ثمن الناقد نادر كاظم دور جاليري الرواق في استضافته ومبادرته الرائعة يوم أمس الأول، لمناقشة كتابه الذي تم حظره عن التداول في البحرين، قائلا بذلك "يفترض أن تتخذ الجهات الثقافية هذه الخطوة وليس جهة فنية تعنى بالفن التشكيلي، إضافة الى هذا المركز الذي ضاعف جهده في توفير 20 نسخة من الكتاب الممنوع من دخوله البحرين بقرار أو "اللاقرار" من جهة إدارة المطبوعات والنشر، وأنا واثق من ان الذين منعوا الكتاب لم يقرأوه"، علماً أن جميع نسخ كتاب "كراهيات منفلتة... قراءة في مصير الكراهيات العريقة" التي توافرت في الجاليري نفدت في الوقت ذاته
وتحدث الناقد كاظم عما يؤرقه من حيثيات استعراض الكراهيات بين البشر في كتابه الذي عادة ما تأخد مدارها من العزلة والتقوقع على الذات، والتاريخ الطويل الذي يسرد الكراهية بين الجماعات، ومازالت تنتعش بسبب تطورها داخل كل جماعة، وتساءل حينها كاظم "لماذا حبس العالم أنفاسه؟ وماذا كان سيحدث عندما قرر فيه القس تيري جونز حرق القرآن الكريم، وعلى أثرها تدخلت السلطات كلها في الولايات المتحدة الأميركية بدءًا من الرئيس باراك أوباما وما يليه، وكأن هناك حدثا عالميا خطيرا ينبغي تداركه قبل أن يقع، والسؤال لماذا هذا الخوف والاستباق لو ذهب هذا الرجل في مغامرته وحرق القرآن الكريم، كذلك الحادثة الأخرى حينما وقع الفأس في الرأس وجاهر الخطيب ياسر حبيب عن كلامه في الصحافة وأحدث أزمة مشتعلة في الكويت، إضافة إلى استنكار وتبرؤ معظم المرجعيات من فعله، والسؤال ما الذي حصل وجعل خطابات الكراهية التي كانت في يوم ما من التاريخ مألوفة، أن تصبح بالتالي كراهيات لها تداعياتها وانعكاسات خطرة، فالأمور خرجت عن إطارها المحلي، وأصبحت معولمة بشكل خطير، فالعزلة ورغم عصر الاتصالات لا تزال موجودة".
وقال كاظم بدأت "الكتاب من افتراض ومسلمة أساسية وهي أن العزلة التي كانت قائمة بين الجماعات في التاريخ، هي التي أمَّنت الأجواء المناسبة لانتعاش الكراهيات في التاريخ إلى جانب أن دائرة التواصل الخطابي المنغلقة كان لها دور في تسكين خطاب الكراهية".
ويستطرد كاظم "هناك فرق حاصل من وراء صدور خطابات الكراهية، وفي التاريخ كان سببا لدفع ابن جماعة معينة أو دين معين، او طائفة، أو عرق لتأليف كتاب في كراهية الآخرين، والدافع في تصوري له دخل في تعزيز قناعات الجماعة أنفسهم، وليس المقصودة الجماعات الأخرى، ولو نقرأ النصوص التراثية السابقة سنجد المخاطب ابن الجماعة هو المقصود، وأما الآن الذي تصدر بها الخطابات وتنشر على صيغة كتاب أو في المنتديات ويتم ترويجها في الانترنت، هو دافع لاستفزاز الآخرين، وعلى الآخرين أن يهيئوا أنفسهم لجرح معنوي يمسهم في الصميم، فما الذي يدفع مثلا تيري جونز لعمل استعراضي لحرق القرآن، وكأنما هو يهيئ الآخرين بالاستعداد لهذا اليوم ولحرب قادمة، ولما لم يحرقه بينه وبين نفسه، فما الذي يدفع صاحب كراهية ما للمجاهرة علنا أمام الآخرين واستفزازهم، وتوجيه نوع من الطلقة المباشرة إلى روح المستهدفين من باب الكراهية، وهنا يختلف الغرض والهدف والمقصد، وهنا تكمن خطورة الكراهية في التاريخ رغم انها كانت تعيش منعزلة عن بعضها، فالعزلة أمنت أجواء شبه سرية، أما الخطاب في العلن فيفرض أن يكون الفرد حذرا في صياغة الخطاب".
