اختارت منظمة اليونسكو يوم 23 أبريل يوما عالميا للكتاب سعيا إلى تعزيز القراءة ونشر الكتاب وحماية الحقوق المادية والمعنوية للمؤلف. انبثقت فكرة الاحتفال من مدينة كاتلونيا حيث جرت العادة إلى إهداء وردة لكل من يشتري كتابا في اليوم نفسه (الكلمة التي أدليت بها على أمواج إذاعة طنجة احتفاء باليوم العالمي للقراءة ليلة يوم 26 أبريل 2012)
وهي التفاتة رمزية لحفز الناس على التعاطي للقراءة وإدمانها بوصفها عاملا من عوامل تقدم الشعوب، وارتقاء ذوقها الفني والثقافي، واتساع رؤيتها إلى العالم، وتحسين صورتها ومنزلتها بين الأمم الأخرى. وهذا ما يستدعي، من أي وقت مضى، دمقرطة الثقافة والتعليم حتى تصبح القراءة عادة متأصلة في سلوك الناس، ومكسبا جماهريا عوض أن تظل حكرا على فئة محدودة. ونظرا لتشعب الموضوع فإنني ارتأيت أن أتناوله من ثلاث زويا مركزا باختصار على ما يجب القيام به بدلا من الاكتفاء بوصف الظاهرة وتعداد مساوئها وسلبياتها. سأتطرق تدريجيا إلى القراءة ومجتمع المعرفة، ثم القراءة والتعليم ثم القراءة وحقوق الملكية الفكرية.
القراءة ومجتمع المعرفة:
كانت الأمية، إلى حد قريب، تعني عدم إجادة القراءة والكتابة، ثم أصبحت مرادفة لمن لا يتقن إلا لغة واحدة. أما الآن فأضحت مقترنة بمن لا يحسن استعمال الحاسوب والولوج إلى الإنترنيت. وهذا ما جعل الفجوة الرقمية تتعمق بين الفئات الاجتماعية والجهات والأسرة الواحدة، وتحكم على فئات عريضة وضمنهم نسبة كبيرة من المتعلمين بالتهميش والإقصاء لعدم توفرهم على مؤهلات تقنية للاستفادة من الثورة التكنولوجية ، والمعارف الجديدة، والخبرات المادية والمعنوية، ومواكبة صدور الكتاب الالكتروني الذي يعتبر من رهانات الثقافة والمعرفة مستقبلا.
إن المراهنة على توطين مجتمع المعرفة يقتضي ما يلي:
أ- توفير البيئات التمكينية حتى سهم في توسيع مجال الحريات، وبناء المؤسسات الحاضنة، وصوغ التشريعات القانونية الداعمة لمرتكزات مجتمع المعرفة وآفاقه.
ب- دمقرطة الثقافة بتوفير البنيات التحتية المناسبة والمجهزة والمفتوحة (butinage)( )، وتطوير مؤهلات الرأسمال البشري بالمهارات التقنية الجديدة، واستنبات آليات الصناعة الثقافية، والنهوض بالقراءة الموضوعية باعتبارها لبنة أساسية لبناء مجتمع المعرفة ومواكبة التحولات الثقافية السريعة والعميقة
ج- رقْمنة المصنفات صونا للذاكرة الجماعية من الضياع والإتلاف، وحرصا على جودة الخدمات العمومية حتى تصبح الثقافة في متناول الجميع.
القراءة والتعليم:
يعاني الوسط المدرسي من آفات تسهم في تفاقم الأمية، ومن ضمنها الانقطاع عن الدراسة، والهدر المدرسي، وإخفاق البرامج التربوية في تحقيق أهدافها واستجلاب المردود المتوخي. كما يعاني هذا الوسط أيضا من قلة المكتبات الوطنية (10 بالمائة على الصعيد الوطني) والفضاءات التي يمكن أن تسعف المتعلمين على القراءة والقيام بأنشطة ثقافية وفنية موازية. ومما يؤسف له أن أغلب الخزانات المدرسية عبارة عن قاعات غير صالحة وغير مجهزة، وتتعرض للنهب والسرقة، وتسير غاليا من لدن قيمين غير أكفاء، ولا تتوصل بالكتب الجديدة، ولا تشملها حملات التفتيش والمراقبة إلا نادرا جدا لتقويم محتوياتها والاطلاع على أحوالها، ومعرفة ميول التلاميذ واهتماماتهم .
