|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المشروع السيرذاتي لعبدالرحمن بن خلدون=د.محمد الداهي
ننطلق، في هذه المداخلة ( ألقيتها بتونس والقيروان خلال ملتقى دولي حول ابن خلدون " ابن خلدون: منابع الحداثة" من 13 إلى 19 مارس 2006.)، من افتراض مفاده أن ابن خلدون من المسهمين في ابتداع الكتابة السيرْذاتية، والانخراط في مشروعها بوعي. وهكذا تتحدد الحداثة، في هذا السياق، بوصفها سؤالا مراهنا على الابتكار والمغايرة، وأداة مسعفة ، في الآن نفسه، على إعادة قراءة التراث في ضوء متغيرات التراث نفسه، والمستحدثات المعرفية والمنهجية وهذا ما يقتضي عدم وضع التراث على السرير "البروكستي"([1])، وإسقاط أحكام جاهزة عليه. كما يستدعي الانطلاق من متونه لبناء المفاهيم والتصورات التي تنسجم مع بنياتها ووظائفها، وتراعي سيرورتها وخصوصيتها وظرفيتها التاريخية
1-إعادة تجنيس الكتاب:
يجزم أخصائيون غربيون ( على نحو جورج غوسدورف وجورج ماي ) بأن السيرة الذاتية شكل من أشكال التعبير تختص به الثقافة الغربية، ويعتبرون السيرة الذاتية التي ظهرت خارج أوروبا الغربية ضربا من الشواذ الذي لا يقاس عليه. في حين أن العرب-كغيرهم من الأمم- أنتجوا نصوصا سرذاتية قبل أن يتوطد المصطلح حديثا. ولما نستعرض عناوينها نجدها كثيرة تشكل ظاهرة أدبية تستحق أن تُعالج لفهم طبيعتها وخصوصيتها. فعينة منها جاءت متفرقة في أهم المصادر العربية. وعينة أخرى وردت في شكل كتاب مستقل.
أجمع النقاد والمحللون العرب على كون السير العربية القديمة تعطي الأولوية للتكون الفكري على حساب جوانب أخرى تهم تجارب الذات في الحياة وموقفها من صروف الدهر وتقلبات اليومي. وغالبا ما كان ينظر إلى استبعاد هذه الجوانب على أنه من السلبيات التي تخللت الكتابة السيرذاتية العربية القديمة، وحالت دون اكتمال مكوناتها و نضجها. في حين نرى وجهة أخرى مفادها أن ثلة من كتاب السيرة الذاتية العربية كانت تسهم في ترسيخ لون جديد من الكتابة عن الذات، ما فتئت دائرته، مع مر الأيام، تتسع على المستوى العربي والغربي حتى أصبح ظاهرة أدبية تستحق المساءلة والتجنيس. و يصنف هذا اللون من الكتابة في خانة السيرة الذاتية الذهنية أو الفكرية." ويعمل الكاتب في سيرته الذهنية على استرجاع أطوار حياته الفكرية والثقافية مبينا ما قطعه من مراحل، وما اعترضته من عراقيل ومصاعب، وما عاشه من ترددات وتقلبات واضطرابات، وما متحه من الروافد الثقافية والتيارات الفكرية والإيديولوجية المتباينة"([2]). وما يلفت النظر أن الكتاب يكونون أحيانا سباقين لابتداع أشكال أدبية جديدة. ثم يأتي النقاد والأخصائيون في الشعريةLes poéticiens بعدهم لإبراز خصوصياتها ، وتشريح بنياتها، وإبراز طبيعتها ووظيفتها، والبحث عن ثوابتها ومتغيراتها. ولما نعود إلى متن السير الذاتية الذهنية، قديمها وحديثها، يتضح أن أصحابها كانوا واعين بأنهم يسهمون في تشكل كتابة جديدة تنكب أساسا على رصد وتتبع مسارهم الفكري، وبيان السبل التي سلكوها لإثبات ذواتهم ، والدفاع عن وضعهم الاعتباري داخل المجتمع.
وما حفزنا على تصنيف كتاب التعريف ضمن هذا الجنس هو اضطلاع مؤلفه بسرد حياته الفكرية لإعطاء صورة عن ذاته، وإعادة الاعتبار لها. وهذا ما لمح إليه إيف لا كوست في قولته الآتية:" فقلد كرس سيرة حياته [ ابن خلدون] فصولا طويلة لمراحل تكوينه الثقافي، محددا أصولها و أهليتها، واصفا بالتفصيل المعارف التي هضمها تدريجيا"([3]). و في السياق نفسه يقول طه حسين : " لم يقل [ ابن خلدون] لنا في ترجمته شيئا عن تربيته الحقيقية، بل التزم الصمت التام إزاء حداثته وحياته العائلية. على أنه عني بالإفاضة في تعلمه، وفي الكتب التي درسها في مختلف العلوم التي كانت تدرس حينئذ في تونس"([4]). لقد بين الباحثان طبيعة المحتوى الذي يميز سيرة ابن خلدون، ولم يحددا الطريقة المتبعة فيها للاقتصار على مادة حكائية دون غيرها. إن عدم الوعي بهذه الطريقة جعل طه حسين يحاسب ابن خلدون على التزامه الصمت إزاء ما يندرج-حسب تعبير ميخائيل نعيمة- في "الحياة الخاصة" ( تربية ابن خلدون الحقيقية، حداثته، حياته العائلية). مع العلم أنه نهج طريقة مغايرة تتعلق بإماطة اللثام عن "حياته الفكرية".
