حرر في الأربعاء 02-06-2010 06:07 أ£أ“أ‡أپ
أ- يمثل محمد مفتاح ذاتا متطورة تتفاعل إيجابا مع المستحدثات المعرفية والمنهاجية، وتحرص، في الآن نفسه، على مراعاة مقتضيات الواقع وخصوصيته. و يشكل كل صرح من مشروع محمد مفتاح ثمرة تفاعله مع وتيرة تغير المعرفة وانتقالها من إبدال إلى آخر. وهكذا تدرج فكره ونقده عبر محطات يتداخل فيها الوظيفي والدينامي والنسقي والمعرفي والثقافي. ب- يجمع محمد مفتاح بين التكوينين العربي والغربي. فعلاوة على إلمامه وإحاطته بعلوم اللغة العربية، فهو بذل جهودا جُلى من أجل استيعاب الثقافة الغربية، وتكييفها مع مقتضيات الواقع. لقد حفزته هذه الازدواجية المرنة على إقامة مقارنات ومقابلات بين مختلف الثقافات التي تفاعلت معها الثقافة العربية، وذلك بهدف التدليل على وجود ثوابت مشتركة ، وإثبات درجات تحقق المثاقفة بالنظر إلى مواقع الأشخاص ومؤهلاتهم. ج-يحمل محمد مفتاح مشروعا نقديا ومعرفيا مفتوحا على آفاق متعددة، ومحققا تراكمات هائلة، وممتدا ، في رحابته وسعته، عبر لحظات ومراحل مختلفة. تولد هذا المشروع من بذرة النقد المهموم بقراءة النص في منأى عن الاختزالية والإسقاط، ثم سرعان ما تفرع شعبا وفروعا تجسد رؤية باحث وناقد أصيل يبحث عن التماثل لإقامة الجسور بين مختلف الشعوب، وحفزها على التعاون والتآزر عوض التطاحن والتنابذ. د- كان محمد مفتاح من السباقين الذين انخرطوا في ثورة هادئة ضد النزعة البنيوية المحايثة، واستلهموا أدوات من مناهج جديدة تراهن على إقامة تفاعل دينامي بين النص وكاتبه ومحيطه وقارئه. وما يهمني في هذه المداخلة المقتضبة هو بيان الثوابت العامة التي احتكم إليها الباحث محمد مفتوح في مشروعه النقدي الغني والرحب. أ- التعدد المنهجي: تبنى محمد مفتاح المقاربة المتعددة رغم مشاقها شساعة امتداداتها لدواع كثيرة يرد في مقدمتها السعي إلى مقاربة مكونات الظاهرة الأدبية أو الثقافية في شموليتها ونسقيتها وتشابكها. ومما أهله إلى ذلك تكوينه العلمي الرصين، وزاده المعرفي الثر، وتسلحه بالأسئلة الابستمولوجية الملائمة. وقد حتم هذا الاختيار على محمد مفتاح الانفتاح على حقول معرفية متعددة ( علم النفس المعرفي والذكاء الاصطناعي والنظرية الكارثية والمنطق والبلاغة وفلسفة الذهن، الأناسة الثقافية المعرفية، وعلم الموروثات، وعلم الآثار.) والإفادة من مناهج متنوعة (سيميائية باريس، ودليلية بورس، والتداولية، والهرمنطيقا، والنسقية..). تراعي المناهج المعتمدة إضاءة النص من الجوانب الآتية: • مقتضيات الأحوال : وتتجلى عموما في توظيف مفاهيم من قبيل :المقصدية، والتكييف، والفطريات ، ضبط قواعد التأويل، التعبير عن ثوابت كونية). • دينامية النص: وتتجسد عموما في مفاهيم كثيرة نذكر عينة منها، وهي : تنمية النواة الدلالية، والسالبية، والتماسك، والتوازي، والتشعب، والتشاكل، والحوار الداخلي، والصراع، والتدريج ، والتشابه). • االمبادئ الكلية والخاصة لبيان فرادة الخطاب وخصوصيته، وتمييز الشعر الراقي ( ما تتناغم جميع عناصره في بنية متراصة) من الشعر العادي(ما يبرز عنصرا على حساب عناصر أخرى). • الانتظام: بين محمد مفتاح سمة الانتظام في بنية النص بمستويه الظاهر (اتساق النص وتماسكه) والباطني ( البنيات العميقة المشتركة)، وفي الكون على الرغم من اختلافه الظاهر. ويرى محمد مفتاح في هذا الصدد أن الإنسان مزود بكفايات ذهنية تتطلب محيطا ملائما لإبرازها واستخدامها في مشروعه الثقافي والتنموي. ومن بين المفاهيم التي يوظفها محمد مفتاح في هذا الصدد، نذكر أساسا: القياس، والترتيب، والاستحالة، والاتصال، والسريان... ب- النحت والتوليد: توخى محمد مفتاح من تشريح المفاهيم تجنب الآراء والاختزالية، والمراهنة على الحقيقة الواقعية للتقدم في العلم، وتأسيس معايير اجتماعية، ونشر تقاليد جمالية في إطار من المسؤولية والحرية. ومن بين الأمور التي ارتكز عليها في نحت المفاهيم وتوليدها نذكر أساسا ما يلي: النحت ( الحقملة والنصنصة) والمقارنة ( أقامة المقارنة بين ظاهرتين متماثلتين أو متباينتين) والتدريج (تجاوز الثنائيات المختزلة) والتحديد ( على نحو التعاريف التي اقترحها محمد مفتاح للتطابق والتحاذي والتداخل..)..الخ.
