القاص علي القاسمي في ضيافة فرع اتحاد كتاب المغرب بتمارة-د. إدرس الخضراوي
تكتسي التجربة القصصية للكاتب علي القاسمي في توهجها وانفتاحها وتفجرها لظى وعنفوانا أهمية كبيرة لاعتبارات عديدة، تتصل، أولا، بتجربته الشخصية ككاتب عراقي تنقل بين أمكنة متعددة واحتك بثقافات مختلفة ( الصورة المرفقة للدكتور إدريس الخضراوي).
وكان لذلك تجلياته في العوالم التي يبنيها في قصصه وفي النماذج البشرية التي تتحرك فيها وفي مغامراتها الصعبة بحثا عما يبدد الالتباسات العديدة التي تعصف بها، وثانيا، باعتباره، باحثا أكاديميا لا يكفّ عن إثارة الأسئلة والانغمار في البحث عن بناء الأجوبة الممكنة بصددها، ومنها أسئلة اللغة والترجمة والتنمية والثقافة والطفولة، خاصة في هذا السياق العربي والعالمي المطبوع بكثير من التردد والالتباس والتبدل المتسارع.
من هذه الزاوية كان فرع تمارة لاتحاد كتاب المغرب موفقا في اختيار هذه التجربة، وجعلها موضوعا للاحتفاء والقراءة والاقتراب من هموم وهواجس وأحلام كاتبها، في لقاء ممتع نظم مساء يوم الجمعة 15-04-2011 بحضور الكثير من المبدعين والمبدعات والنقاد وأصدقاء المبدع وقرائه.
وقد تميز هذا اللقاء الذي نسقه الكاتب الروائي المغربي محمد غرناط وأطره الناقد المتميز إبراهيم ألحيان، بالكلمة الافتتاحية التي قدمها الناقد محمد الداهي، مركزا فيها على جوانب مختلفة من شخصية القاص العراقي علي القاسمي، خاصة ما يتصل بتعدد اهتماماته وتنوعها، وتراكم كتاباته التي تركزت حول مجالات مختلفة، فضلا عن ترجماته لمتون أساسية من الأدب العالمي(أرنست همنغواي)، ليخلص إلى أهمية تسليط الضوء على هذه التجربة ومحاورتها في عمقها وغناها، وتصاديها مع أسئلة الكتابة القصصية مغربيا وعربيا، في التعبير عن أسئلة الكينونة والوجود.
وفي سياق تقديمه للكاتب على القاسمي أكد الروائي محمد غرناط على عمق تجربته القصصية وعلى قيمتها الجمالية، واستكشافها لموضوعات وأسئلة هي في القلب من الانشغالات الإنسانية الأساسية: أسئلة الحب والحنين والطفولة والفقدان، مما يحض، نقديا، على ضرورة تبئير قراءة هذه التجربة على العلاقة بين القصة كممارسة كتابية والواقع كخلفية كمرجعية.
ولم تكن القراءة المتأنية والرصينة التي قدمها ألحيان في متن هذه التجربة بعيدة عن هذه الأسئلة، وهو ما لفت إليه منذ بداية عرضه حينما أشار إلى علاقته بنصوص علي القاسمي ومصاحبته لها حتى قبل نشرها. وقد ألمع ألحيان في هذه القراءة إلى أن القصة تتعين عند القاسمي مكاشفة للذات وتعبيرا عن آلامها وإحباطاتها وتوجساتها العديدة. ورغم تناولها لموضوعات متعددة-علما أن الأستاذ محمد غرناط أرجع هذا إلى اختيارات تتعلق بالناشر- فإن ثمة ما يجمع نصوصه المختلفة ويلحمها خاصة ثيمة الفقدان. وقد أبرز كذلك جوانب متعددة تميز هذه التجربة وتعطيها خصوصيتها وفرادتها في المشهد القصصي العربي، كالاحتفال بالحكاية وجعلها في القلب مما يراهن عليه كاتبها في علاقته بقرائه، وبساطة اللغة وعمقها وكثافتها التكلمية والإيحائية، واعتماد الوصف والسرد. ويضاف إلى هذا كله ارتباط قصصه بالمحكي الذاتي واستحضار القارئ وغياب أي توظيف للهجات في نصوصه، وتمثل الموضوعات من خلال تنويعات عديدة تجعلها أكثر دلالة وتعبيرا، وتقديم شخصيات معطوبة وحاملة للكثير من الجراحات، مما جعل نصوصه تؤشر على رؤية للعالم قاتمة.
أما كلمة القاص علي القاسمي فتسلطت على جوانب متعددة من تجربته الحياتية والعلمية والإبداعية وعلاقاته بفضاءات متعددة ومنها المغرب، وتأثير كل ذلك على رؤيته الفنية وموقع القصة في التعبير عن رؤيته للعالم. مذكرا بأن الكتابة الإبداعية لا تنفصل عنده عن أبحاثه ودراساته المختلفة رغم اختلاف الأسئلة الموجهة. مؤكدا على أهمية الملاحظة التي أبداها الناقد أنور المرتجي حول عوالم قصصه وارتباطها بانشغالات الكتابة العراقية المعاصرة وما يطبعها من نبرة حزينة باكية تتعدى الشخصي إلى التعبير عن الهم الإنساني الجماعي، خاصة بعد الاحتلال الأمريكي، وما نجم عن ذلك كله من حراك وهجرات وفقدان وشرخ في الهوية.
ومن الأهم القول بأن جانبا من غنى هذا اللقاء يرتبط بالإضاءات والملاحظات والمداخلات الدقيقة التي ساهم بها الكثير من القراء والمثقفين الذين حضروا هذا اللقاء، وهذا ما فتح كوى عديدة للتفكير في الممرات الفاصلة الواصلة بين القصة والترجمة والكتابة النظرية الأكاديمية باعتبارها عناصر تتداخل وتتقاطع في تجربة علي القاسمي، وتكسبها مذاقها الخاص.