يعتبر موضوع القراءة من أكثر المواضيع استهلاكا. في كل المناظرات التي نظمتها وزارة الثقافة كان هذا الموضوع يستأثر باهتمام المتدخلين جميعهم لجدواه وملاءمته في تقدم البلاد وتنميتها. ورغم تراكم التوصيات والمقترحات البناءة ظلت أزمة القراءة متراوحة في مكانها لبواعث وأسباب متعددة
يعتبر موضوع القراءة من أكثر المواضيع استهلاكا. في كل المناظرات التي نظمتها وزارة الثقافة كان هذا الموضوع يستأثر باهتمام المتدخلين جميعهم لجدواه وملاءمته في تقدم البلاد وتنميتها. ورغم تراكم التوصيات والمقترحات البناءة ظلت أزمة القراءة متراوحة في مكانها لبواعث وأسباب متعددة. يقتضي الأمر استخلاص مكامن الخلل التي تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة، ثم التدخل لتسريع وتيرة القراءة والرفع من نسبها باعتبارها مدخلا أساسيا للاستنارة والتنمية والتقدم.
إن موضوع القراءة متشعب لكونه يستوعب اختصاصات ومجالات متعددة، ويهم متدخلين من وزارات بعينها. ولعل أهم جانب ، في نظري، ينبغي أن نوليه العناية المستحقة هو الجانب التربوي، لما له من أهمية في صقل موهبة القراءة لدى الإنسان منذ حداثة سنه، وتعويده على اقتناء الكتب، وحفزه على إنشاء مكتبة في بيته.
وتعلب الأسرة، في هذا الصدد، دورا محوريا لتنمية الحس القرائي لدى الأطفال، وحفزهم بطرق تربوية على تخصيص حيز من أوقاتهم للقراءة والمطالعة مع مراعاة أذواقهم ومستواهم الإدراكي.
وتضطلع المدرسة، في المنحى نفسه، بتعزيز القدرات القرائية للمتعلم، واستدراجه، عبر مراحل ومحطات، إلى قراء النص بطريقة منهجية.
أضحى الجانب التربوي والبيداغوجي محط انتقادات عديدة لعدم قدرته على تحسين الكفاية التواصلية للمتعلم ( ومن ضمنها مهارة القراءة). بدأنا نعاين في العقود الأخيرة ظاهرة مقلقة تتمثل في نفور المتعلمين من القراءة، وإقبالهم على الجاهز والاستنساخ ، وهو ما يؤثر سلبا على تنمية قدراتهم التواصلية والثقافية والمنهجية. ومما زاد من تفاقم الظاهرة سوء استعمالهم لوسائل الاتصال الحديثة. عوض أن يستثمروها فيما ينمي قدراتهم ويشحذ مؤهلاتهم، أصبحوا يستعملونها للغش والتدليس والاعتداء على الملكيات الفكرية للآخرين.
ينبغي للمربين أن يبحثوا عن أساليب جديدة لحفز المتعللين على القراءة، وتحبيب الكتاب لديه. ومن ضمنها تنظيم مسابقات وطنية وجهوية لإعداد تقارير عن مؤلفات معينة، وتخصيص سنة دراسية لقراءة مؤلفات كاتب معين، وإنشاء نواد وحلقات للقراءة ، وتنظيم معارض للكتب بالمؤسسات التعليمية، وتجهيز الخزانات المدرسية وتحسين خدماتها التربوية . قد تتناسل المقترحات لكن ما يهم هو تنفيذها وأجرأتها في أفق الاستمرارية وتكريس تقاليد القراءة في المجتمع.
يتشابك المعطى التربوي مع معطيات أخرى تستدعيها المقاربة النسقية التي تسعى إلى تشخيص مكامن الخلل ثم حفز جميع المتدخلين على تصحيحها ومعالجتها. وفي هذا الإطار نستحضر تجربة" الخطة الوطنية للكتاب والقراءة العمومية بالمغرب" التي يستحسن أن تحين في ضوء متغيرات المجتمع، والشروع في تنفيذها وضمان سبل تتبعها وتقويمها.
ما يعاب على البرامج المغربية عموما هو طموحها الكبير أكثر من اللازم. وهو ما يجعها أمام مأزق التنفيذ بالنظر إلى حجم الأهداف المنشودة والإمكانات المادية والبشرية المتوفرة..وفي هذا الصدد يستحسن أن تظل فكرة المشروع قائمة بالاستفادة من التجارب السابقة، والتركيز على جملة من الأولويات مع مراعاة مستويات تنفيذها على المستويين الزمني واللوجستيكي..إن النتائج المتوقعة تحتاج إلى سيرورة الزمن وتراكم التجارب.. لكن الأصعب هو من أين نبدأ؟ وكيف نصل؟
جريدة الخبر،العدد 641/ الجمعة 28 يونيو 2013، الصفحة الثقافية ص18