لقد تحكم النزوع الفكري في تحريك أحداث سيرة ابن خلدون على تشعبها واختلافها. فهو الذي حفز الكاتب ، في عنفوان شبابه، على الارتحال من منْبت نبْعته للحاق بشيوخ بني مرين بفاس رغبة منه في ملء الفراغ الذي خلفوه بعد رحيلهم. ولما نتفحص الكتاب نجد أن ابن خلدون يركز أساسا على الجانب الفكري دون غيره. ولما يحس بأن العنان ينفلت من بين يديه، يحكم زمامه من جديد خشية أن يتشعب السرد خارج الإطار الذي رسمه لنفسه وهو التعريف بمساره التعليمي والفكري." ولم أزل منذ نشأت، وناهزت مُكبا على تحصيل العلم، حريصا على اقتناء الفضائل، متنقلا بين دروس العلم وحلقاته" ([5]). "وفرغت نشأتي في الاشتغال بالعلم تدريسا وتأليفا"([6])." ما زلت منذ العزل عن القضاء الأول سنة سبع وثمانين مُكبّا على الاشتغال بالعلم، تأليفا وتدريسا"([7]). " لما رجعت من قضاء الفرض سنة تسعين، ومضيت على حالي من التدريس والتأليف"([8])." وتفرغت لتجديد ما كان عندي من آثار العلم"([9]).
وبالجملة، فهو لا يذكر أهله إلا لصرفهم أو جمع شملهم. ولما يتخلف بعدهم أياما لقضاء أغراض شخصية أو عائلية يكتفي فقط بالتلميح إليها دون الدخول في تفاصيل " الحياة الخاصة" وما يتعلق بها. " انصرف بهم العرب إلى أهليهم، وتخلفتُ بعدهم لقضاء بعض الأغراض واللحاق بهم"([10])." وارتحل (أبو بكر بن غازي) راجعا إلى المغرب؛ وتخلفتُ بعده أياما عند أهلي ببَسْكرةَ"([11]).
2-المحكي الذاتي:
تتميز السيرة الذاتية –على نحو باقي الأجناس والأنواع الأدبية المنتسبة إلى الأدب الشخصي La littérature personnelle- بكونها شكلا ذاتي-حكائيا autodiégétique يهم جانبا من العلاقات الممكنة بين السارد والقصة. فهو لا يعتبر فقط مشاركا فيها وإنما أيضا ملتحما بدقائق أحداثها وتفاصيلها. كما أنه يشكل صحبة المؤلف والشخصية الرئيسية كينونة واحدة تتشخص معالمها من خلال العلاقة الجدلية التي يقيمها النص مع ذاته وخارجه. يرتكز ابن خلدون في نسج خيوط المحكي-الذاتي على المقومات الآتية:
ا-الوعي بالمشروع السيرذاتي: يتضح من خلال عنوان الكتاب أن ابن خلدون يتغيا إبرام ميثاق مع قارئ مفترض حول تجنيس الكتاب وطبيعة محتوياته والمقصدية المتحكمة فيه، و يبين له سعيه إلى الانخراط في مشروع سيرذاتي للتعريف بذاته، وتقديم صورة عن نفسه، وبيان ما جرى له خلال ارتحاله في مغرب الأمة العربية ومشرقها. وهو ليس شخصا مغمورا حتى يحتاج إلى التعريف بذاته، وإنما اضطر إلى ذلك " لإحلال صورة صحيحة محل صورة يعتبرها مشوهة"([12])
ب-وضعية المؤلف: بالإضافة إلى أن الصيغة الأصلية لعنوان الكتاب تتضمن تطابقا بين المؤلف الحقيقي ( ابن خلدون) والمؤلف الضمني ( مؤلف الكتاب)؛ فهي –أيضا-تحيل إلى تماثل المؤلف والسارد والشخصية الرئيسية ." من الطبيعي أن يتساءل كاتب السيرة الذاتية ببساطة: من أنا؟"([13]). يتطلب هذا السؤال إبراز وضعية ابن خلدون الذي يحيل اسمه إلى شخصية واقعية ومعروفة، ويتماهى مع السارد الذي فوض له مهمة استرجاع أطوار حياته الشخصية، ومع الشخصية الرئيسية التي كلفها بتحيين ما اضطلع به من أفعال وما اتخذه من مواقف في ظروف مختلفة. " ينبغي ، من خلال اسم العلم، موضعة مشاكل السيرة الذاتية. إن التلفظ، في النصوص المكتوبة، يتحمله شخص اعتاد أن يثبت اسمه على غلاف الكتاب"([14]). لكن يوجد طرفان يمثلان قناعين له، ويتقاسمان معه مهمة التلفظ على درجات متباينة إلى حد ما. أحدهما سارد يتحدث باسمه ، وثانيهما شخصية تحمل اسمه ،وتمثل صورته، وتسعى إلى نقل ما وقع له فعلا طوال حياته.
