الكاتب: mdahi
|
حرر في السبت 03-03-2012 05:49 أ£أ“أ‡أپ
عرفتنا الدكتورة لطيفة في روايتها بأشكال مختلفة لحيوات نسوة شرقيات , منهن من رضخت للواقع وقبلت ان تكون جارية" لسي السيد" لا لأنها لا تريد التسيّد والحرية, بل لأنها لا تعرف سوى نمط واحد من العلاقات , العلاقات التي تكون المرأة على أساسها طباخة جيدة وأنثى تسعد زوجها وربما تزيد على ذلك بقدرة اكبر على الخياطة والتطريز .. واقع لم يتغير عن واقع الأمهات والجدات , والذي أصبح تراثا يقدس عند شعوب أصرت على عدم تغيير أي شيء , من التقاليد, الى الأفكار, الى طرق العبادة والقوانين التي لا تمت للحاضر بصلة بل هي تنظـّم وتهتم بمجتمع البداوة الضاج بالخيم والإبل وبيع وشراء الإماء والعبيد .. نزفت الدكتورة لطيفة في هذه الرواية ما عند المرأة من قهر , بأسلوب هادئ لا يحمل أية ثورة في الشكل , لكنه يحمل كل الثورات في النتيجة . بين دفات الكتاب يتعايش القارئ مع عمل المرأة في أماكن عديدة , فهو يعمل معها في المطبخ حتى يبلغ حد الملل من عمل المرأة, وباسلوب رتيب يجعلك بدون ان تشعر تنفر من بلاهة حيطان المطبخ حين تطبق على أحد , لقد نجحت الكاتبة في اذكاء حب التغيير بداخل القارئ بدون اية جمل ثورية , نجحت في ان تجعلك تصرخ من الأعماق بالرغبة بتحرير المرأة من العمل اليومي الممل , انها تدرك ما تكتب حينما تمنحك فرصا كثيرة لدخول عوالم النساء وأحاديثهن , تسمعك إسرارهن الصغيرة تثبت لك ضرورة العمل على توعية المرأة التي ترزح تحت ثقل قيودها في شكليات المودة وصفة المتلقي دوما , ترهقك تلك النسوة من بطلات الرواية اللواتي يتحدثن لساعات طويلة عن الأكلات والستائر وحاجات الأطفال الساذجة . ومع سبق الإصرار والترصد تقودك الرواية الي نظرة واقعية لترى المأساة بعينك وتعرف ان المرأة في العالم العربي لازالت غير محددة الهوية , ولازال هناك لبس وشك بإنسانيتها من خلال التصرف بها تحت مسميات الزواج وسواه, لتكون مثل حقيبة ترسل أحيانا للزوج عبر القارات ليستمتع بها او يركلها بعد ان يشبع فتعود جارة أذيال الكآبة والبكاء غالبا على صغار زغب حرمت منهم لتبكيهم طوال عمرها المختصر بكل شيء, منزوية تحت اسم مطلقة , لا تجرؤ على مواجهة السادة والسيدات الذين اعتبروها درجة ثانية في سلم النساء . يدخلك أسلوب الكاتبة بموجات ملل مقصودة , فهي هنا تستخدم ذات أسلوب المعيشة الممل لتلك النسوة القانتات والقارات في البيوت لصالح أعمال الرجل وراحته, يذكرك هذا بنجاح الأغنية التي تنسجم موسيقاها مع معنى الكلمات لتأخذك لعالمها وتبعدك عن الواقع هائما في زمنها دائرا بدائرة الشاعر منسجما مع رغباته وقضاياه. تسمعك أحاديثهن لساعات عن عمل الحلويات في المطبخ أو عن التطريز وترتيب الأثاث , نساء لا يمت أي شيء يفعلنه بعالم التطور الذي تمر به البشرية , مغيـّبات , مهمّشات في الظلمة وبين الجدران , تعودن ان يكن شيئا لإكمال حياة الرجل , بل حاجة ماسة لإسعاده . الدكتورة لطيفة حليم تسرد الأحداث وهي تهمس لك بين فترة وأخرى بمعلومة مفيدة تجعلك تتشظى حرقة على الفوارق المفجعة في عالم الشرق , وكل ذلك لتريك الفرق بين عالم المعرفة وعالم اللا معرفة , الفرق بين عالم يسير نحو النجوم واكتشاف خبايا الطبيعة , وعالم لازال قابعا بعيدا لا يشبه عالم العصر الا بمقتنيات مستوردة مشتراة من السوق .. لقد جردت الكاتبة لنا واقعنا العربي من أستاره وأحجبته لنراه على حقيقته , لاهثا وراء المظاهر التي استغرقته وجعلته عبدا لها , الشكليات , الطقوس , العادات , الموروثات , العيب , الفضائح , السمعة وكلام الناس , هو كل ما يهم مجتمعاتنا , اما العلم واستقلال الشخصية واتخاذ القرار الصائب وبناء الإنسان , فهو في إشكاليات ودوامات لم تحسم بعد , وان حسمت ففي المطبخ غالبا وعلى طاولة الطعام , لا أكثر من ذلك ... في دنيا جات سخرت الكاتبة من التخلف لكنها لم تفصح عنه بالكلمات , شعرنا به عن طريق سرد الأحداث والوصف دون المساس بمشاعر فئة او مجموعة , لمسنا ان هناك اعترافا بجهل المرأة الشرقية واستلابها من قبل المجتمع الذكوري اذ تبقى راضية بعبوديتها , كل هذا بدون ان تستعمل الكاتبة كلمات طنانة وجمل فلسفية وسياسية معقدة ,بل وصلنا له كنتيجة لقراءة الكتاب.. لقد أعطتنا الدكتورة لطيفة في روايتها الكثير ووضعت النقاط على أفعال وأحداث كبيرة سياسية كي تثبت ترابط الواقع الاجتماعي والسياسي , كاشفة عن عمق مأساة المجتمعات غير المستقرة في ظل أوضاع طبقية واجتماعية عالقة بلا حلول, حيث تنعكس كل المصائب السياسية على النسيج الاجتماعي لتمزقه وتعود به القهقرى لصالح حفنة من المنتفعين .. لقد كان نفس الكاتبة طويلا وصبرها واضحا من خلال دخولها في تفاصيل هي بمثابة المنمنمات الأثرية التي يصعب تجاوزها على صغرها , ففي عالم المرأة تمتزج الأفعال الصغيرة بالكبيرة لتخلق صورة خاصة بها وحدها , صورة لا يمكننا المرور بها على عجل حيث التطور يجبر البشر على عقد المواثيق الدولية مؤكدا إنسانية المرأة بالعدالة الاجتماعية والمساواة , صورة يقف أمامها العالم كله ليعترف في أهم هيئاته الدولية بضرورة اكتمال النظرة الحضارية للمرأة , فكيف بنا بعالم الشرق الساحر حينما تستعمل المرأة به مخدعها وأدوات زينتها لصناعة واقع آخر بعيدا عن العقل الذي تشرأب رقبته نحو الحضارة بكل مابها من حرية وعشق للحقيقة؟ .. دنيا جات رواية جديرة بالقراءة لانها تدخلنا العالم الذي نرى به جداتنا الراحلات قبل قرون يعشن معنا وبذات الإحساس بأننا أحياء . انه عالم انكشاف البراقع ورفع الأقنعة بكل صراحة ووضوح ...
|