ج- دينامية التأويل: يستفيد محمد مفتاح من مراجع مختلفة لفهم التأويل من زويا متعددة، وضبطه حتى يصبح عنصرا أساسيا في تفادي الفتن وتعزيز التفاعل الدينامي والإيجابي بين شعوب تتقاسم القيم و التمثلات نفسها. ومما يشترطه محمد مفتاح في التأويل ما يلي: • أن يُحتكم فيه إلى المجال التداولي لمراعاة مقتضيات الأحوال وتقلباتها. • أن يكون التأويل مستندا إلى مشروع فكري وفلسفي. وفي حال العكس فسيغدو مجرد مادة استهلاكية أو لهو ولعبا يشغل عن الحياة الدنيا وعن الآخرة. • أن يُضبط بقواعد وأحكام تفاديا للهذيان أو الهذر الذي لا يتعسف على النص فقط، وإنما يؤثر سلبا على وحدة الأمة وتماسكها. • أن يُنتقل فيه من الثنائيات المعتادة والمستهلكة إلى رباعيات أو سداسيات بل إلى رباعيات تسعف على مقاربة معاني الظواهر الثقافية في مختلف أنساقها اللغوية وغير اللغوية وعبر اللغوية، وفي مختلف تجلياتها التأريخية والثقافية والجمالية. ويعتمد المؤول على استراتجية قرائية ملائمة لاستنباط المعنى من النص والظفر بمغازيه وأبعاده. ومن ضمن هذه الاستراتجيات نذكر: الاستراتجية التصاعدية (من الخاص إلى العام) والاستراتجية التنازلية(من العام إلى الخاص) والاستراتجية الاستكشافية( الانطلاق من مؤشرات نصية) والاستراتجية الاستقياسية ( إقامة المشابهة للربط بين المعروف واللامعروف ) والاستراتجية الاستدوانية ( تشمل القراءتين التصاعدية والاستكشافية) والاستراتجية الاستئطارية ( تحوي القراءتين الاستقياسية والتنازلية). د-استئصال آفة التطاحن: أكبَّ محمد مفتاح على إثبات تماثل آليات التفكير البشري عند شعوب تتقاسم بنيات ذهنية مشتركة ( على نحو دول حوض البحر لأبيض المتوسط)، والتدليل على وجود علائق وصلات بينها تعزز تعاونها وتآزرها، وتقلل من تورطها في نزعات دينية وعرقية، وتحفز ناشئتها على روح المسؤولية والحوار والتسامح. ومن بين الموضوعات المتشابهة التي تقوم عليها فلسفة التماثل نذكر أساسا : مكانة الإنسان في الكون، والزمان الدائري، ونهاية العالم، ومسألة التوحيد. وبالمقابل، تتمثل الصور المختلفة في تباين نظر مختلف الديانات السماوية حول مسألة التصوير.
نص الكلمة التي ألقيتها يوم السبت 31 أكتوبر 2009 في إطار الجلسة الفكرية التي نظمها محترف الكتابة وحلقة الفكر المغربي بفاس احتفاء بتجربة الباحث الناقد الدكتور محمد مفتاح في تأصيل البحث والنقد العربيين.
|