الكاتب: mdahi
|
حرر في الأحد 01-06-2014 09:25 أ£أ“أ‡أپ
ظهرت ، على مشارف نهاية الألفية الثانية، عينة من الكتب التي كان لها الفضل في تطوير الممارسة النقدية العربية وحفز المؤسسة الأدبية على تبني معايير جديدة في تصنيف النصوص وقراءتها. ومن ضمنها نذكر أساسا " الأدب والغرابة لعبد الفتاح كليطو، ونظرية المنهج الشكلي : نصوص الشكلانيين الروس لتزفتان تودوروف وترجمة إبراهيم الخطيب وتحليل الخطاب الروائي وانفتاح النص الروائي لسعيد يقطين. ورغم اختلاف مرجعيات أصحابها وخلفياتهم المعرفية فهم يتفقون في إثارة جملة من القضايا التي لا تهم وظيفة النص فحسب وإنما طبيعته الشعرية ومنزلته ضمن أنساق دلالية يتقاسم معها خاصيات معينة. ومما راهنوا عليه يمكن أن يختزل في النقاط الآتية: أ-البحث في أدبية النص أو فنيتة artisticité والتدليل على ما يجعل النص نصا أدبيا أو فنيا. ب- استنتاج القواسم والخاصيات الجنسية المشتركة التي تجمع بين طبقة من النصوص، وإعادة تجنيس نصوص طالها التهميش والإقصاء لبواعث متعددة. ج- حض المؤسسة الأدبية على معاودة النظر في كثير من المعايير الأخلاقية التي جنت على عينة من النصوص ، وإعادة الاعتبار لها بالنظر إلى ما تتوافر عليه من خاصيات فنية. في هذا الإطار برز اسم سعيد يقطين، الذي استطاع ما يربو على أربعة عقود من النقد والبحث العلميين أن يوطن مشروع السرديات العربية سعيا إلى استنتاج قوانين اشتغال الخطاب السردي العربي قديما أكان أم حديثا، وإبراز ما يطرحه من قضايا فكرية وسياسية واجتماعية تهم كينونة الإنسان العربي وطموحه وموقفه من الوجود. سبق لي أن أثرت في مناسبات متفرقة جملة من القضايا التي تستأثر باهتمام سعيد يقطين وهو يصر، بما أوتي من جرأة علمية وشجاعة فكرية، على مواصلة مشروعه النقدي حرصا على تحقيق الغايات المنشودة منه. ومما أرجأته حتى يختمر على نار هادئة ما يستضمره مشروعه من هموم ثقافية. فهو ليس من معدن النقاد الذين يؤثرون المقاربة التقنوية، وإنما يسير على هدى فريق من النقاد الذين يسائلون التقنيات والمفاهيم قبل تجريبها وتشغيلها. وما يحفزهم على ذلك هو أن المفاهيم، مهما كانت قيمتها العلمية، ليست برئية، وإنما هي مشحونة ببرامج ومضامين معينة، ومدعومة بالخلفيات المعرفية التي تؤطرها وتوجهها. وفي هذا الصدد نلاحظ ما يلي: أ- لم يقتنع سعيد يقطين بالسرديات الشكلية لكونها لا تنسجم مع خلفياته المعرفية والثقافية. فهو خريج مدرسة فكرية تعنى بدور الأفكار في تغيير المجتمع، واقتراح بدائل للعيش الكريم.و هذا ما استحثه على توسيع السرديات البنيوية من الخطاب(المظهر الشكلي) إلى النص(المظهر الدلالي) حرصا حتى تستوعب ما يثيره السرد من قضايا متنوعة، وما يقترحه من مشاريع بحثا عن الطمأنينة المفتقدة والكلية الخفية. ب- سعى سعيد يقطين، باستفادته من سيوسيولوجية النص الأدبي، إلى اقتراح تصور جديد ( وسمه بسوسيو-سرد) يسعف على البحث في دلالة النص، ويفضي إلى تجاوز السرديات البنيوية . وعمل ، في هذا الإطا، إلى تجسير العلاقة بين الخطاب والنص من خلال إقامة تقابلات بين مكوناتهما. فكل مكون في هذه الجهة يقابله مكون مناسب في الجهة الأخرى. ولكل جهة مجال خاص يؤطرها وينظم علاقاتها([1]).
