جاذبية الواقع- د. عبد الله العروي
صدر للباحث والناقد الأدبي محمد الداهي عن دار الأمان بالرباط كتاب جديد باسم التشخيص الأدبي للغة في رواية الفريق لعبد الله العروي عام 2006 يتضمن تقديما وفصولا تعالج: الأشكال الأولية للسرد، التمفصلات الدلالية للزمن، التناص، اللغات الاجتماعية، اللغة الثالثة، إيحاءات، اسم العلم، ملاءمة الكلام في البنية العاملة. وقد تصدرت الكتاب شهادة للأستاذ عبد الله العروي كتبها في الثاني من نونبر 2004 تضيء بعض الجوانب المتعلقة بـ الفريق. وفي ما يلي هذه الشهادة:( عن الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 10-03-2006).
كان إدغار فور، السياسي الفرنسي المعروف عندنا بسبب دوره في عودة محمد الخامس إلى عرشه سنة 1955، يكتب روايات بوليسية تحت اسم مستعار. يفعل ذلك حتى لاتخدش مصداقيته كسياسي محترف.
وأنا أيضا اختفيت وراء اسم غير اسمي عندما نشرت أول عمل أدبي. ثم تخليت عن الاستتار تحت ضغط ناشر كان يجد صعوبة في تسويق كتاب لمؤلف مجهول الهوية.
أتأسف أحيانا لهذا الأمر: والباعث، على الأسف، ليس بالطبع حرصي على حماية سمعة سياسية أو أكاديمية، بل ما أشعر به من خيبة عندما أرى القارئ لايتناول أعمالي الأدبية بالبراءة المطلوبة يجهد ليجد فيها، ولو تعسفا وقسرا، مضمون مؤلفاتي الإيديولوجية والتاريخية.
يسألني الكثيرون: ماذا أردت أن تقول في اليتيم، في أوراق، في الفريق؟ ما أردت أن أقوله هو ما قلته فعلا، ما يفهمه القارئ جملة بعد أخرى. أما ما يعزى إلي من أفكار مسبقة، من دروس وعظات، لو كانت صحيحة لكنت قد سلكت الطريق الصعب.
سودت صفحات عديدة في مسائل فكرية، ثم عدت إليها لأشرحها، أبسطها، أتوسع فيها، كل ذلك بأسلوب تقريري صريح. ورغم الجهد المبذول أولت تأويلات متباينة. لو أفرغتها بعد هذا في أسلوب أدبي روائي، إيحائي بالتعريف، لكنت أضفت قناعا آخر فاتحا أبوابا جديدة للتأويل.
هدف القصة أو الرواية ليس تجسيد فكرة أو تلقين درس. قد تعرض فكرة أو يوجد درس لكن كمادة فقط. الهدف هو استمالة القارئ وإثارة شعوري.
لا أتذكر بالضبط متى خطر في بالي أن أروي قصة تكوين فريق رياضي. ربما لأني شاهدت، أنا المولع بالسينما، أشرطة أمريكية كثيرة، تتعرض لمثل هذا الموضوع. كان يستهويني دائما في هذه الأفلام دقتها التقنية• كنت تخرج من قاعة العرض وأنت ملم بقواعد الرياضة المذكورة، حتى الخاصة بالأمريكان كالبيزبول.
قلتُ في نفسي: هل أستطيع، وأنا أكتب باللسان العربي، أن أتبوأ مقعد المشاهد وأصف ما رأى دون إغراقه فيما ليس منه.
كان المشروع إذن، من البدء، تقنيا، بمعنى أن المراهنة كانت على اللغة والأسلوب. والتعامل مع اللغة، على مستوياتها المختلفة، هو الذي جعلني أنقاد كليا للواقع.
حددتُ الفترة الزمنية من 1968 إلى 1985، انغمست في الجرائد والمجلات التي كانت تصدر آنذاك، زرت الملاعب واستمعت باهتمام إلى تعاليق الجمهور، انكببت على الكتب التقنية المتعلقة بكرة القدم ساعدني في عملي التوثيقي هذا أنه صادف انعقاد دورة الألعاب المتوسطية في المغرب، كان الاهتمام كله موجها إلى الرياضة.
إلا أن الواقع متلألئ خداع، والواقع اللغوي أكثر من غيره، خذ الأعلام مثلا.
منذ البداية لفت انتباهي عدد اللاعبين على الميدان، أحد عشر بعد الحارس.
رقم ساحر، ما ذكرت بعض الأسماء ـ محمد، علي، الحسن ـ حتى استتبعت السلسلة كاملة، سلسلة الأئمة وكان الإغراء قويا أن أسحب مكارم الاسم على المسمى.
أنقذني من الخطأ هم الواقع بقيت أصداء من هذا الميل العابر قد تؤثر في شعور بعض القراء النبهاء.لا تنافي إذن بين الواقعية والرمزية، بل خطر الرمز كامن في الواقع المجرد. واجب الكاتب هو الممانعة• وهذه لاتتحقق إلا إذا شحنت الرواية بأكبر قدر ممكن من دقة وكمال الوصف.
