مدخل إلى الرواية المغاربية-د.محمد الداهي
رابط الصفحة :www.mohamed-dahi.net/news.php?action=view&id=125
الكاتب: mdahi


 حرر في الخميس 24-06-2010 05:23 أ£أ“أ‡أپ


 يجمع الكتاب بين دفتيه مقاربتين . وإن كانتا متباينتين ، فهما يتكاملان في التعريف بالسمات البنائية والموضوعاتية للرواية المغاربية. إحداهما تهم الجانب المنوغرافي المتعلق بالإكباب على رواية واحدة، وثانيتهما تخص البعد العبر خطابي الذي يرصد خصيصة فنية معينة في روايات متعددة، وقد تكون من أقطار مغاربية مختلفة.
1- شملت المقاربة المونغرافية الروايات التالية : الفريق لعبدالله العروي، وعرس بغل للطاهر وطار، وأحلام بقرة لمحمد الهرادي، وعين الفرس للميلودي شغموم، ودليل العنفوان لعبد القادر الشاوي.
أ- عالج عبد الحميد عقار شعرية التعدد اللغوي في رواية الفريق. وبعد أن حدد المقصود بالشعرية ( كونها تجريدا للخصائص البنيوية أو الملامح اللفظية الملازمة أو المنتجة « لأدبية النص الروائي »،وباعتبارها ملفوظا اجتماعيا ملموسا يعيش وسط الفضاءات الشاسعة)، وأبرز سماتها القاعدية (تقنية الانشطار، وتعدد وجهات النظر، تكسير خطية الأحداث والأزمنة، التعبير عن وضع شعوري..)؛ أكب على تحليل معضلة صورة اللغة في الرواية وبيان ما أضفى عليها طابعا حواريا، وجعلها تنزاح عن التجريد والرتابة. ومن تجليات حفول الرواية بالتعدد اللغوي نذكر ما يلي: تعدد السجلات اللغوية، والأجناس التعبيرية، وطرائق التشخيص، والصيغ، والتقنيات الأسلوبية الممتوحة من تيار الوعي. وما يؤشر على أن الفريق تقوم على بعد حواري هو قدرتها على تشخيص الخطابات (اللغات الاجتماعية) المتضاربة داخل المجتمع : خطاب الموظفين الكبار والمتوسطين، وخطاب الخدم ، وخطاب التجمهرات بالملاعب الرياضية، وخطاب مجموعات الضغط..الخ. " وختاما، فحوارية اللغات وتعدد الأصوات في "الفريق" ينسجمان بقوة مع انشطار المحكيات، وتقطع السرد، وتناوب المتكلمين، وهذا الانسجام له أسسه الاجتماعية والثقافية والجمالية" ص61.
ب- تتميز رواية عرس بغل باهتمام النقد بها مما زاد من قيمتها، وذلك نتيجة ابتعادها من التناول الأطروحي، والانزياح عن الموضوعات والأساليب السائدة، وباعتمادها على فضاء دينامي ذي انسجام تكويني ووظيفي، وبحفولها بتعدد اللغات والسمات الساخرة النبرة والتوجه. وما يجلي اعتمادها على التعدد اللغوي هو استثمار السجلات المتنوعة، والاستشهادات الكثيرة، والمقامات الكلامية المتنوعة، وصيغ اللامبالاة والفنطازيا . " تلك إجمالا هي أهم البنيات الروائية في عرس بغل في مستوى اللغة ووسائل التعبير الفني: إنها لغة تتصف بالتعدد والتنوع معجما وتركيبا ودلالة وقالبا أدبيا. وبتعدد هذه اللغات تتنوع وسائل الأداء الأسلوبي بين الفلاش باك والاستشراف، وبين المنولوج والحوار المباشر، وبين الاستيهام والرؤيا والتناص" ص78.
ج-تتسم رواية أحلام بقرة بالسمات التالية: عناوين مستعارة، فصول عبارة عن أقصوصات، فضاء موسوم بمقتضيات الواقع، طابع التجريد، شطحات اللاشعور والاستيهام، والتضاد باعتباره أسلوبا في التركيب، واتقطيع الشعري، والتعدد اللغوي، والتعالق الحواري مع نصوص حديثة أو مغرقة في الزمن.
د-ظل الميلودي شغموم - في رواية عين الفرس -وفيا لبعض المستويات التي وسمت رواياته السابقة : إضفاء الطابع الأسطوري على الواقع، تمزق الشخوص وغرابتها، السخرية والضحك، استثمار البعد العجائبي، كثرة المستويات الحكائية، التشخيص اللغوي الساخر، بنية الإخفاق وزيف الخطابات. وقد أضفت هذه الخصائص على رواية " عين الفرس" طابع كونها بحثا عن صورة جديدة للإنسان يسترجع في سياقها كينونته المفتقدة وزمنه المنفلت وهويته التي تترسخ في أعماقه.