ومما راهن عليه سعيد يقطين من توسيع السرديات نذكر ما يأتي: أ- التدليل على ملاءمة القراءة المنفتحة في تجاوز الثبات والانغلاق، وظهور قيم جمالية جديدة، وإقامة التفاعل الإيجابي القائم على الحوار الهادف والبناء. ب- حفز المؤسسة الأدبية على معاودة النظر في كثير من المعايير المعتمدة، والانفتاح أكثر على المستحدثات الفكرية والمنهجية، والسعي إلى تربية النشء على القيم الجمالية الجديدة واحترامها. ج-زحزحة الخلفية النصية التقليدية (القراءة المغلقة) التي تصادر النص، وتفرض علية قراءة متواطئة، ودعم الخلفية الجديدة التي تتسم بالتحول والانفتاح، و"تحاور القيم النصية أيا كان نوعها، وتسعى إلى تجاوز الثبات والانغلاق"([2]). د- إبراز ما تتوفر عليه بنية النص الروائي من إمكانات سردية وقضايا فكرية لاتخاذ موقف جريء من التاريخ والواقع، وانتقاد الوعي القائم، وتوجيه اللوم إلى مختلف المؤسسات الاجتماعية والسياسية بضلوعها في هزيمة 1967، التي خلفت جراحا جسدية ورمزية في الذاكرة الجماعية العربية." كان النص الروائي الجديد أكثر نقدا وتشريحا لأسباب الهزيمة الكامنة هنا والآن وذات الجذور التاريخية(التفاعل النصي الخارجي) والاجتماعية. لذلك كانت الهزيمة شاملة ولها بعدها التاريخي. وتجلى الموقف النقدي بارزا في نقد مختف المؤسسات الاجتماعية(سلطة-حزب...) ومختلف العلاقات السائدة([3]). د- تقاس الإنتاجية بقدرة الروائي، من جهة، على الإمساك بنبض اليومي والتاريخي، وإعادة تمثيله في كتابة جديدة، وبإمكانية القارئ، من جهة ثانية، على إعادة تشكيل النص وبنائه سعيا إلى إنتاج دلالة جديدة. حاول سعيد يقطين في كتابه الرواية والتراث السردي([4]) أن يبين طبيعة العلاقة التي ينسجها الإنسان العربي مع تراثه من خلال تفاعله مع نصوص سابقة وبناء على أنقاضها نصا روائيا جديدا(وهو ما يصطلح عليه بالتعلق النصي). وقد سعى، في هذا الكتاب، أن يتدرج من الأدبي الخاص(تنظيرا وتحليلا) إلى الثقافي العام ( المراهنة على وعي جيد بالمسالة التراثية) بحثا عن آفاق جديدة لفهم كيف يتفاعل الإنسان العربي مع السرد العربي القديم على وجه الخصوص ومع التراث العربي على وجه العموم. انطلق من متن محدد تتفاعل فيه الروايات(النص المتعلق) مع نصوص قديمة(النصوص المتعلق بها) ، وتضطلع بتحويلها واحتوائها بهدف إنتاج نص جديد.