ج- وضعية التلفظ: يسترجع ابن خلدون أطوار حياته بضمير المتكلم. ومن فينة إلى أخرى، يستعمل الضمير الدال على الجماعة (نا) لإبراز مدى مشاركته في بعض الأحداث التي جمعته بأشخاص آخرين. وفي كلا الحالين فهو لا يسعى فقط إلى سرد أحداث ذات دلالة معينة، وإنما كذلك تقديم صورة الأنا بكل أبعادها الوجودية والرمزية. ويدعم ابن خلدون الميثاق المرجعي Le pacte référentiel لبيان أن ما يتلفظ به حقيقي وعاشه فعلا." فكل ما يُحكى ليس مجرد محتمل الوقوع، وإنما هو مشابه للحقيقة. ليس أثر الواقع بل صورة للواقع"([15]).إن هذا الإدعاء قد ينطلي على القارئ الساذج لتصديقه. لكن القارئ اليقظ يتحوط منه بدعوى أن الكتابة لا تنسخ الواقع، وأن المتلفظ يستخدم ألاعيب مختلفة ( على نحو لعبة النسيان، وأساليب التمويه، الاستهامات الشخصية، الفجوات والثغرات السردية) لإخفاء الحقائق وتمويهها، وإضفاء طابع التخييل على الواقع خدمة لأغراضه ومآربه الشخصية.
3-نظام السرد: يسترجع ابن خلدون حياته الشخصية معتمدا على الضوابط الآتية:
ا- انحسار محكي الطفولة: ما يلفت النظر في سيرة ابن خلدون- مقارنة مع سيرذاتية عربية قديمة- أنها لا تهتم بمرحلة بعينها من حياة السارد، وإنما ترصد مختلف مراحل نمو شخصيته من ما قبل ولادته إلى ما قبل وفاته بأشهر معدودة. إن تركيز ابن خلدون على مساره الفكري جعله لا يثبت في محكي الطفولة إلا ما يمت بصلة إلى الجانب التعليمي والتربوي. ورغم محدودية الحيز الذي يشغله هذا المحكي داخل السيرة الذاتية، فقد أسهم في إضاءة المراحل التعليمية اللاحقة وتعاقبها على نحو يبين مدى كلف السارد – منذ نعومة أظفاره- بتحصيل العلم والتتلمذ لشيوخ أفذاذ والإفادة من علومهم. إن معالم محكي الطفولة لم تتضح على نحو يبرز التنشئة الاجتماعية للسارد/ الطفل وطبيعة العلاقة التي كان ينسجها مع أسرته ومحيطه الاجتماعي. فهي لا تضيء إلا جوانب تربوية محدودة جدا، ثم سرعان ما تندغم في مراحل عمرية لاحقة، أصبح السارد، بمقتضاها، قادرا على ملازمة مجالس الحديث والعلوم العقلية والمنطق والفقه والأدب واللسان.
ب-الرحلة الاضطرارية: كان ارتحال ابن خلدون من مكان إلى آخر، على وجه العموم، اضطراريا؛ إذ أملته ظروف معينة، وتحكمت فيه مطامح الحكام وأهواؤهم. ومع ذلك كان ، من فينة إلى أخرى، يجد هامشا رحبا في الترحال من تلقاء نفسه إرضاء لرغباته ونزواته الشخصية ([16]). وما يسترعي الانتباه في مختلف مفاصل رحلته وتقلبات أطوارها هو تواتر فعلين ( يستقدمني، يستدعيني) يبينان أن جهة ما تطلب منه، على وجه الاستعلاء، الاستجابة لطلبها الملح للإفادة من رأسماله الرمزي وخبرته الواسعة في حل معضلة ما. وكان يلبي الدعوة على مضض خوفا من الانتقام والتنكيل، وحفاظا على مكانته وصحابته. بما أن أبا عنان كان حريصا على انتقاء طلبة العلم للتحليق بمجلسه، فقد استدعى ابن خلدون لما يتوفر عليه من مؤهلات علمية ومعارف غزيرة. رغب ابن خلدون في الذهاب إلى تلمسان عند أبي حمو لكن الوزير عمر صده عن ذلك. ولما تدخل الوزير مسعود بن رحو بن ماساي أذن له في الذهاب إلى أي مكان غير تلمسان، فاختار شد الرحال إلى الأندلس. ولما استولى الأمير عبد الله على بجاية استقدم ابن خلدون لشغل أعلى منصب في الدولة وهو الحجابة اعترافا بمؤهلاته وتنويها بذكره. أرغمته دعوة السلطان أبي حمو- ثم من بعده السلطان عبد العزيز- على الخروج من خلوته لاستئلاف قبائل رياح. وشد ابن خلدون الرحال صحبة أهله وولده إلى فاس استجابة لدعوة السلطان عبد العزيز. وما أن أدركوا مليانة حتى تناهى إلى سمعهم خبر وفاته. ولما وصلوا إلى فاس شملتهم عناية وحفاوة أبي بكر بن غازي القائم بدولة بني مرين. وأُكره ابن خلدون، فيما بعد، على مغادرة الأندلس إلى العدوة تخوفا من توطد العلاقة بين السلطان ابن الأحمر والأمير عبد الرحمن. ونزل ابن خلدون بهنين والجو مظلم بينه وبين أبي حمو على إثر تألب العرب عليه بالزاب. لكن هذا الأخير بحث عنه لتكليفه بمهمة استئلاف الدواودة. استجاب ابن خلدون لطلبه ظاهريا مخفيا رغبته في التخلي عن الشواغل كلها والإكباب على العلم والتأليف. وهذا ما وفره له أولاد عريف الذين أنزلوه صحبة أهله وولده بقلعة ابن سلامة. أمره السلطان أبو العباس صاحب تونس بالسفر معه إلى تبِسَّة ، فخرج معه على مضض " فسارعت إلى الامتثال، وقد شق ذلك علي، إلا أني لم أجد محيصا [عنه]"([17]). واضطر ابن خلدون على مغادرة تونس متذرعا بقضاء فريضة الحج ،وذلك لقطع دابر مناورات الخصوم الذين كانوا يدبرون لتعكير صفو العلاقة القائمة بينه وبين السلطان. واستدعاه الأميردواداره يِشْبَك للسفر معه إلى الشام لمواجهة الططر. أبدى ابن خلدون امتعاضه من الطلب لكن استجاب له بعد أن عامله السلطان فرج بلين القول وكياسة وجزيل الإنعام.
