|
|||||||||||||
شعرية الذاكرة السيرذاتية -إعداد حسن أمرير
استأنف مختبر ” الذاكرة والتاريخ” ،التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية –عين الشق بالدار البيضاء، أنشطته بمحاضرة ألقاها الأستاذ محمد الداهي حول ” شعرية الذاكرة السيرذاتية”. افتتح اللقاء بكلمة مقتضبة لمسير الجلسة الأستاذ محمد معروف الدفالي مؤكدا أهيمة موضوع الذاكرة لما له من أهمية للحفاظ على الاستمرارية الثقافية ودعم تواصل الأجيال وتعاضدها، وسعي المختبر إلى دعوة ، عند نهاية كل شهر، شخصيات اعتبارية لتسليط مزيد من الأضواء على الفترات المظلمة في تاريخ المغرب الحديث أبدى الأستاذ محمد الداهي، الذي يعني بالكتابة عن الذات والسيميائيات، الملاحظات الآتية قبل مباشر عرضه: أ-إن موضوع الذاكرة يتقاسمه المؤرخ والفيلسوف والناقد. وكل واحد منهم يتناوله من زاويته الخاصة. ومما يميز المؤرخ عن الناقد، هو كون الأول يبحث عن الحقيقة مستعينا بأدوات علمية صارمة، في حين أن الثاني يتفقد ما يصطلح عليه السيميائيون بالتحقق(véridiction) أي ما يهم الحقيقة السردية التي تتلون في تجليات مختلفة تتجاذب وفق مقولتي الظهور والكينونة. ب-ينبغي إبراز كيف تتقاطع وتتكامل الذاكرتان المعرفية ( استحضار ما مضى وتذكره) والتداولية (جهد التذكر واشتغاله ) في إعمال الذاكرة لاستحضار صورة ما مضى، وإعادة النظر فيه، وفي عملية سرده، وفي ممارسته، وفي امتداده الزمني. ج- بيان دور شعرية الذاكرة ليس في اقتناص الأحداث المنفلتة فقط(المسكوت عنه والمغيب) وإنما أيضا في استقصاء أشكالها ومراميها، والقيام بفحص نقدي لتمثلات أصحابها عن الماضي بعد ما أعطيت لهم الكلمة أو تناولوها عفو الخاطر بوصفهم مسؤولين عن محكياتهم، وتوسيع نطاق الشعرية ( شعرية الذاكرة الموسعة) لأخذ بعين الاعتبار أجناس تعني باستعمال الذاكرة، بمختلف صيغها وأشكالها وإضاءة حدث معين من زوايا متنوعة ( الذكرى والمذكرات واليوميات والأخبار والرسائل والكتابة التاريخية..). إن شعرية الذاكرة، بالنسبة للأستاذ محمد الداهي، هي اللانتظام بين ما هو مسرود ( القصة) والمحكي المحتمل لما وقع، أي اللانتظام بين الأحداث المحتمل وقوعها والطريقة التي يرتب بها الكاتب ما وقع سعيا منه إلى إعادة تمثله وتشخيصه تبعا لميوله وقدراته وتجربته. كما أبرز محتوى الذاكرة المعرفية باعتبارها ترسيخا للواقع، وقسمها إلى نوعين: ذاكرة جماعية ، وهي بمثابة بنية تهدف إلى ترويج المعرفة وذخيرة ثقافية تستوعب أشكال ثقافة ما ورموزها، وهي ، بالتالي، عملية نقل تجربة تتقاسمها جماعة ما، واحتفظت بها؛ أما الذاكرة الفردية ، فهي زاد من الذكريات التي تمد الجسور بين الذاتي والموضوعي، وتجلي تورط الذات في أحداث عادية أو استثنائية. يعتمد كاتب السيرة الذاتية ،على نحو المؤرخ، معطيات قابلة للتحقق منها. ويتميز الأول عن الثاني في قدرته على حكاية ما يستطيع وحده أن يقوله، وهنا تكمن أهمية سرده ومحكيه. وإن كان ما يقدمه باطلا وغير دقيق، فهو هام ومفيد لكونه يبين أن الغاية من الحقيقة ( المشابهة بين ما يسرده وما عاشه فعلا) لا ينبغي أن تبقى هي الكائن في ذاته في الماضي (إن وجد هذا الأمر فعلا) ولكن الكائن لذاته على النحو المتجلي في حاضر التلفظ. حلل الأستاذ محمد الداهي ثلاث مؤلفات (ثمن الحرية لعبد الهادي الشرايبي ،أوراق عبد الله العروي، الضريح لعبد الغني أبو العزم،). وعلل اختيار هذه المؤلفات بالذات للحيثيات الآتية: أ-يمثل ” ثمن الحرية” ذاكرة الحركة الوطنية. فصاحبه، علاوة على انخراطه في الأحداث وانتمائه لحزب الشورى والاستقلال، يقدم شهادة حية عن نشأة الحركة الوطنية ونموها، ويجلي ما قاسه الوطنيون من صراع مضن مع المعمر من أجل استقلال بلادهم وتمتعه بحريته وسيادته وسؤدده. ولم يقصد عبد الهادي الشرايبي تأريخ الحركة الوطنية (فتلك مهمة موكولة إلى المؤرخ المتسلح بقسط كبير من الأمانة والنزاهة)، وإنما استحضار شهادة عن الثمن الغالي الذي دفعه رفاقه من أجل استقلال المغرب، وتقديم عبرة للشباب الغافل (جيل ما بعد الاستقلال) الذي يتمتع بثمار الجيل السابق دون أن يدرك القيمة الحقيقية لهذه النعمة. ب-يجسد مؤلف العروي تجربة جيل. فلما ارتأى عبد الله صاحبه وصف الجو الثقافي لمجايليه، واستحضار الذكريات المشتركة التي تقاسمها معهم لم يجد بدا من اتخاذ إدريس رمزا لهذا الجيل. ولم يكتف عبد الله العروي ببيان المؤثرات الثقافية والسياسية التي طبعت هذا الجيل، وإنما حاول نقدها من منظورين مختلفين ( المنظور السلفي الذي يمثله شعيب والمنظور الليبرالي الذي يجسده السارد) اعتمادا على الأوراق التي خلفها إدريس بعد أن لقي حتفه ( وهي أوراق متعددة تبين اهتماماته وأذواقه وفلسفته في الحياة).
