فضاءات روائية لمحمد برادة-إعداد محمد الداهي
رابط الصفحة :www.mohamed-dahi.net/news.php?action=view&id=136
الكاتب: mdahi


 حرر في الأحد 11-07-2010 09:46 أ•أˆأ‡أچأ‡

لقد سبق للقراء المتخصصين في مجال النقد الأدبي أن اطلعوا على محتويات كتاب فضاءات روائية ([1]) متفرقة في المجلات والملاحق الثقافية. إن ميزة هذا الكتاب- شأنه في ذلك شأن أسئلة الرواية أسئلة النقد ([2])- هو توثيق المادة وجمعها لتكون رهن إشارة الباحثين والمهتمين، وإعطاء صورة عن رهانات النقد المغربي خلال فترة زمنية معينة، وإبراز خلفياته المعرفية وعلاقته بالنقد الأدبي الحديث، وإسهاماته في إنتاج معرفة تسعف على بلورة الهوية الثقافية واستيعاب أسئلة العصر وتمثلها. يعد محمد برادة ناقدا كبيرا ذاع سيطه في مغرب العالم العربي ومشرقه، واستطاع أن ينتج معرفة نقدية في تحليل النصوص التخييلية ومحاورتها واستكشاف مجاهلها. ومع ذلك كان يتريت فيما ينشره من نقد، ويؤثر أن يجعله منطلقا لدروسه الجامعية ليتسنى له تعميق تحليلاته في ضوء تلقي ملاحظات الطلبة وردود أفعالهم. وقد حرص في نقده خلال عقود من الزمن أن يكتفي بأداء دور القارئ النموذجي في تتبع الإصدارات الجديدة للتعريف بها وتحليلها، وحفز القراء على قراءتها والاستمتاع بعوالمها التخييلية، وتنبيه القراء المتخصصين في النقد الأدبي إلى العناصر البارزة أو مواطن القوة ( points forts)التي تحفل بها. لا يتسع الكتابان النقديان معا على استيعاب دراسات محمد برادة ومقالاته ومداخلاته التي راكم بها تجربته النقدية في المجال الروائي، مسهما في مشر قيم جمالية جديدة مستوحاة من النقدي الأدبي العالمي، وإثارة أسئلة تستحث النقد التقليدي على تطوير أدواته ورؤيته للنظر إلى التراث بوعي ومنظور جديدين ومواجهة تحدياث العصر، ومواكبة المستحدثات المعرفية والمنهجية.
وتتوزع محتويات كتاب فضاءات روائية إلى محورين: أحدهما يثير أسئلة نظرية حول الأفق الروائي، وثانيهما يحاور ويحلل متنا تخييليا يمتد من سنة 1978 ( الطبعة الأولى لرواية اليتيم) إلى 2002 ( خفق الأجنحة لمحمد عزالدين التازي).
1-الأفق الروائي:
ما يجمع بين الدراسات النظرية هو تعاملها مع الرواية بوصفها أفقا مشرعا على مختلف الأشكال وسجلات اللغة ومستوياتها، ومسعفا على توليد أسئلة عن ماهية الكتابة والتخييل وتداول النص في سياقات سيوسيو-ثقافية مختلفة. أضاء محمد برادة الأفق الروائي الرحب بمعالجة جملة من القضايا يمكن أن نجملها فيما يلي:
1-تعزز " زمن الرواية" بتحقق إنجازات نصية تكشف عن إمكانات أخرى في السرد والوصف والتخييل، وبقدرة الروائيين على توليد المعرفة، ومنافسة أشكال التخييل الجماهيري في استكشاف مجاهيل النفس البشرية، وتقديم صور أخرى للحياة .
2-أكدت الرواية حضورها نتيجة تجريب تقنيات تخييلية جديدة، وتطوير أدواتها وأشكالها، والتحرر من القوالب الإيديولوجية الجاهزة، وقد بعضها على اقتناص عناصر لقراءة المجتمع ومتخيله على نحو أعمق وأغنى مما أنجزه الباحثون الإيديولوجيون.
3-يسعف جرد موضوعات الرواية على ورصد التحولات الاجتماعية والسياسية، وتجديد المتخيل الاجتماعي، وفهم القضايا التي تستأثر باهتمام الإنسان، وتحفزه -كما يرى الروائي الأمريكي إيدايك- على " مهمة التحريك النقدي والإبقاء على جذوة الثورة الفلسفية لمواجهة قرن جديد" ([3]).
4-يشخص الروائي بوعي وقصد اللغة لتفريد الشخصيات وتمييزها حسب فئاتها الاجتماعية وانتماءاتها السياسية والجهوية، ومجابهة اللغة الواحدة والآمرة، ورصد عوائق التحديث، وزعزعة الأجوبة الجاهزة والمنغلقة.
2-القراءة التأويلية:
انكبت القراءة التأويلية على نصوص تخييلية متباينة في تجنيسها( الرواية، السيرة الذاتية، القصة القصيرة)، أصدرها كتاب ينتمون إلى أقطار مختلفة، وإلى أعمار وطرائق فنية متباينة. أغلبها مكتوب باللغة العربية باستثناء نص واحد ( أولاد الأزقة الضيقة لعبد الحق سرحان). ويتكون المتن التخييلي من أحد وعشرين نصا، تشغل ضمنها النصوص المغربية 47.61 %، في حين لم تتعد في كتاب أسئلة الرواية أسئلة النقد نسبة 9.09%. وقد دعم محمد برادة دراساته النظرية بأمثلة من الرواية العربية والعالمية. وهو ما يدل على سعة اطلاعه، وافتراشه مدر القراءة وإدمانها. وبما أن محمدا برادة يتوجه إلى دائرة واسعة من القراء المتخصصين فقد اعتمد طريقة تتدرج من البسيط إلى المركب، ومن بنية محايثة إلى بنية أوسع منها. وتتكون هذه الطريقة من عتبتين:
ا- في العتبة الأولى يقدم محمد برادة نظرة مجملة عن العمل، ويعيد تجنيسه وتركيب خيوطه الحكائية. ثم يعيد بناء معانيه باستخلاص الموضوعات الدالة، وإبراز برامج الشخصيات والعلاقات التي تجمع بينها.
ب-في العتبة الثانية يتوغل برادة في بنية النص لإبراز ما يتميز به من سمات جمالية وفنية. وتتعدد مستويات التحليل بحثا عن الحقيقة المحفوفة بالالتباس والتعدد. ونظرا لطبيعة العلاقة الملتبسة بين اللغة الواصفة والموصوف، فإن برادة يخلخل جملة من المفاهيم (الانعكاس، الواقعية، الالتزام) لأنها أصبحب عاجزة عن ملامسة كينونة النص وخصوصية الكتابة الأدبية. ويستبدلها بمفاهيم جديدة أملتها الإبدالات المعرفية والنقدية ( على نحو التشخيص، واللاتشخيص، ولغة الكشف، وشعرية المجهول، وترميز الواقع، والتذويت، والتخييل، والحوارية). وفي ضوء التحليلات يصنف محمد برادة العمل ضمن اتجاه فني أو نمط روائي ، أو يبين مكانته ضمن إنتاجات صاحبه أو ضمن سيرورة الرواية العربية.
تستمد معظم التحاليل نسغها من الشعرية بمختلف اتجاهاتها ومشاربها. لا يعتمد محمد برادة عليها لضبط القوانين والسمات التي تشرك فيها طبقة من النصوص الروائية، وإنما يستثمر مفاهيمها لإبراز خصوصية النص، وإصدار تأويلات تنسجم وطبيعته ووظيفته. وهذا ما يبين أن محمد برادة ما زال محافظا على سلطته النقدية التي أسعفته، بالتجربة والممارسة، على بلورة القراءة التأويلية. وهي قراءة تحرص على " خلق المسافة النقدية" مع الموضوع، واستخدام "أدوات الانفصال" وبناء الأحكام على فهم الوقائع وتمثلها؛ وتحترس من " سجن النص في معنى أحادي أوفي دلالة ثابتة" ، و" أخضاعه لنوايا صاحبه"([4]).
وبالجملة، تتسم الممارسة النقدية لدى محمد برادة بالسمات الآتية:
ا-لا يثقل محمد برادة التحليل بالمصطلحات والاستشهادات تجنبا للتشويش على القراء، و حرصا على استدرجهم لإقامة التواصل مع الفضاءات الروائية، والاستمتاع بعوالمها التخييلية.
ب-يحرص دوما على ممارسة النقد في منأى عن الضجيج أو الصخب الإيديولوجي، وإحداث قطيعة مع النقد الإيديولوجي الذي يؤكد حقائق جاهزة وأحكام مسبقة، وهو ما يحول دون ملامسة الجوانب الفنية في النص، والتعرف على كينونته، والإنصات إلى نبضاته، وإلى ما يقوله بطريقة مغايرة للخطابات الأخرى.
ج- يعد محمد برادة من المدافعين عن الحداثة في النقد. وتتواتر مفردة الحداثة في سياقات مختلفة داخل الكتاب. فلا يمكن للأفق الروايئ أن ينتعش بالأصوات واللغات والأجناس التعبيرية، وتتغير تشخيصات المنخيل أذا لم يتوسع هامش حرية التعبير والإبداع، ولم تُنبذ أساليب التكميم والوصاية. " وأظن أن الرواية العربية تستطيع،مستقلا، أن تدعم مسيرة تجديد المتخيل الاجتماعي، وبلورة القيم التي تنقل مرجعية الصراع الاجتماعي وقوانينه وقراراته من السماء إلى الأرض" ص91.
أختم بهذه القولة لعبد الله العروي
" إن إحدى نتائج الإكثار من الوسائط التضييق على الناقد. لم يعد في وسعه أن يكتفي بالتحليلات المضمونية أو الشكلية، سوسيولوجيا المضمون وتحليل الخطاب، لأنها مضمنة في النص نفسه. فهو مدعو إلى الذهاب إلى الأبعد والأعمق، وربما الأبسط. الأبسط هو فتح الطريق إلى الاستمتاع.. وأي نصر أكبر وأدوم من هذا" ([5]).
----------------------------------------------------------
[1] -محمد برادة، فضاءات روائية، منشورات وزارة الثقافة، ط1، 2003
[2] -صدر عن الرابطة، ط1،1996.
[3] - بتصرف ، فضاءات روائية، م.سا ص91.
[4] -محمد برادة ، أسئلة الرواية أسئلة النقد، م.سا ص8.
[5] -أوراق، ط2، المركز الثقافي العربي،1996، ص7-8.



     

Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009