حرر في الخميس 03-06-2010 10:23 أ£أ“أ‡أپ
1 . 2 . يدخل عمل الباحث والناقد محمد الداهي في هذا النطاق . فهو يسعى إلى اقتحام مجال " نظرية الأجناس " بوعي الباحث ، وحس الناقد . يركز على نوع محدد هو " السيرة الذهنية "، وينطلق في البحث عن تجلياته في نصوص عربية قديمة وحديثة . ولا ينسى الاستئناس بنصوص أجنبية في المضمار نفسه . وهنا مكمن خصوصية هذا الكتاب الذي يتجاور فيه "المنقذ من الضلال " للغزالي مع " أوراق " العروي ، وتتوطد الصلات فيه بين " حي بن يقظان" بن طفيل ، و"أنا " العقاد... ألفنا قراءة أعمال عن هذه النصوص وغيرها من الأعمال المتناولة في هذا الكتاب ، وهي تعالجها من زوايا تختلف عن تلك التي وقف عليها الداهي متسائلا ومنقبا عن الجامع بينها، وما تأتلف فيه وأين تختلف . 1 . 3. من السهولة بمكان قراءة أي مصنف أو مؤلف قراءة تعزله عن غيره ، وتكتفي بمعالجته في ذاته . لكن ما أصعب هذه القراءة حين تستهدف الوقوف على الأبعاد الجنسية أو النوعية للنص . وتزداد هذه الصعوبة عندما يكون " الجنس " أو " النوع " المبحوث فيه ذا ملامح خاصة ، ولم يعالج ( في أدبيات سابقة ) بصورة تقرب أبعاد تلك الملامح ، وتيسر للمجتهد أن يضيف أو يعدل ،،، وهذا شأن " السيرة الذهنية " . ومن هنا تأتي أهمية هذه "المحاولة التأصيلية " . وتلك خصوصيتها المغامرة . إنها اقتحام لمجال ما يزال يستدعي الكثير من العمل والجهد . 2 . البويطيقي والنقدي : 2. 1. يغامر الباحث ، ويسمي " النوع " ( السيرة الذهنية ) . ويبحث عن تجلياته في نصوص قديمة وحديثة : أ ـ المنقذ من الضلال : الغزالي . ـ التوابع والزوابع : ابن شهيد . ـ حي بن يقظان : ابن طفيل . ب ـ أنا : العقاد . ـ أوراق : العروي . ـ شارع الأميرات : جبرا إبراهيم جبرا . وهو إلى جانب هذه النصوص يعالج غيرها بصورة أو بأخرى . يقارن أو يوازي ، يستشهد أحيانا بالنظير، وأخرى بالمفارق ، بغية الإمساك بالعلاقات والتشابهات والتقاطعات . وتظل "السيرة الذهنية " عصية ومستعصية ، تختلط بالسيرة الذاتية أحيانا . وتحاول الاستقلال عنها أخرى . وبين الاتصال والانفصال تبتعد السيرة الذهنية حتى نعتبرها تنويعا على لسيرة الذاتية، وتقترب منها إلى درجة التماهي . أوليست هذه هي طبيعة الأجناس والأنواع . تتداخل وتتقاطع، وتتصل بعضها وتنفصل عنه في الآن ذاته . ولذلك يسهل إنكار التمايز ، ولكن يصعب إثباته . وهذا جوهر التفكير الأدبي ، لأن اي تفكير فيه هو تفكير في أجناسه وأنواعه . 2 . 2. ينبري الباحث محمد الداهي لهذه المعضلات بجرأة وحذاقة . ولابد ، في هذه الحال ، من الاصطدام بالصعوبات . يحاول المزاوجة بين عمل البويطيقي وعمل الناقد . فيتوارى الأول وراء الثاني . 2 . 2. 1 . يسعى البويطيقي / العالم إلى معاينة البنيات المجردة ، ورسم الخطوط الكبرى لمعالم المشروع الجنسي وما يتفرع عنه من أنواع وأنواع فرعية ،،، فيضع الثوابت العامة بناء على معايير كلية وجوهرية . وهو لايحقق هذا العمل إلا بعض إنجاز أعمال امبريقية على تجليات عديدة تتصل بالجنس موضوع البحث . 2 .2. 2 . يأتي عمل الناقد ليشتغل بالتجليات وفق التصورات والإطارات التي وضعها البويطيقي . فيقارب الموضوع من زاويته الخاصة ، فيضيف ويعدل ويدقق وفق ما يقدمه له المتن المشتغل به . وكما يستفيد الناقد من عمل العالم ، يستفيد هذا منه في دورة مستمرة ودائمة من البحث المتواتر . 2 . 2 . 3. يمكن أن يجتمع الناقد والعالم في شخص فيتكامل عملهما ، ويحقق أحدهما للآخر ما يحتاج إليه . وهذا الرهان الأصعب هو ما رام الباحث الداهي ركوبه . وإذا كان عمله النقدي بارزا في هذا العمل من خلال انكبابه على نصوص بعينها ومعالجتها في ضوء الأسئلة العلمية التي طرح ، فإن هذا النمط من الاشتغال لا يمكن أن يؤدي به إلا إلى الكشف عن خصوصيات النصوص التي عمل على تحليلها من حيث بعدها النوعي الجامع ( السيرة الذهنية) . ولقد وفق فعلا في إضاءة العديد من الجوانب ، والوقوف على العديد من المميزات والتجليات المتصلة بالنصوص التي عمل على تحليلها . 2 . 3 . ليس من السهولة بمكان ، الاضطلاع بعمل العالم في الفكر الأدبي العربي بوجه عام. وما يزال أمامنا الكثير من الجهد لنبذله لنصل إلى هذا العمل . ولعل أهم نقطة انطلاق في هذا السبيل هي أولا الإيمان بجدوى ذلك وضرورته . وقد تحقق هذا في هذه الدراسة التي تسعى فعلا لتكون " محاولة للتأصيل " ومنطلقا للبحث والتحليل ، ومدخلا لابد من أن تتلوه مداخل أخرى لترجمة جزء من إشكالات الدرس الأدبي العربي ، وتطوير قضاياه ، وتفجير أسئلته العديدة : المعلقة والمؤجلة. شعرية السيرة الذهنية لمحمد الداهي خطوة أولى في رحلة الألف ميل . ولتكون فعلا تلك الخطوة ، فهي تستدعي الحوار والنقاش ، بل إنها تدفع إليهما دفعا . وذاك هو ما يبرر حضورها وجدواها
|