هـ تقوم رواية دليل العنفوان على حضور سؤال الكينونة، وتقصي التجربة السياسية المعيشة، واستثمار الأسلوب الترسلي ، وحفز الذات على استعادة ألق الأضواء الهاربة والتحرر من الأوهام. وهذا ما حذا بالناقد عبد الحميد عقارأن يعتبر المؤلف "إنجاز أدبي متميز وإضافة نوعية لعالم الكتابة عن الذات" ص159.
2-خصص عبد الحميد عقار للمقاربة العبر خطابية مبحثين: أولهما يتعلق باللغة الروائية وآفاق التجريب في الرواية المغاربية، وثانيهما يهم التأصيل والمغايرة في الرواية الجزائرية.
أ-بين الباحث في المبحث الأول منزع التعدد اللغوي في روايات مغاربية متعددة . ويعلل معضلة صورة اللغة ( التشخيص الأدبي للغة) بكونها تحررا من قيود النظرة السلفية والتقليدية، وتأسيسا لأشكال لم تكتمل، وانخراطا في التجريب الذي أفضى لدى الكتاب التونسيين على وجه الخصوص إلى ما يشبه الاستيحاء السوريالي . وبقصد تكسير أحادية الملفوظ الروائي، ومعالجة صورة اللغة على نحو يكشف عن هوية المتكلمين وانتماءاتهم الاجتماعية والإقليمية ؛ شغل الروائيون الملفوظات التالية : لغة التداول اليومي والشعبي، والمكون الاستشهادي، والتهجين الكلامي. كما اعتمدوا على الصوغ الذاتي للخطاب على يؤشر على عودتهم إلى ماضيهم الشخصي، ويحتم توظيف لغة الحلم والتذكر والاستيهامات .
ب-انطلق عبد الحميد عقار في المبحث الثاني من فرضية مفادها أن التراكم الحاصل في الإنتاج الروائي الجزائري خلال العقدين الأخيرين، يؤشر على حصول تحولات إيجابية منزاحة عن التناول الأطروحي، ومتعلقة بقضايا جديدة متعلقة بالذات والعالم والكتابة واللغة. وللتأكد من صحة هذه الفرضية، انطلق الناقد مدخل يروم فهم تكون الخطاب الروائي وتطوره. ويتألف المتن من أربع روايات هي على التوالي : "اللاز" للطاهر وطار، و" الجازية والدراويش" لعبد الحميد بن هدوقة، و" حمائم الشفق" لجيلالي خلاص و" ما تبقى من سيرة لخضر حمروش" لواسيني الأعرج. إن تعاقب هذه النصوص زمنيا ، يسعف على إبراز العناصر الجنسية المهيمنة وجوانب الثبات والتحول التي تحكمت في سيرورتها. " تلك هي حالة المتن أعلاه، وذلك هو مبرر إدراجه في نطاق قراءة تعاقبية تأخذ في الاعتبار دراسة المستمر بوصفه شرطا ضروريا لدراسة التحول ، والمشترك بوصفه مقياس لتقدير درجة الاختلاف والمغايرة" ص106. وبعد لأن درس الناقد رواية اللاز، بين مدى اعتماد الروايات الأخرى عليها بوصفها مرجعا مشتركا. وتتمثل هذه المرجعية في مستويين: مستوى الإحالة المباشرة على اللاز، ومستوى تقديم بدائل والاعتماد على تقنيات مغايرة. ولا يتم التفاعل النصي بشكل سلبي، وإنما على أس الحوار والمغايرة والتجاوز. ورغم فرادة وخصوصية كل عمل على حدة، فإن الأعمال الأربعة تشترك في ثلاثة مقومات : تنوع الشخصيات وكثرتها وفعاليتها النصية، ثم الحضور المكثف لعنصر التذكر والحلم ، ثم هيمنة العنف في مستوى النبرة والموضوع.
يعتبر عبد الحميد عقار البحث الذي أنجزه عن الرواية المغاربية مجرد مدخل في "انتظار استكمال تحليل تشكلات هذه الجمالية الشعرية، واستجماع عناصرها وإوالياتها الناظمة لها، والوقوف على أبعادها الثقافية والرمزية" ص173. واستخلص الملاحظات التالية:
أ- يمكن أن تقرأ الروايات باعتبارها سلسلة نصية دينامية متطورة. ويكمن التحول في الملامح الآتية: الانتقال من التناول الأطروحي إلى ما يتعلق بهموم الذات وشرنقتها، ثم تمزق الشخوص وازدواجيتها، ثم تجريب ثقنيات حداثية وتراثية.