ج-المفارقات الزمنية:
تتخلل السرد استطرادات عالمة ( وقائع تاريخية، تأملات فكرية، نصوص واصفة تهم الأدب والنقد وأساليب الحكم) وأجناس متخللة ( التراجم، الشعر، الرسائل) قد نتوهم من خلالها بتعطل الحدث الرئيس ( استرجاع ابن خلدون لحياته الشخصية) وإبطاء التتابع الكرنولوجي للأحداث. في حين لما نتأملها مليا نلاحظ أنها تضيء بعض الجوانب الداجية في حياة المؤلف، وتبين موقفه من بعض الوقائع المعيشة، وتحدث تقاطعا بين ما هو شخصي وعمومي. وقد أسهمت هذه المحكيات –على اختلاف أشكالها وأصنافها- في تفرع المستويات الحكائية Les niveaux narratifs وتنوع المفارقات الزمنية Les anachronies. فيما يخص المستويات الحكائية نلاحظ أن المحكي المؤطِّر ( تتبع حياة الناظم الذاتي على المستوى الحكائي الخارجي extradiégétique) يتضمن محكيات مؤطَّرة ( ما يندرج داخل المستوى الحكائي الداخلي intradiégétique) تتضطلع من خلالها الفواعل الذاتية بالصدع بمواقفها إزاء ما يموج به الواقع من أحداث، وملء ثغرات السرد وفُرجاته بمعلومات وأخبار تم إغفالها أو نسيانها). أما على مستوى المفارقات الزمنية، فإن السرد الأصلي تتخلله استرجاعات ([18])Analepses والاستبقات Prolepses([19])، ومختلف ضروب الحذف([20]) Ellipses والحذف المؤجل ([21])Paralipses والتكرار([22]). وهذا ما نجم عنه تنافر واختلال بين ترتيب القصة ( التتابع الطبيعي لأحداث السيرة الذاتية) وبين ترتيب السرد ( طريقة سرد الأحداث)([23]).
د-كرنطوب العتبة: مر ابن خلدون بفترة عصيبة بعد مقتل الأمير عبدالله صاحب بجاية. عاش خلالها مخاض التخلي عن الوظائف السياسية التي لم يجن منها إلا محننا متتالية شملت حتى أفراد أسرته. وقد قضى هذه الفترة –التي امتدت عشر سنوات (767/776هـ)- منعزلا عند ابن مزين ببسكرة وعند رباط الوالي أبي مدين. ومن الفينة إلى الأخرى كان-كما مر معنا- يضطر إلى الخروج من خلوته لتأليف القبائل. وبما أنه مل هذا النوع من العمل السياسي، فقد كان يتحين الفرصة المناسبة للتخلص منه. فبدل أن يتوجه إلى قبائل الدواودة لحثها على الميل إلى أبي حمو، قصد طريقا آخر أفضى به إلى قلعة ابن سلامة التي قضى فيها أربع سنوات منشغلا بالتأليف، ومستمتعا بالقرار والدعة. فهي تمثل بالنسبة له " كرنطوب الأزمة وانقلابا في الحياة". ويحتمل كرنطوب العتبة" معنى استعاريا لكونه يقترن بتغير مفاجئ، وبأزمة، وبقرار يغير مجرى الوجود ( أو عدم اتخاذ القرار، والخوف من اجتياز العتبة)"([24]). لقد أفضى التفكير العميق والهادئ بابن خلدون إلى مراجعة نفسه، واقتراح الحلول الناجعة للانصراف كلية عن الوظائف السياسية. وهكذا نجم الكرنطوب حدوث تحول حاسم في حياة ابن خلدون . ويتمثل أساسا في الانتقال من الرغبة في تقلد مناصب سياسية سامية إلى الإكباب على المطالعة والتأليف، ومن استساغة العلوم العقلية إلى التأثر بالنزعة الصوفية، ومن الوعي السياسي الذي مكنه من معرفة دواليب الحكم والخوض في أحوال الملوك إلى الوعي التاريخي الذي مكنه من فهم طبائع العمران وإدراك دور عصبية النسب أو الولاء في تقدم الدول وانحطاطها. " ولم يكن هذا الوعي التاريخي الذي هيمن على تفكير ابن خلدون وليد تفلسف أو استغراق في التفكير، بل كان نتيجة ممارسة شخصية وظروف موضوعية ، لا بل نتيجة اندماج الذاتي في الموضوعي في تجربته اندماجا جعل كلا منهما يفسر الآخر ويكمله"([25]).