ومن بين القضايا الثقافية التي أثارها في هذا الكتاب نذكر ما يلي: أ-ظهرت النصوص المتعلقة عقب هزيمة 1967. وهي محطة أساسية حفزت الإنسان العربي على طرح جملة من الأسئلة بغية فهم سبب هزيمة العرب وتأخرهم التاريخي. وهذا ما جعل الروائي ينبش في التراث السردي بحثا عن وضعيات مشابهة لعلها تسعفه على فهم كيف تتوالي الهزائم على الإنسان العربي وتنغص عيشة وحياته عبر التاريخ. ب-وإن قدم سعيد يقطين بحثا تقنيا دقيقا لإبراز مظاهر التعلق النصي وتجلياته فقد حرص أن يشفع ذلك بأسئلة ثقافية تهم تماثل واقع الروائيين اليوم مع الواقع الثقافي المتفاعل معه (عصور الانحطاط). وقد تجسدت هذه المماثلة من خلال عمليتي الامتداد والاستعادة." يتحقق الامتداد في ليالي ألف ليلة وليلة ونوار اللوز . أما الاستعادة فتتجسد من خلال الزيني بركات وليون لأفريقي"([5]). فهذه المماثلة بنوعيها (الممتد والمستعاد) تبين أن أمورا كثيرة لم تتغير في العالم العربي، وتظهر أن ثوابت مازالت مستمرة وموجودة ( على نحو الشر والقمع وانتفاء الحريات والفقر والهزيمة وسلب الشعب قوته اليومي، وعجز السلطة والمثقف على المواجهة والتصدي..). وهي في مجملها عناصر متلاحمة ومتكاملة " تجسد بناء على رؤية فنية ودلالية محددات التفاعل مع السرد التراثي في الرواية العربية المعاصرة: إنها تمثيل لجدل التفاعل مع النص والواقع الذاتي والعصر. وإنها أخيرا تعبير عن جدل الإبداع الروائي في تفاعله مع التاريخ والواقع"([6]). ج- تفاديا للتعامل الانفعالي مع التراث(مع-ضد) ينبغي طرح سؤال مغاير للبحث عن أجوبة موضوعية:" بأي وعي نتعامل مع التراث؟"([7]). وهذا ما يستدعي الارتقاء بالتعلق من المستوى النصي الخاص إلى المستوى الثقافي العام لاستيعاب كيف يتجاوب المتفاعل النصي اللاحق (ما أنتجه العرب بعص عصر النهضة) مع النص السابق(النص التراثي بصفة عامة). ويتضح أن المتفاعل النصي العربي عاجز عن تحقيق التفاعل الإيجابي مع العناصر الأربعة(التراب النصي، الواقع الذاتي، النص الجديد، العصر الحديث). إنه وعي متخلف وقاصر يتسم عموما ، في تعامله مع المعرفتين القديمة والجديدة، بالتجزيئية والسجالية والنزعة الصحفية وامتلاك السلطة. ه- ينبغي امتلاك وعي جديد ( القراءة المنتجة) للتمكن من فهم التراث واستيعابه في شموليته وصيرورته وتحولاته، وفي منأى عن النظرات الاختزالية أو الإسقاطية. ولم يسلم الروائيون من الوقوع في المأزق نفسه الذي وقع فيه المفكرون باستثناء عينة منهم استطاعت أن تحقق تفاعلا إيجابيا مع التراث بناء على مشاريع مفتوحة على البحث والاستقصاء(على نحو طيب تزيني وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون وعبد الفتاح كليطو ومحمد مفتاح وجمال الدين بن الشيخ). وإن نحج الروائي في إنتاج نص جديد، فهو لم يستخدم الرواية إلا مطية لتمرير خطاباته عن الواقع المعيش." وهو بذلك لم يقدم لنا نصا جديدا، ولكن قدم نصا قديما على أنه جديد، أو نصا جديدا يتخذ لبوسا قديما. ونفس العمل تم في مجالات أخرى فكرية وثقافية عامة"([8]). استعمل سعيد يقطين مفهوم الترابط النصي لفهم مواصفات النص