افترض كاظم ان العزلة هي سبب رئيسي في انتعاش الكراهيات، ولأن الآخرين ليسوا متطلعين على ما يدونه أبناء الجماعات الأخرى، بسبب دوائرهم المغلقة، فهذا يؤمن أجواء مؤاتية لخطاب الكراهية بأن يعمق عاما بعد عام وقرنا بعد قرن، ويرى ان "العزلة عادة ما تخلق تلك المسافة الفاصلة بين الأطراف التي تتبادل الكراهيات فيما بينها، وكانت هذه عزلة متعددة المستويات، إلا أنها كانت عزلة مكانية ولغوية بالدرجة الأولى". وتساءل "هل لو زالت العزلة بين الجماعات ستزول الكراهية بين الجماعات، والجواب العزلة الآن زالت بين الجماعات، ووسائل الاتصال تمكنت من زعزعة العزلة التي كانت موجودة بين البشر وأصبح أي خطاب ليس له ضمان لأن يصبح سريا، بل ينشر في صحيفة وعلى الملأ وتتلقفه المنتديات في الانترنت، بالمقابل تأمين أجواء العزلة أصبحت مستحيلة وصعبة، والدليل أن أعظم دولة في العالم لم تستطع أن تؤمن خطابات سرية، وتمكن صاحب موقع "ويكيلكيس" من نشر الوثائق على الملأ.
"كراهيات منفلتة" ترصد لحوادث الكراهية للعالم ككل كما يقول كاظم، سواء في أميركا، والعالم العربي الإسلامي، وفي الهند والهندوس بشكل مستمر، والسود والبيض، والعرب والفرس، والسنة والشيعة، فحوادث الكراهية مازالت إلى اليوم تنتج باستمرار.
تعرض كاظم إلى 3 تغيرات وتحولات حصلت في العصر الحديث، ووضعت خطاب الكراهية أمام مرحلة حرجة وهي، "ظهور الدولة بمعنى الكيان الإداري الذي يملك القدرة والوسائل لمراقبة كل صغيرة وكبيرة في الإقليم، ولا يدخل كتاب ويخرج كتاب إلا بعين الرقيب والحسيب، ولا يخرج بشر إلا بعين المراقبة، وهذا كيان لديه الوسائل لمراقبة ومعاقبة، ولا توجد دولة في العالم لا تجرم خطاب الكراهية، وتجرم السب والشتم سواء للعرق الديني والطائفي ضمن قائمة العقوبات وبعضها شأن المطبوعات".
أما "التغير الثاني فبدأ في القرن 18 عشر، بنشوء المجال العام أو الفضاء العام ومكان يوجد فيه البشر بأكمله فالخطابات ليست خصوصية، أما التغير الثالث فتحمل البشر الخطابات التي لها بعد نفسي ويبدو مع مسار تقدم البشر إلى الأمام وقدرتهم على التحمل.
وقال في الأخير، "هل نحن أمام مرحلة جديدة في تاريخ الكراهيات؟ ربما، ولكن ينبغي ألا يفهم أن بداية مرحلة جديدة في تاريخ الكراهيات تعني أن الكراهيات سوف تنقرض، بل هي تجدد وجودها وتتحايل على كوابحها وموانعها بطرائق شتى، وذلك عبر تكتيكات يمكن أن نطلق عليها هنا اسم تكتيكات الكراهية المصطنعة