ه-الضبط الذاتي: من خلال سيرورة السرد يتضح أن ابن خلدون كان واعيا بأن الاستطرادات، أحيانا، تخرجه عن الغرض المتوخى من الكتاب. ومع ذلك كان، على وجه العموم، يتحكم في دفة ما يرويه مانحا له منزلة خاصة ومضفيا عليه دلالة جديدة داخل المحكي المؤطِّرLe récit encadrant. ويقدم أحيانا تعليلا للقارئ المفترض لبيان أن توظيف محكي مؤطَّر ليس حشوا وإنما يندرج في إطار استراتجية حكائية محددة. وذلك على نحو ما هو مبين في القولة الآتية التي صدر بها المحكي الموسوم ب "فتنة الناصري" : " وسياقةٌ الخبر عنها بعد تقديم كلام في أحوال الدول يليق بهذا الموضع، ويطلعك على أسرار في تنقل أحوال الدول بالتدريج بالضخامة والاستيلاء، ثم إلى الضعف والاضمحلال، والله أبلغ أمره"([26]). فمن خلال هذا التصدير يتبين أن ابن خلدون لا يعتبر ذلك المحكي الموطَّرLe récit encadré فصلا زائدا، وإنما اقتضاه السياق الذي يلائم بعض محتويات المتن الحكائي، ويسعف القارئ على فهم دور عصبية النسب والولاء في تنقل الدول تدريجيا من حالة القوة والاستيلاء إلى حالة الضعف والانحلال.
ففي خضم تناسل الاستطرادات حافظ محكيان ( محكي معنون ب"فصل"([27]) ومحكي آخر موسوم ب" سفر السلطان الناصر فرج إلى الشام لمدافعة الططر"([28])) على استقلاليتهما من الزاوية التلفظية ( انتفاء ضمير المتكلم) والزاوية الموضوعاتية ( الإيهام بإثارة مواضيع خارج عن الغرض العام للكتاب). ولما نفحص منزلتهما داخل بنية الكتاب نلاحظ أنهما ينسجان علاقات مع باقي العناصر بواسطة عملية الضبط الذاتيL’autoréglage ، التي تسعف البنية على ضبط ذاتها، والحفاظ على تماسك مكوناتها وانتظامها.
لا يمكن أن يُفهم المحكي الأول ( فصل) إلا في علاقته بما سبقه. لم يتقصد فقط ابن خلدون من إدراجه بيان القيمة الجمالية التي يحظى بها أسلوب ابن الخطيب ، والتدليل على أنه "لا يهتدى فيها بثمل هداه"([29])؛ بل أيضا إثبات عمق الصداقة التي تجمعه به بعد أن تناهى إلى سمعه السر المكنون الذي أذاعه عبد الله الشقوري، ورد الاعتبار له بعد أن ساءت علاقته مع السلطان ابن الأحمر وفراره إلى تلمسان. لا يعتبره ابن خلدون مجرد صديق حميم وإنما يحله محل الوالد الذي يذهب أبعد الغايات في تعظيمه والثناء عليه، ويضعه في مرتبة النموذج الذي ينبغي اقتفاء أثره والإشادة بمناقبه.
ويعتبر المحكي الثاني ( سفر السلطان الناصر فرج إلى الشام لمدافعة الططر) تمهيدا موضوعيا للفصل الذي يليه. فهو يسلط الضوء على سوابق الططر ( التعريف بنسبهم وسلالتهم وسلاطينهم، وبيان صراعهم مع العرب) الذين استجمعوا قوتهم من جديد على يد تمر، فسيطروا على مناطق كثيرة (الهند، العراق، أرمينية، أرزنكان، سيواس..) بما فيها حلب . فلما وصل خبر ما أحدثوه في هذه المدينة من نهب ومصادرة واستباحة الحرم إلى مصر، قرر فرج ابن الملك الظاهر صدهم عن الشام. فإلى جانب ترابط هذا المحكي مع المحكي الذي يليه([30])، فهو يكشف كذلك عن دور عصبية النسب أو الولاء في تقدم الططر وانهيارهم بالتدريج، ويقدم معلومات ثرَّة تسعف القارئ المفترض على ملء الفُرجات والثغرات السردية ( فرار أحمد مستجيرا بالظاهر بقروق، رغبة تمر في إقامة الصلح والاتحاد معه ( ملك مصر)، موته وتنصيب ابنه فرج مكانه)
4-مفرد بصيغة الجمع:
كان ابن خلدون يسعى إلى تقديم صور متعددة عن ذاته والدفاع عنها؛ وذلك لإثبات أهليته للمناصب السامية، ومكانته العلمية الرفيعة، وإحباط مناورات الخصوم الذين كانوا يغارون من تألقه وشهرته وصيته، ويتألبون عليه للنيل من سمعته والحط من شأنه. وما يسترعي الانتباه في سيرته أنه يقدم صورا كثيرة عن ذاته؛ وذلك على نحو الكواكب السيارة التي تتفاعل فيما بينها داخل مجرة واحدة. فإذا وجد السعاة به صعوبة في إسقاط كوكب أو إطفاء جذوته، فكيف يتسنى لهم الإجهاز على مجرة برمتها.
ومن بين هذه الصور نذكر صورة الإنسان العربي القح ذي النسب العريق، الذي باركه الرسول (ص) في إحدى دعواته." اللهم بارك في وائل بن حُجر وولده وولد ولده إلى يوم القيامة". كما تناسلت منه ذرية تجمع بين الرياسة السلطانية والرياسة العلمية.
ثم صورة الطالب المجد والكَلِف بطلب العلم، الذي لازم مجالس شيوخ أفذاذ ، واستفاد من مختلف اختصاصاتهم، ونال إعجابهم بقوة حفظه وملكاته الذهنية ، وأجازوه الإجازة العامة.
