: الشعب السلطان). وغير ذلك من الموضوعات كالحالة التي تصبح فيها هذه الأخيرة ذاتها موضوعات للخطاب؛ تحولات "الموضوع الأول " عبر مسار الخطاب الاستقلالي من ربيع سنة 1947 حتى التوقيع على معاهدة استقلال المغرب عن فرنسا في ثاني مارس 1956: حللنا تحولاته في الخطاب الاستقلالي المغربي من خلال نصوص الجبهة الوطنية المغربية وخطابات السلطان وزعيم حزب الاستقلال وخطاب المقاومة وجيش التحرير وحزب الشورى والاستقلال ومن خلال خطاب استقلال المغرب كتصريح (لاسيل سان كلود) في 5 نونبر 1955 ، وما تلا ذلك من خطابات للمتكلمين الاستقلاليين المغاربة حتى إمضاء معاهدة "استقلال" المغرب. عند هذا الحد نوقف التحليل حتى لا نطيل أكثر. *************************************************************
ختام القول، نزعم أننا أسهمنا، بما قدمناه آنفا، في ميادين متنوعة ؛ لكنها مترابطة :
الكاتب: محمد الداهي بتاريخ: الأربعاء 09-06-2010 09:39 أ£أ“أ‡أپ الزوار: 5367 التعليقات: 0
|