هذا ما حاولته في رواية الفريق. لذا جاءت أطول من قصصي الأخرى.
أتذكر أني استفدت واستمتعت أثناء الإعداد ومدة الانجاز. أتمنى أن يستمتع ويستفيد القارئ بمطالعتها، إن هو تقبلها بكل بساطة كمغامرة في مجال اللغة ورحلة استكشافية في عالم الرياضة، رياضة الجسم الذي لايكذب•
كان إدغار فور، السياسي الفرنسي المعروف عندنا بسبب دوره في عودة محمد الخامس إلى عرشه سنة 1955، يكتب روايات بوليسية تحت اسم مستعار. يفعل ذلك حتى لاتخدش مصداقيته كسياسي محترف.
وأنا أيضا اختفيت وراء اسم غير اسمي عندما نشرت أول عمل أدبي. ثم تخليت عن الاستتار تحت ضغط ناشر كان يجد صعوبة في تسويق كتاب لمؤلف مجهول الهوية.
أتأسف أحيانا لهذا الأمر: والباعث، على الأسف، ليس بالطبع حرصي على حماية سمعة سياسية أو أكاديمية، بل ما أشعر به من خيبة عندما أرى القارئ لايتناول أعمالي الأدبية بالبراءة المطلوبة يجهد ليجد فيها، ولو تعسفا وقسرا، مضمون مؤلفاتي الإيديولوجية والتاريخية.
يسألني الكثيرون: ماذا أردت أن تقول في اليتيم، في أوراق، في الفريق؟ ما أردت أن أقوله هو ما قلته فعلا، ما يفهمه القارئ جملة بعد أخرى. أما ما يعزى إلي من أفكار مسبقة، من دروس وعظات، لو كانت صحيحة لكنت قد سلكت الطريق الصعب.
سودت صفحات عديدة في مسائل فكرية، ثم عدت إليها لأشرحها، أبسطها، أتوسع فيها، كل ذلك بأسلوب تقريري صريح. ورغم الجهد المبذول أولت تأويلات متباينة. لو أفرغتها بعد هذا في أسلوب أدبي روائي، إيحائي بالتعريف، لكنت أضفت قناعا آخر فاتحا أبوابا جديدة للتأويل.
هدف القصة أو الرواية ليس تجسيد فكرة أو تلقين درس. قد تعرض فكرة أو يوجد درس لكن كمادة فقط. الهدف هو استمالة القارئ وإثارة شعوري.
لا أتذكر بالضبط متى خطر في بالي أن أروي قصة تكوين فريق رياضي. ربما لأني شاهدت، أنا المولع بالسينما، أشرطة أمريكية كثيرة، تتعرض لمثل هذا الموضوع. كان يستهويني دائما في هذه الأفلام دقتها التقنية• كنت تخرج من قاعة العرض وأنت ملم بقواعد الرياضة المذكورة، حتى الخاصة بالأمريكان كالبيزبول.
قلتُ في نفسي: هل أستطيع، وأنا أكتب باللسان العربي، أن أتبوأ مقعد المشاهد وأصف ما رأى دون إغراقه فيما ليس منه.
كان المشروع إذن، من البدء، تقنيا، بمعنى أن المراهنة كانت على اللغة والأسلوب. والتعامل مع اللغة، على مستوياتها المختلفة، هو الذي جعلني أنقاد كليا للواقع.
حددتُ الفترة الزمنية من 1968 إلى 1985، انغمست في الجرائد والمجلات التي كانت تصدر آنذاك، زرت الملاعب واستمعت باهتمام إلى تعاليق الجمهور، انكببت على الكتب التقنية المتعلقة بكرة القدم ساعدني في عملي التوثيقي هذا أنه صادف انعقاد دورة الألعاب المتوسطية في المغرب، كان الاهتمام كله موجها إلى الرياضة.
إلا أن الواقع متلألئ خداع، والواقع اللغوي أكثر من غيره، خذ الأعلام مثلا.
منذ البداية لفت انتباهي عدد اللاعبين على الميدان، أحد عشر بعد الحارس.
رقم ساحر، ما ذكرت بعض الأسماء ـ محمد، علي، الحسن ـ حتى استتبعت السلسلة كاملة، سلسلة الأئمة وكان الإغراء قويا أن أسحب مكارم الاسم على المسمى.
أنقذني من الخطأ هم الواقع بقيت أصداء من هذا الميل العابر قد تؤثر في شعور بعض القراء النبهاء.لا تنافي إذن بين الواقعية والرمزية، بل خطر الرمز كامن في الواقع المجرد. واجب الكاتب هو الممانعة• وهذه لاتتحقق إلا إذا شحنت الرواية بأكبر قدر ممكن من دقة وكمال الوصف.
هذا ما حاولته في رواية الفريق. لذا جاءت أطول من قصصي الأخرى.
أتذكر أني استفدت واستمتعت أثناء الإعداد ومدة الانجاز. أتمنى أن يستمتع ويستفيد القارئ بمطالعتها، إن هو تقبلها بكل بساطة كمغامرة في مجال اللغة ورحلة استكشافية في عالم الرياضة، رياضة الجسم الذي لايكذب•