ثم صورة السياسي الذي يخوض في أحوال الملوك، ويدبر شؤونهم، ويقدم لهم المشورة، ويطمح إلى تقلد المناصب السامية التي تليق بمنزلته الرفيعة ورتبته المنيعة.
ثم صورة العالم الذي يجمع بين العلوم النقلية والعقلية، ويوفق بين العلوم الدينية والدنيوية، ويحرص دوما على المتح من معين المعرفة وتقصي الأخبار وتنقيحها وتعديلها بالرجوع إلى مضانها، وينثال عليه طلبة العلم والمعجبين به أينما حل وارتحل للإفادة من وفير بضاعته، وغزارة علمه. يشهد له بتفوقه على نظرائه ورسوخ قدمه في الفنون العلمية والآداب العربية([31])، وأصالته في اكتشاف علم العمران البشري لفهم "أحوال الاجتماع الإنساني"، وخاصة ما يتعلق أساسا بقيام الدول وانهيارها.
ثم صورة القاضي الصارم الذي يوفي عهد الله في تحري المَعْدلة، والحكم بأحكام الله لتمييز الحق من الباطل. وظل- رغم تشغيب أهل الباطل والمراء عليه كلما تقلد وظيفة القضاء- وفيا لقوة شكيمته في تطبيق القانون، وحارصا على تأدية الواجب وإعطائه حقه وفق السنن المعروف عليه.
ثم صورة الديبلوماسي([32]) الذي يدبر الأمور بكياسة ودهاء ومرونة، ويعرف كيف ينفذ إلى قلوب السلاطين ويكسب ثقتهم، ويستطيع أن يتخلص من الورطات قبل أو بعد وقوعها، وينهض بالتوفيق بين الأطراف المتنازعة وإصلاح ذات البين فيما بينها، ويمد الجسور بين المشرق والمغرب رغم انقسام العالم الإسلامي إلى عدد من الوحدات والأطياف السياسية، ويتنافس الملوك في استقدامه والعناية به واستشارته في تدبير دواليب الحكم والإفادة من خدماته.
حاول الظاهر برقوق، في الرسالة التي بعثها إلى سلطان تونس أبي العباس ، أن يجمل بعضا من تلك الصور لبيان قيمة ابن خلدون وخصاله الحميدة." جمال الإسلام والمسلمين، جمال العلماء في العالمين، أوحد الفضلاء، قدوة البلغاء، علاّمة الأمة، إمام الأئمة، مفيد الطالبين، خالصة الملوك والسلاطين، عبد الرحمن بن خلدون المالكي. أدام الله نعمته، فإنه أولى بالإكرام، وأحرى، وأحقُّ بالرعاية وأجلُّ قدْرا، وقد هاجر إلى ممالكنا الشريفة، وآثر الإقامة عندنا بالديار المصرية، لا رغبةٌ عن بلاده، بل تحببا إلينا، وتقربا [إلى] خواطرنا، بالجواهر النفيسة من ذاته الحسنة، وصفاته الجميلة، ووجدنا منه فوق ما في النفوس، مما يجِلُّ عن الوصف ويُربى عن التًّعداد"([33]).
إن مختلف تلك الصور تبين مدى تنوع اهتمامات ابن خلدون، وسعة خبرته ومعلوماته، وقدرته على التكيف مع الظروف وحسن التصرف فيها، وتعزز منزلته بوصفه مفكرا وأديبا أصيلا، وتستجلي كينونته التي أسهمت أقطار عربية في تكوينها وبلورتها وإغنائها. وهذا ما جعل منه شخصية تاريخية فذة، وأضفى عليه هالة من التقدير والتوقير، وزاد من شأنه وتألقه، ووسع من دائرة صيته وذكره.
خاتمة:
إن الافتراض الذي سبق لنا أن طرحناه في البداية، تتولد عنها مجموعة من التأملات والملاحظات التي يمكن أن تُجمل فيما يلي:
1-من خلال عنوان الكتاب ومؤشراته الداخلية، يتضح أن ابن خلدون كان واعيا بأنه ينخرط في مشروع سيرذاتي لإعطاء صورة عن ذاته ودحض مزاعم الخصوم وإحباط مناوراتهم، ويتبنى شكلا خطابيا قادرا على استيعاب تجربته الفنية وفلسفته في الحياة . لكن الشروط النقدية، وقتئذ، لم تختمر على نحو يمكنها من بلورة لغة واصفة لإدراك الأبعاد المتوخاة من الكتابة السيرذاتية، والخوض في مواضعاتها وضوابطها. مع العلم أن دائرة هذا اللون من الكتابة كانت تتسع شيئا فشيئا، وأصبحت، مع مر السنين، تستوعب طبقة من النصوص تنفرد بخصائص مشتركة.
2-يتضمن المشروع السيرذاتي لابن خلدون بعض المواضعات الفنية التي أصبحت، في الوقت الراهن، من مسلمات السيرة الذاتية ومقوماتها القاعدية، وذلك على نحو الإعلان عن الميثاق السيرذاتي، والتصريح باسمه الكامل المبين لنسبه أو بجزء منه أو بكنيته([34])، والمطابقة بين وضعية المؤلف ( الذي يحيل إلى شخصية واقعية) ووضعية السارد، والمنظور الاستعادي للمحكي-الذاتي. كما أن هذا المشروع يستثمر أشكالا أخرى من الكتابة عن الذات ( الرحلة والفهرست) لإضاءة الذات من جوانب متعددة، وبيان مختلف المؤثرات والعوامل التي أسهمت في تكونها ونموها ونضجها.