ب- أفضت تحولات الخطاب الروائي إلى تأزم العلاقة بين النص والقارئ؛ وذلك نتيجة التضحية بالقصة على حساب النزوع التجريبي للتقنيات السردية.
ج- يمكن للرواية المغاربية أن تتجاوز ذاتها لتنخرط في فضاء الكوني من موقع مغاير.
د- أحدث السرد نقلة جديدة لإحداث فطيعة مع التتابع الخطي والدائري للأحداث والاقتراب من العوالم الدونكشوطية في ذهابها إلى نقطة اللاعودة، وانخراطها في العالم بالرغم من كونه أوسع حجما من وعي البطل.
ويمكن أن نبدي الملاحظات التالية على البحث القيم الذي أنجزه الناقد عبد الحميد عقار:
أ- يتبين في أكثر من مرة أن عبد الحميد عقار يشغل مفهوم التحول بالمعنى الذي يعطيه كرزنسكي للمفهوم. ويعنى به " حصر ( الموضوع المعرفي) في إطار تطور وتزامن المعطيات التطورية" (1)، وذلك " للكشف عن بعض ثوابت الجنس الروائي ومتغيراته، وعن المرونة التي تطبع تاريخه وتطوره" (2). ويقتضي مفهوم التحول تحديد الفترة التاريخية لرصد سيرورة الجنس الروائي وبيان ما طبعه من مميزات وخصائص مشتركة، واستجلاء بعض الخصوصيات التي تتمتع بها بعض الروايات. ولم يتعامل الناقد عبد الحميد عقار مع المفهوم على هذا النحو إلا نسبيا ، وخاصة لما عالج جدلية الأصالة والمغايرة في الروايات الجزايرئة الأربع المتعاقبة. ويمكن أن يستأنس بالنماذج التي اقترحها كرزنسكي ( التناص، الإيديولوجيا، الأكسيولوجية، المرجع، ااستيطيقا، الدوافع) "لبيان الطابع الإجرائي والجدلي لكل رواية داخل السلسلة التطورية » (3).
ب-يتبنى عقار مفهوم المغرب العربي بوصفه مجموعة سياسية جهوية تتألف رسميا اتبداء من سنة 1989 من خمسة دول ذات سيادة، وهي : المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، وموريتانيا. لكن من خلال تمفصلات الكتاب يتضح أنه أعطى أهمية كبيرة للرواية المغربية والجزائرية. ولم تحظ بالقيمة نفسها روايات الدول الثلاثة المتبقية. وهكذا ينبغي أن يقرأ الكتاب في موازاة مع الحوار الثر والمفيد الذي أنجزه الميلود العثماني و رشيد الإدريسي مع الناقد عبد الحميد عقار حول الرواية المغاربية ورهان التجديد ( مقدمات العدد المزدوج 13-14- 1998). وبالتمعن في هذا الحوار يتبين أن عبدالحميد عقار ملم بتاريخ الرواية المغاربية ومستحدثاتها، وأنه يدخر معلومات كثيرة عنها. وهذا ما يبرر استخدامه عن قصد وروية هذه العبارة "إنه [البحث] مدخل مجمل لأنه يقدم صورة عن مشروع بحث أوسع هاجسه تشييد جمالية وشعرية للخطاب الروائي المغاربي" ص173. وتشكل هذه العبارة ميثاقا معلنا بين الباحث والقراء المفترضين. فالباحث يتحدث عن "مشروع بحث موسع" يتدارك فيه النقائص ويوسع من دائرة المتن على نحو يعطي صورة شاملة عن الطفرات التي حققتها الرواية في الأقطار الخمسة على حد سواء. والقارئ يترقب منه ذلك ليوفي بالعهد.
ج-لا يسير البحث على الوتيرة نفسها رغم وحدة الموضوع وتأطيره. وهذا ما لمسنا جزءا منه في توظيف مقاربتين متباينتين رغم تكاملهما وتفاعلهما. ونلمس في مختلف تمفصلات البحث القدرة التي يتمتع بها الناقد عبدالحميد عقار في إضفاء طابع الانسجام على أطراف البحث وفصوله، والاقتصاد في المفاهيم واحتوائها، وإصدار تأويلات غير متعسفة أو مغرضة، وتعليل العلائق الموجودة بين العناصر، وجعل النقد في خدمة دائرة أوسع من القراء لحفزهم على قراءة النص المحللة.
***********
الهوامش:
*- عبد الحميد عقار، الرواية المغاربية تحولات اللغة والخطاب، المدارس، ط1، 2000.
1-Krisinski (V), Carrefours de signes, Mouton ,1981, p4
2-Ibid p 7
3-Ibid p 61
 




     

Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009