ووظائفه باستعمال برمجيات متطورة أدت إلى إنتاجه وتلقيه اعتمادا على روابط تحيل إلى بنياته الداخلية أو الخارجية ( التناص الخارجي extratextualitéالذي يفيد إحالة النص إلى غيره إلى ما لانهاية). وكان هم سعيد يقطين من إصدار كتاب " النص والنص المترابط"([9]) منصبا أساسا على إبراز خصوصية الأدب التفاعلي وإمكاناته ووظائفه وغاياته. وهو ما يقتضي البحث عما أضافته له، كما يستدعي أيضا استقصاء ما يمكن أن يجنيه المبدع والمتلقي على حد سواء من تفاعلهما مع الوسائط المتفاعلة واستخدامهما على النحو الأمثل. وقد أثار في هذا الكتاب في تساوق مع التحليل التقني للترابط التقني جملة من الأسئلة الثقافية التي يمكن أن نجملها فيما يلي: أ-ينبغي للعرب ، بالنظر إلى تأخرهم الثقافي والتاريخي، أن يراهنوا على الانخراط في عصر المعلومات ومجتمع المعرفة، وكسب موقع مؤثر يضمن لهم التفاعل إيجابا مع الثقافات الأخرى. " يضعنا هذا الرهانان، منذ البداية،أمام مجموعة من الأسئلة حول أهميتها وضرورتهما أولا، وكيفية تحقيقهما بعد ذلك. وقبل هذا وذاك ألا يعتبر، كما يمكن أن يذهب البعض، الحديث عن دخول العصر لعبا لغويا، وأن دخول العصر الالكتروني موضة من الموضات والتقليعات الجديدة التي نتهافت عليها، ونحن نتصيد دائما جديد التطورات التي تتحقق في الغرب"([10]). وفي هذا السياق فهو يدافع عن التفاعل الإيجابي مع الغرب عوض اجترار مفاهيم ملتبسة واستهلاكها ( على نحو المحاكاة والتغريب والتبعية)، مما يكرس الانغلاق على الذات بدعوى الحفاظ على الخصوصية الثقافية والحضارية بدلا من اتخاذ المبادرة بالانفتاح على الآخر وممارسة النقد المزدوج ( بتعبير عبد الكبير الخطيبي). ب-تعترض العالم العربي عوائق تحول دون دخوله إلى مجتمع المعرفة ( ومن ضمنها الأمية، وهيمنة التقليد، وتردي واقع اللغة العربية، والمبالغة في الاحتياط، والتكرار الممل، وغلبة البعد التجاري على الثقافي)، وتطوير الممارسة الثقافية حتى تغدو ملائمة للعصر، والانتقال إلى النشر الالكتروني بهدف ترويج المصنف العربي على نطاق واسع، وتيسير البحث عن المراجع المرجوة. وهو ما يسهم في تقليص الفجوة الرقمية التي ما فتئت تقصي فئات عريضة من الولوج إلى المعرفة، والاستفادة من تراكماتها السريعة والثرة. كما أن مشروع رقمنة الكتب مازال متعثرا وغير مهني. ويخضع أكثر إلى مزاج الأشخاص أو إلى المنافسة التجارية الضارية بين مؤسسات لكسب مزيد من الأرباح عوض أن يعمل الجميع، أفرادا وهئيات، على تنسيق المصالح المشتركة بهدف نشر الثقافة العربية وتطويرها لأهداف تواصلية وتنموية وحضارية. وهذا ما قوى من ظاهرة قرصنة المصنفات وتنامي مظاهر الاعتداء على الحقوق المادية للمؤلف. ومما يحز في النفس هو الاعتداء على حقوقه المعنوية ببتر مصنفه أو التصرف فيه أو نسخة بطريقة ردئية أو ترويجه بدون ذكر اسم صاحبه. وقد عاين سعيد يقطين ما شاب القرص المدمج عن " صبح الأعشى" من إهمال بسبب البياضات التي تخللته مما يذكر بالمخطوطات المخرومة. " فهل هذا إهمال؟ أم استغفال؟ في كل الحالات، وكيفما كانت المبررات، نجد العمل هنا ناقصا، ولا يحترم حتى النص المطبوع حتى في شروطه العادية. فيكف يمكن للنص الالكتروني العربي ، والحالة هذه، أن يعوض الكتاب المطبوع أو ينوب عنه؟ أو يتجاوزه"([11]). ج- يلح سعيد يقطين على ضرورة تطوير الوسائط المتفاعلة العربية، وتحسين أساليب التعامل معها حرصا على تسويق الثقافة العربية بطرق جديدة وإبراز إمكاناتها والتعريف بأعلامها، والنهوض باللغة العربية والرقي بأدائها إلى المستوى المنشود. ويجب على الإنسان العربي، أكان باحثا أم مبدعا أم فاعلا سياسيا أو جمعويا، أن يكون مؤهلا لتوظيف الوسائط المتفاعلة لتطوير أدائه، وإيصال منجزه إلى فئات عريضة من المتلقين، وتلقي ردودهم لتدارك مواطن قصوره وتعزيز مكامن قوته. كما يحتم على القارئ الفاعل(lec-acteur) أن يطور مؤهلاته المعرفية والتواصلية والتقنية حتى يتفاعل إيجابا مع المعرفة بمختلف تجلياتها وأشكالها وأصنافها( وخاصة الأجناس الأدبية الجديدة على نحو القصيدة المتحركة وقصيدة الفيديو والرواية المتشعبة)، ويسهم في إعادة إنتاجها واتخاذ موقف منها. وفي جميع الأحوال لا ينبغي للإنسان العربي أن يكتفي بالتلقي السلبي للمعرفة الغربية واستهلاكها، بل هو مجبر، إن أراد أن يواكب المستجدات المعرفية، على استيعابها، وتعرف سبل إنتاجها، وتوطينها لتكون عاملا من عوامل التنمية الشاملة ( القضاء التدريجي على كل العوائق التي تحول دون التطور والازدهار، وفي جملتها الفقر والأمية والبطالة والاستبداد والتخلف..). " ..علينا أن ندخل عالم " الوسائط المتفاعلة" لأن بواسطتها إذا أحسنا استثمارها وتوظيفها، يمكننا الحد التدريجي من دخول العصر. الأهم هو أن نبدأ بجدية وإصرار وعزم. فمتى نبدأ؟ هذا هو السؤال وتلك هي المشكلة.."([12]). انطلقنا من عنية من مؤلفات سعيد يقطين لأخذ فكرة مجملة عن الهموم الثقافية التي تستأثر باهتمامه في تشييد مشروعه النقدي والإسهام في النقاش العمومي إيمانا منه بالعلاقة الجدلية التي تربط النقد بالثقافة في سعي حثيث لتوفير سبل العيش الكريم واستعادة الطمأنينة المفتقدة داخل المجتمع. ويمكن أن نجمل ما يشغله ثقافيا فيما يلي: أ-لم يكن وهو في أوج استفادته من التراكمات الشعرية مقتنعا بالبنيوية لحمولتها الثقافية والإيديولوجية. وهذا ما حفزه على توسيع مجال السرديات (ما اصطلح عليه في بداية بناء المشروع النقدي بسوسيو-سرديات) مسفيدا من منجزات علم الدلالة والسوسيولسانيات والتداولية ونظرية النص و التلقي. " بهذا التصور يمكنها أن تتجاوز وعي الستينات، والمرحلة البنيوية التي لم يبق ما يسوغها-في نظري-عمليا ونظريا معا"([13]). استتبع توسيع مجال السرديات اقتراح مفهوم جديد للنص مستوحى من سوسيولوجية النص ( بيير زيما)، مما اسعف على الانتقال من المنغلق إلى المنفتح، ومن البنيوي إلى الوظيفي، ومن النحوي إلى الدلالي. " النص بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية)، ضمن بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة"([14]). ومن خلال هذا التعريف يتضح أن سعيد يقطين أعطى لمفهوم النص دينامية جديدة تقوم على ثلاثة أبعاد، وهي: - البعد الدلالي: ما