3-يقتضي المشروع السيرذاتي لابن خلدون أن يعالج من الزاويتين الآتيين :
ا- الزاوية الأفقية: تتطلب هذه الزاوية رصد سيرورة السيرة الذاتية من خلال محطاتها التاريخية الكبرى لاستيعاب تحولاتها وطفراتها بدءا من استكشاف ملامحها الأولية إلى تحديد مواضعاتها بوصفها جنسا متميزا عن أجناس أدبية أخرى. وفي خضم هذا التطور التاريخي ينبغي معالجة المشروع السيرذاتي لابن خلدون بوصفه حلقة متصلة بما قبلها وما بعدها، ومراهنة على تأصيل كتابة جديدة لم تصبح موضوعا للدراسة النقدية إلى بعد قرون طويلة من الممارسة والتجريب التلقائيين.
ب-الزاوية العمودية: تحتم هذه الزاوية تحليل المشروع السيرذاتي لابن خلدون في ضوء علاقته بنصوص تراثية من الطبقة نفسها أكانت عربية أم غربية أو بنصوص تتقاطع معها في بعض الخصائص البنائية ( على نحو الرحلة والفهرست)؛ وذلك لإبراز ملامح تكون لون جديد من الكتابة عن الذات ( السيرة الذاتية الفكرية أو الذهنية)، وبيان الأغراض والمرامي التي كانت متحكمة في إنتاجه، واستجلاء إمكاناته في رصد جوانب محددة من الذات، واستنتاج نموذجه البنائي.
ويمكن أن نجمل مكامن الحداثة في المشروع السيرذاتي فيما يلي:
1-يعد ابن خلدون أول كاتب عربي خصص لحياته كتابا كاملا، في حين أن كتابا آخرين اقتصروا فقط على جوانب محددة من تجاربهم في الحياة. ويكون، بذلك، قد رسم الخطوط العامة لمن يرغب في التأريخ لذاته، واسترجاع محطات حياته.
2-نجنس مؤلف التعريف ضمن السيرالذاتية الذهنية l’autobiograhie intellectuelle ؛ وذلك بالنظر إلى طريقته في استعادة التاريخ لصاحبه. فهو لا يكترث بحياته الخاصة(الموضوع الأثير للسيرة الذاتية)، وإنما يسعى إلى تسليط مزيد من الأضواء على مساره الفكري ( الموضوع الأثير للسيرة الذاتية الذهنية). وهكذا يندرج الكتاب ضمن أحد متغيرات السيرة الذاتية، الذي مازال العرب والغرب، منذ القدم إلى الوقت الراهن، يمارسونه لاسترجاع مسارهم التعليمي والفكري، وبيان مختلف التأثيرات التي ساهمت في تكوينهم ونضجهم. وينكب هذا اللون من الكتابة عن الذات على إبراز المسار التعليمي للكاتب والمؤثرات الثقافية والسياسية التي أسهمت في تكوينه وبلورة موقفه من الوجود.
3- يعي ابن خلدون بأنه منخرط في مشروع كتابي مغاير، وهذا ما اقتضى منه إبرام ميثاق سيرذاتي مع قارئ مفترض،و التحرر من الصنعة اللفظية، و استرجاع حياته بطريقة كرنولوجية لا تخلو من مفارقات زمنية، والحرص على تماسك القصة (Histoire) رغم كثرة المستويات الحكائية والنصوص الواصفة، واستثمار الأجناس المتخللة في بيان تقلبات حياته واضطرابها وأحوال الدول.
[1] -نسبة إلى شخصية بروكست الأسطورية التي كانت تقطع الطرق. فلما يكون ضحاياه ذوي قامات طويلة، كان يضطر إلى قطع أطرافهم لكونها تتعدى الفراش القصير. ولما تكون قاماتهم قصيرة، فكان يعمد إلى جذب أطرافهم حتى تصبح على قد الفراش الطويل. [2]- محمد الداهي، شعرية السيرة الذهنية محاولة تأصيل، منشورات فضاءات مستقبلية، دار وليلي (مراكش)، ط1 ، 2000 ،ص-ص13-14. [3] -إيف لا كوست، العلامة ابن خلدون، ترجمة ميشال سليمان، دار ابن خلدون،ط2،1978، ص/ص 46-47. [4] -طه حسين، فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، م.سا، ص14. [5] - ابن خلدون ، التعريف بابن خلدون ، م.سا ص55. [6] -المرجع نفسه ص285. [7] -المرجع نفسه ص347. [8] - المرجع نفسه ص312. [9] -المرجع نفسه ص245. [10] -ابن خلدون ، التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا، تحقيق محمد بن تاويت الطنجي، م.سا ص132. [11] -المرجع نفسه ص138. [12] -عبد الفتاح كليطو، " ابن خلدون والمرآة"، في الحكاية والتأويل، ط1، دار توبقال للنشر،1988،74. [13] -Philippe Lejeune , Le pacte autobiographique, Seuil,1975,p19. [14]-Ibid p22. [15] -ibid p36 . [16] - على نحو إقامته عند ابن مزني وعند أبي مدين، وانعزاله في قلعة ابن سلامة، وعودته إلى مهبط وجدانه تونس، وسفره إلى القدس ومدفن الخليل وغزة..الخ. [17] - ابن خلدون التعريف، م.