و سعيا إلى تشجيع المتعلمين على القراءة حتى تغدو عادة متأصلة في سلوكهم وحياتهم اليومية، ينبغي مراعاة مايلي:
1-إكساب المتعلم مهارات القراءة عوض شحنه بالمعلومات ومطالبته باستعراضها، وحفزه على قراءة مختلف المصنفات التي يحتك بها في حياته مستثمرا ما تراكم لديه من أدوات القراءة المنهجية.
2- تشجيع كل المبادرات والأنشطة التي ترمي إلى إشراك المتعلم، وتطوير شخصيته، وتوسيع مداركه، ومن ضمنها إنشاء نوادي للقراءة والإبداع، وإعداد مشروعات مؤسسية تعزز انفتاح المتعلم على محيطه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
3-اضطلاع وزارة التربية مع شركاء آخرين، على نحو المعمول به في فرنسا مثلا، على تنظيم مسابقات وظنية أو جهوية حول مجموعة من الكتب لانتقاء وكافأة أحسن التلاميذ الذين أنجزوا تقارير حولها وفق معايير محددة سلفا.
القراءة وحقوق الملكية الفكرية:
تنامت في العقود الأخيرة أشكال الاعتداء على حقوق المؤلفين وذوي الحقوق المجاورة، واستفحال هذه الظاهرة نتيجة سوء استثمار التقدم التكنولوجي والتطور الإعلامي. وهو ما يستدعي، أكثر من أي وقت مضى، نشر الوعي بضرورة حماية حقوق الملكية الفكرية، وبيان دورها وقيمتها في مقاومة النتائج السلبية للعولمة، وتشجيع الاستثمار والإبداع وتبادل المعلومات والخبرات وفق قواعد المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وإزالة القيود والإرغامات التي تحاصر الفكر والإبداع الخلاقين وتحول دون أدائهما لوظيفتهما التنموية.
ولا يخفى على أحد مدى ملاءمة هذا الموضوع وأهميته لحماية حقوق المؤلفين أكانوا ذوي المصنفات الأصلية (الأصالة المطلقة) أم المشتقة(الأصالة النسبية)، تقديرا لما بذلوه من جهود، وحرصا على استفادتهم من حقوقهم المادية والمعنوية، وتفاديا لكل أصناف التزييف والتقليد والقرصنة والسرقة التي تلحق أضرارا بليغة بمصنفاتهم، وتكلف الاقتصاد العالمي خسائر بالغة. إن الإنتاج الفكري لا يقل أهمية عن الإنتاج المادي بما له من دور في إعطاء صورة إيجابية عن الأمم إذ أصبحت درجة تقدمها تقاس بما حققته في مجالي التعليم والثقافة، وبما وفرته من آليات عملية لحماية الإبداع الفكري تنويها بجهود الإنسان في ارتياد الكواكب والآفاق، والإسهام في ركب التنمية المستدامة، والسعي إلى التشبع بالمعرفة المنتجة والاكتشافات المبهرة. وفي هذا الصدد ينبغي ، علاوة على الترسانة القانونية والتشريعية، توعية المواطنين بأخطار الاعتداء على حقوق المؤلف المادية والمعنوية، ومراقبة حسن استعمال المصنفات الأدبية والفنية واستغلالها طبقا للمعايير المعتمدة، وردع ظاهرة ترويج المصنفات على شبكة الانترنيت دون استشارة أصحابها أو ضمان حقوقهم المادية والمعنوية. ناهيك عن قرصنتها وتشويهها وتقليدها، مما يسيء إلى أصالتها وجودتها وملاءة محتوياتها.