وصنف الأستاذ محمد الداهي الذاكرة بالنظر إلى ما أملته عليه العينات السيرذاتية المعتمدة: أ-الذاكرة المستعارة: يتضح من خلال التجارب الثلاث أن الكتاب يحملون زادا من الذكريات التي ترسخت في وجدانهم وذاكرتهم بالقراءة والاحتكاك مع الغير. وهم مجبرون على تمثلها وتداولها إن أرادوا التواصل مع بني جنسهم. ب-الذاكرة المغلفة:يقدر ما يتقدم المرء في عمره يكشف عن معلومات جديدة عن أقاربه وأصدقائه إما عن طريق ما يُحكى عنهم أو بالاطلاع على رسائلهم وصورهم. وفي هذا الصدد، أشار الأستاذ محمد الداهي إلى صورة الأب في الكتابات الإبداعية لعبد الله العروي. فمن خلالها يكشف عن معلومات جديدة تتعلق بمسار والده في الحياة، وعن طبيعة العلاقة التي كان ينسجها معه، وعن الأمور المنفلتة التي لم تساعده الظروف على مناقشتها معه وتعرُّف رأيه الشخصي حيالها. ج-الذاكرة الجريحة: تعتري الذاكرة جراح أحدثتها تصرفات المعمر تجاه المغاربة. ولم تعمل الأيام إلا على ذر الملح في تلك الجراح الغائرة. وهكذا أصبحت الذاكرة المشتركة أرشيفا يختزن الجراح الحقيقية والرمزية التي تستدعي تضميدها وإقامة مصالحة بين الأطراف المتصارعة لطي صفحة الماضي الأليم واستشراف آفاق المستقبل. وما هو مشترك في الأعمال الثلاثة أن أصحابها يستحضرون الجراح التي أحدثها المعمر في جسد المغاربة. فرغم مضي سنوات عنها مازالت موشومة في ذاكرتهم ووجدانهم لكونها مست حسهم الوطني وطبعهم وموقفهم من الوجود. د-الذاكرة المطوعة: تسخر الذاكرة للبحث عن الهوية والمطالبة بها، ولخدمة أغراض ومآرب إيديولوجية. ومما يحفز على تطويع الذاكرة وتسخيرها هو التصادم مع الغير لكونه يشكل تهديدا للهوية. وهذا ما يدفع في اتجاه الاعتزاز والاعتداد بالذات لتفادي الضربات الموجهة إليها من لدن قوى خارجية. وقد تمحورت مناقشة محاضرة الأستاذ محمد الداهي الثرية والعميقة حول القضايا الآتية: شعرية الذاكرة والحقيقة التاريخية، وعلاقة التاريخ بالأدب والشعرية، وأصناف الذاكرة وتشعباتها، وتداخل الذاكرة والزمن، وتناول الخبر من لدن الأديب والمؤرخ.. ولما أعطي مسير الجلسة المؤرخ محمد معروف الدفالي الكلمة إلى الأستاذ محمد الداهي، أفاض في بيان البون بين الذاكرتين الجماعية والفردية، وأبرز الفروق الفاصلة بين الناقد والمؤرخ في تحليل محتويات الكتابة الذاتية ومقوماتها، وبيَّن تجليات الحقيقة السردية التي تتحدد من خلال العلاقة التي يقيمها المتلقي مع النص ( وهكذا يمكن أن يكذب ما هو حقيقي أو يصدق ما هو كذب وافتراء الكاتب: محمد الداهي بتاريخ: الأحد 09-05-2010 08:33 أ•أˆأ‡أچأ‡ الزوار: 3536 التعليقات: 1
|