يتضمنه النص من دلالات ملازمة لبنياته. وغالبا ما يغفلها المحلل لعنايته في المقام الأول بالتقنيات أو يعطيها أكثر مما تستحق(التضخم المضموني) مسقطا معطيات خارجية على النص. - البعد التداولي: ينتج الكاتب النص ويعمل القارئ على إعادة إنتاجه بالنظر إلى ما يتوفر عليه كل واحد منهما من خلفيات نصية ( ما تراكم لديهما من معارف مستقاة من موارد نصية سابقة). - البعد الثقافي: يكتب النص ويقرأ في إطار تفاعله مع جملة من السياقات الثقافية والتاريخية التي تثري دلالاته وتشرعه على قراءات وتأويلات متعددة. 2- إن اقتناع سعيد يقطين بجدوى الهم الثقافي في الممارسة النقدية حفزه على تقديم تصور متكامل وشمولي لدراسة السرد العربي من خلال بنياته الحكائية والخطابية والنصية. وراهن، من خلال هذا التصور الشمولي، على تحليل النص في مختلف تجلياته الدلالية والجمالية، والنظر إليه من زوايا متعددة ومن ضمنها قدرته على إعادة تمثيل الأنساق الثقافية والمعرفية التي سادت في مرحلة تاريخية معينة، واستثمار الخلفيات النصية المتراكمة في سياقات جديدة. أسعفه التركيز على الوساطة اللغوية على الاكتراث لقدرة النص على امتصاص التفاعلات اللفظية والصراعات الاجتماعية في بنياته (وعلى هذا الأساس فالبنيات الاجتماعية ملازمة للنص)، وإعادة النظر في علاقة النص بالواقع باستثمار مفاهيم جديدة من قبيل الوهم المرجعي والإحالة الذاتية واللاتشخيص والتعلق النصي والتناص والنص الواصف. 4- تعامل سعيد يقطين مع النص بصفته نسقا دلاليا وثقافيا لا يكتفي بإعادة تمثيل الواقع وإنما يثير جملة من الأسئلة التي تهم الواقع الثقافي العربي بصفة عامة. وهي، في مجملها، تحوم حول النظام الثقافي العام (ما أنتجه الإنسان العربي من أنساق ثقافية وأنواع سردية) والموقف من التراث السردي، واقتراح المشاريع البناءة، والاستخدام الأمثل للوسائط المتعددة والمتفاعلة، والولوج إلى مجتمع المعرفة، وتجديد الفكر النقدي، وتحسين أداء المؤسسة الأدبية. 5- في كل ما كتبه سعيد يقطين يتضح أنه يعير أهمية لإثارة الأسئلة والإشكاليات. والأهم ، بالنسبة له، هو التطور في تقديم الإشكاليات بالإجابة عنها، وتحقيق التراكم المتحول إلى نوع بشأنها"([15]). يستغرب من حصول تراكمات هائلة لكنها تفتقر إلى الجودة والنوعية. وهو ما يحفز على إثارة مزيد من الإشكاليات لإعادة النظر في كثير من التصورات القديمة التي مازال مفعولها قائما في العصر الراهن، وتجديد الرؤية إلى الإنتاج العربي في مختلف تجلياته وأبعاده. إن مجمل الأسئلة التي طرحها سعيد يقطين في سياقات مختلفة تجلي، في عمومها، نزوعه الحداثي الذي يقوم على ثلاثة مداميك أساسية، وهي: إعادة النظر في التراث بأسئلة وطرق جديدة، وتجديد الفكر الأدبي والمقاربات النقدية، وتطوير طرق التدريس والتعليم بالانفتاح على المستحدثات المعرفية والتكنولوجية. الهوامش: [9] -سعيد يقطين،من النص إلى النص المترابط مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي، المركز الثقافي العربي،ط1، 2005. |
||||||||||||||||||||
Powered by: Arab Portal v2.2, Copyright© 2009 |