سا ص244. [18] -نذكر منها استرجاع وفاة الأمير زكريا سنة 46، ثم والده السلطان أبي بكر بن يحيى سنة 47، ثم الإمام مالك سنة 179 باتفاق الناقلين لوفاته. [19] -كلما أحس ابن خلدون بمضايقة أو شم رائحة عاقبة سيئة يستشرف آفاق الارتحال إلى جهة أخرى لعله يجد فيها الطمـأنينة وراحة البال. [20] - على نحو ما حدث بين سنة 64 ( قدوم ابن خلدون إلى الأندلس) وبين سنة 65 ( اضطلاعه بإقامة الصلح بين بتره بن الهنشة بن أذفونس وملوك العدوة)، وما وقع بين 65 ( استيلاء الأمير أبي عبدالله على بجاية) وبين 66 ( توجه ابن خلدون إلى بجاية). [21] -يتم تدارك فيما بعد بأن عبد الله الشقوري هو الذي أفشى سر توهم ابن خلدون من انقباض ابن الخطيب منه بسبب تقربه من السلطان، نعلم فيما بعد أن أبا العباس كان يعتقد بأن ابن خلدون لما يفرغ من أداء فريضة الحج سيعود إلى تونس. ولما علم بأنه مقيم بمصر حاول الضغط عليه بعدم السماح لأسرته للحاق به محاولة منه لإرغامه على العودة إلى تونس . [22] - يكرر ابن خلدون أحداثا بعينها عدة مرات متصرفا أحيانا طريقة عرضها. ومن بين الأحداث التي تتواتر نذكر على سبيل المثال: إبراز محاسن وفوائد للشيخ محمد بن إبراهيم الآبلي، اضطلاع ابن خلدون بالتدريس في المدرسة القمحية، إعفاؤه من مهمة قاضي المالكية، منع سلطان تونس أسرته من الالتحاق به بمصر، غرق أهله وولده بمرسى الإسكندرية، كثرة السعاية به من كل جانب، إعجاب الناس -على اختلاف نحلهم ومشاربهم- بسعة اطلاعه وغزارة معارفه. [23] -هذه المفاهيم مأخوذة من كتاب: Gérard Genette, « Discours du récit » in Figures III,Seuil ,1972. [24] -احتفظنا بالترجمة كما هي لما تتضمنه من إيحاءات خاصة. وهي-كما يتضح -منحوتة من كلمتين الزمان والمكان ( زمكان). والقولة مأخوذة من: Mikhail Bakhtine , Esthétique et théorie du roman, trad par Daria Olivier, Gallimard,1978 ,p389. [25] - محمد عابد الجابري، " ما تبقى من الخلدونية"، في : ابن خلدون والفكر العربي المعاصر، الدار العربية للكتاب، 1982، ص277. [26] - ابن خلدون، التعريف، م.سا ص314. [27] - وفي فهرس الموضوعات يحمل العنوان الآتي: "رسالة من إنشاء ابن الخطيب على لسان ملكه ابن الأحمر"، المرجع نفسه ص/ص155-215. [28] -المرجع نفسه ص/ص351-365. [29] -المرجع نفسه ص155. [30] يستهل الفصل الموالي( لقاء الأمير تمر سلطان المغل والططر) بالموضوعة نفسها التي انتهى بها الفصل السابق. ويتضح ذلك أيضا من خلال توظيف الألفاظ نفسها تقريبا." حتى وصل ( تمر) إلى سيواس فخربها، وعاث في نواحيها.. واقتحم المغل المدينة ( حلب) من كل ناحية، ووقع فيها من العيث، والنهب، والمصادرة، واستباحة الحرم، ما لم يعهد الناس مثله، ووصل الخبر إلى مصر، فتجهز السلطان فرج بن المالك الظاهر إلى المدافعة عن الشام"ص365. " لما وصل الخبر إلى مصر بأن الأمير تمر ملك بلاد الروم، وخرب سيواس، ورجع إلى الشام" ص366. [31] -ابن خلدون، التعريف ، يقول أبو حمو في رسالته إلى ابن خلدون:" .. مع ما نعلم من محاسنَ اشتملت عليها أوصافكم، ومعارف فقتم بها نظراءكم، ورسوخ قدم في الفنون العلمية والآداب العربية" ص102. [32] -لقد توسع عبد الهادي بوطالب في هذا الجانب مبرزا دوره كسفير في مختلف الأقطار التي حل بها." ابن خلدون سفيرا"، المناهل،العدد 16، السنة السادسة، 1979، ص/ص124-146. [33] -ابن خلدون، التعريف، م.سا ص/ص 251-252. [34] - في البداية يصرح باسمه الكامل ( عبد الرحمن ابن محمد بن محمد بن محمد ابن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم ابن عبد الرحمان بن خلدون)، ثم يكتفي فيما بعد بالاسم الذي اشتهر به وهو ابن خلدون. أما كنيته ( أبو زيد) فلا تذكر إلا ناذرا. لما قدم جده الأعلى خالد إلى الأندلس اصبح يطلق عليه خلدون على عادة أهل الآندلس في زيادة الواو والنون في آخر أسمائهم للتعظيم تقليدا للإسبان، فيقولون في زيد زيدون، وفي حفص حفصون، وفي عابد عبدون، وفي خالد خلدون. الكاتب: محمد الداهي بتاريخ: الإثنين 08-11-2010 05:01 أ£أ“أ‡أپ الزوار: 5266 التعليقات: 0
|