حرر في الأربعاء 29-09-2010 01:43 أ£أ“أ‡أپ
أستطيع القول إن مشكلة هذا الننقد غير متأصلة فيه، بوصفه نقدا أدبيا يمكن مناقشته ومراجعته وتصحيح الخلل والنقص ،ولكنها مشكلة مرتبطة بمن يتجرأ على النقد ويترامى عليه وكأنه أرض سائبة تنتظر كل صاحب خرقة وعمود أن ينصب فيها خيمة ويجمع حوله قبيلة ويفرخ فيها قطيعا من القراء والكتاب إن مشكلة النقد بالمغرب هي مشكلة الذين يحضرون في الحقل الثقافي واصفين أنفسهم بصفة الناقد .؛إذ نرى كل من أنجز بحثا وإنشاء مدرسيا في مرحلة الإجازة ينشره باسم النقد . ونرى كل من تقدم ببحث لنيل شهادة دكتورة الجامعة أو دكتورة الدولة تحت الإشراف ، ينشر ما كتبه وامتحن فيه ، يسمي نفسه ناقدا للأدب بل ويربط الصلات بالمثقفين العرب الذين يجهلون ما يعرفه حقل الثقافة بالمغرب ، فيعتبرونهم نقادا مغاربة ، نرى عددا من سالخي فصول الكتب المغربية والمشرقية ينشرون ما سلخوه في المشرق والمغرب باسم النقد. ونرى شبابا متعجلا يريد أن يمارس التطهير النقدي بالجحود والتجاهل والجهل وينشر كتابات تبشر بتنظير ما تم التنظير له منذ أزمان، وكأنهم أصحاب كهف لم يعرفوا ما أصاب ورقهم من بخس القيمة . مثل هؤلاء هم حقا من يصنع المشكلة في مجال النقد ، لذا قبل أن نبحث في إشكالية النقد يتعين أن نتساءل هل حقا لدينا نقاد ؟؟ لا يخفى أن إطلاق أحكام عامة هو مبعث الخطأ في كل ممارسة معرفية تتوخى نقد المعرفة ، لكن لا بد أن نقر أن المعرفة تتطلب شروطا بحكم كونها وليدة النشاط الاجتماعي ، وأنها لكي تقوم بدورها تستوجب وجود مؤسسات وضوابط وتمييزات وتقسيما ت للأدوار.فمجال الثقافة ليس مجالا للفوضى ، لأنه مقيد بالتزامات الحرية والصراع الإيجابي بين البدائل والممكنات. لنقل إذن إن مشكلة الناقد مي مشكلة سوسيولوجية . كيف ؟؟ إن الناقد شخص له تكوين ثقافي يريد به أن يحقق فوائد مادية أو رمزية ، أن يكتسب تقديرا ووضعا اجتماعيا ربما وضعا من أوضاع التميز ، إنه لا يكتفي بأن ينتج بل يتوخى الحديث عن الآخرين بتمثيلهم والنيابة عنهم في مجتمع الثقافة ،الأدب ، المعرفة، القيم، المصالح المرتبطة بالرأسمال الرمزي: إنه وإن لم يعتبر عمله حرفة ومهنة فهو قد يراها موهبة وهواية تفضل كل المهن والحرف بسبب إحاطتها برمزيات تعلي من شأن ما يقوم به. إنه قد يتخذ من هذه الهواية عملا يتوسط به لاحتراف مهنا حقيقية توظف الهواية ، فيكون ممتهنا للصحافة وعضوا في لجنة نشر أو مجلة أو لجنة تحكيم ... وعليه فإن الناقد الذي يملك القدرة والتكوين يمارس وجوده في مجال الثقافة فعاعل اجتماعي ، ومن يفتقر إلى التكوين والشروط الضرورية تصبح رغباته أكثر من قدرته ، ويكون سلوكه مشحونا بالطموح الذي يحتال باستعمال وسا ئط وعلاقات يقتحم بها مجال النقد ،و إذا وجد من يدعمه من ذوي القدرات الناقصة والأهواء الفاسدة ، وأصحاب المصالح المغرضة ،استغل النشر والانتشار ، ونشر في المجتمع أمراضا تتسبب في تعتيم القيم الإيجابية ، كل من يريد العبث بهوية شعب ما يختار إصابته في قيمه : قيم تحملها الثقافة واللغة ولأخلاق والمفاهيم :ومنها مفهوم الأدب والجمال والوطن والعلم والفن والحب ، بالطبع لا يجب أن نجانب الحقيقة ، فبالرغم من وجود ظواهر التسيب النقدي تنهض أمامنا حقيقة مضادة تتشخص في أعلام هم علامات مضيئة مشعة في مجالنا الثقافي : بعضها رجال معرفة ينتجون المعرفة ونقد المعرفة في حقل التاريخ والفلسفة والمنطق واللغة (عبد الله العروي ،محمد عابد الجابري ، عبد الرحمان طه ،محمد مفتاح ، عبد القادرالفاسي الفهري إلخ ..) ومنهم باحثون أكاديميون يزودون المجال العلمي بدراسات راقية، مطلعون على الجديد ويتمثلونه ، ومن بين أفراد هذه الفئة من لهم حصيلة من الكتابة النقدية تعزز رصيدهم الأكاديمي (سعيد علوش ، سعيد يقطين ،محمد الداهي ، بنعيسى بوحمالة ، عبد الرحمن بنزيدان، رشيد بنحدو،البشير قمري.. إلخ ) ويمكن أن نضيف إليهم أسماء قليلة من خريجي الجامعة المغربية ممن لم ينخرطوا في الادعاء والدعائية ( عبد اللطيف محفوظ ، شعيب حليفي، محمد بوعزة ، عبد الرحمن التمارة ،إدريس الخضراوي ،حسن المودن ، عبد الجليل الأزدي إلخ )، لكن مع كل ذالك فالمشكلة قائمة بسبب عدم حرصهم على القيام بما يتطلبه النقد في مواكبة الظواهر التي لها أأثرها المباشر في المجال الأدبي ،أوترفعهم وهم يرون انعكاسات مشينة تطولهم على يد من يروج اسمه باستغلال مجهودهم ونسبته إلى غيرهم ..، والتقصير الواضح ينكشف حين يترفعون عن نقد الإنتاج الوطني ،بل يميل بعضهم إلى الترويج لأدب الأجانب ، وكأنهم تركوا النصوص المغربية لليتامى حتى يتعلموا حلاقة جلدهم ،في الوقت الذي يقرر بعضهم الصمت ، أو ممارسة الكذب النقدي بترويج أدب الفاشلين ، وتدبيج خطب في الملتقيات الساهرة..بلغة فقها ء الموغظة .الكاذبةوالتقصير الذي لا يغتفر هو التقصير الحاصل عن تجاهل النقاش والجدل الذي يتطلبه العمل المعرفي بمختلف جوانبه ، لذا فالمشكلة التي يعرفها النقد بالمغرب غير متعلقة بالنقد في ذاته بل هي مشكلة النقاد . مشكلة لها جانبان : جانب التقصير لدى من يملك القدرة ولا يضعها في خدمة المجال الثقافي ,وجانب يصدر عمن ليس مؤهلا للنقد ويمارس الخلط والعبث ونشر القيم الزائفة. والخلاصة هي أن المشكلة ليست مشكلة طموح من له نزوع النقد ، المشكلة مشكلة أخلاقية لها وجهان : وجه الواجب الذي يترتب عن الحق : ومن له الحق في النقد عليه أن يلتزم بما يلي ،حتى يكون طموحه مفهوما ومقبولا: أنه يتوجه بمكتوبه إلى قراء لهم حق في احترام المعرفة والحقائق التي يحتاجون إليها. أن من يدعي صفة الناقد عليه أن تكون النزاهة والموضوعية واجبتين كما هما واجبتان على كل من يصدر حكما. أن من يدعي أنه ناقد مغربي مطالب بمعرفة معنى ذلك ،ألا يكون قبليا أو عنصريا أو خصما يخاصم من لم يقرأه ولم يعرفه ، بل هو مطالب بأن يستقصي حتى يعرف كل ما تعرفه الثقافة المغربية من تجارب،، يمكن للناقد أن يختار وينتقي ، ولكن عليه أن يعتمد معايير وحججا يستدل بها ، لا أن يختار مزاجيا ، أو بقصد مغرض، تبعا لموقف عداء أو خدمة لهوى ليدهن" الشاقور" ( أي الفأس) بشحم االتزلف والزعامات والعموديات المزيفة ....
|